[caption id="attachment_180" align="alignnone" width="620" caption="الدكتور محمّد غانم الرميحي"][/caption]
الدكتور محمّد غانم الرميحي هو أستاذ علم الإجتماع السياسي، في جامعة الكويت وقد قدّم كتابات عدة تتعلق بمواضيع علم الإجتماع السياسي، وشغل مناصب كثيرة ومنها رئيس قسم ومساعد عميد كلية الآداب والتربية في جامعة الكويت. أشرف على رئاسة تحرير صحف ومجلات عدة من بينها صحيفة "أوان" اليومية ومجلة "حوار العرب" وجريدة الفنون ومجلة "العربي" الثقافية الشهرية المصورة، وكان أسس ورأس تحرير مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية التي تحولت في ما بعد إلى مركز دراسات الخليج العربي.
ومن نشاطه أيضا عضويته في مجالس ولجان عدة من بينها اللجنة الاستشارية بمركز الدراسات الخليجي بالجامعة الأمريكية في الكويت والمعهد الدبلوماسي الكويتي ومؤسسة الفكر العربي ومنتدى الفكر العربي بالأردن وغيرها.
الرميحي عضو في جمعية الصحفيين الكويتية منذ عام 1974 وله مؤلفات كثيرة ودراسات أكاديمية منشورة في مجلات متخصصة ويكتب مقالات دورية في كبريات الصحف الكويتية والعربية.
"المجلة" التقت الرميحي فكان هذا الحوار الذي فرضت فيه "الانتفاضات الشعبية" في البلاد العربية نفسها حدثا بخاصة وأن ما يحدث هنا وهناك يتطلب رأي عالم الاجتماع قبل المحلل السياسي، اللذين يجتمعان في محمّد غانم الرميحي. تحدث أيضا عن الديمقراطية والعسكر والاسلاميين ولم يستبعد الكويت ولم يغفل البحرين ولم يجامل الشيعة ولم يهادن ايران.
وفي ما يلي نص الحوار:
"المجلة": أين يقف الدكتور الرميحي مما يحدث من انتفاضات شعبية في المنطقة العربية
- لا يستطيع احد اليوم ان يتنبأ بما يمكن ان يحدث لمستقبل "الربيع العربي" كما يسمى، لا زالت الزوابع كثيفة من حولنا، كما الاحتمالات. وإذا نظرنا الى ابعد مما يجري، فنحن امام ثلاث احتمالات، الاول والأقرب الى قلبي وتمنياتي ان تتمخض كل هذه الاحداث عن دول عربية مدنية ديمقراطية يعلى فيها شأن القانون الوضعي ويكون الناس فيها متساوون. اما الاحتمال الثاني فقيام دولة "دينية" بشكل ما، مرجعيتها، مجتهد ما، قد يصيب وقد يخطئ. اما الاحتمال الثالث فهو قيام نظام او نظم عسكرية في ثياب مدنية، او خلط بين العسكرة والتدين "ضياء الحق في باكستان قبل ذلك".
التحرك الشعبي الذي تم حتى الآن هدم او هو في طريقه ان يهدم الماضي، ولكن ما هي الفلسفة. التصور للقادم لا زال إما غير موجود او مختلف عليه.
"المجلة": حتى لا تنتج الانتفاضات "ديمقراطيات جاهلية" على حد أحد تعبيراتك، كيف يمكن ان نبني مجتمعات ديمقراطية حقيقية
- الديمقراطية في رأيي ثقافة قبل ان تكون صناديق انتخاب، والتجارب العربية حولنا لا تبشر بكثير خير. التجربة اللبنانية فيها حرية قول وتناحر ولكن ليس فيها ديمقراطية، فيها الكثير من التوريث السياسي وفيها الكثير من الطائفية. التجربة الكويتية تراوح مكانها، فقد تم ايجاد دستور لكن هذا الدستور "شبه المقدس" اصبح مجمدا فجمدت من حوله الحركة السياسية واصبحت اما قبلية او طائفية.
التجارب العربية قليلة ولم تنجح كما توقعنا لها. الديمقراطية تحتاج الى ديمقراطيين وهم في ثقافتنا العربية غير موجودين، حتى في المؤسسات الاهلية تجد ان "مجلس الادارة" يبقى في مكانه حتى يهرم في الغالب الأعم. لا يوجد تداول سلمي للسلطة، العرب كلما تخلصوا من فرعون وجدوا فرعونا آخر. وحتى لا تبني هذه الانتفاضات "ديمقراطية جاهلية" يحتاج الامر الى توعية والى ممارسة والى تعليم حديث يعلي من شأن المواطنة.
"المجلة": العسكر كان لهم دور بارز في تونس ومصر.. أي دور تتوقع ان يلعبوه في المستقبل
- قلت ان احتمال ان يأتي العسكر الى الحكم تحت اثواب وملابس مختلفة صيغة ممكنة، وكلما زادت البلبلة وضاع القانون ربما طلب الناس العسكر للحماية، فالمطالبات غير المنضبطة وتوقع ان كل من يستطيع ان ينزل بضعة الاف في الشارع يستجاب لمطالبه سوف تخلق فوضى تهيئ العسكر للعودة الى سدة الحكم بشكل واضح او من وراء ستار.
"المجلة": أليس من حق الاسلاميين التواجد والعمل السياسي وقد كان لهم دور مثل غيرهم في موجة التغيير الديمقراطي التي نشهدها
- الاسلاميون –على اختلاف اجتهاداتهم – من حقهم الاسهام في بناء اوطانهم، على شرط احترام شروط اللعبة السياسية وعدم الازاحة او تهميش الاجتهادات الاخرى، المشكلة لدى بعضهم انهم يرون السياسية بمنظار العقيدة، كما اسلفت، العقيدة "الايديولجيا" شيئ والسياسة شيئ اخر. بعضهم بدأ يميل الى العمل السياسي "الاخوان في مصر" وبعضهم لا زال متشددا، اما رأيي واما فلا. المشكلة بهذا الخصوص ان شعوبنا العربية متدينة، ذلك تاريخها وهذه ثقافتها، وبنقص فادح في التثقيف يمكن للبعض ان يقتنص الجمهور ليأخذه الى ساحته، من دون برنامج حديث. هذا ما حصل في كل من ايران وافغانستان ونرجو ان لا يحدث عندنا. هناك تجربة مفيدة يمكن الاستفادة منها وهي التجربة التركية، الا ان ظروفها تختلف.
"المجلة": هل تعتقد أن الوضع الليبي يختلف عنه في سوريا، ولمَ يتدخل العرب والعجم هنا ويصمتون هناك
- أرى ان كل وضع عربي مختلف جزئيا عن الاخر، اليمن غير سوريا والاخيرة غير مصر وهكذا. تحدثت في السابق في مقال عن الكتلة الحرجة في التغيرات الحاصلة. و الكتلة الحرجة هي الجيش في الدول المنظمة والقبائل في الدول الناشئة "اليمن مثال وكذلك ليبيا" فاي موقف تقفه الكتلة الحرجة تميل معه التغيرات العربية في ما سمي ربيع العرب.
"المجلة": كيف يرى عالم الاجتماع السياسي التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة العربية، ولماذا الآن
- علم الاجتماع السياسي العربي – مع الاسف – في معظمه مؤدلج. ولم يسمع المشتغلون – العرب – بهذا العلم بنصيحة عالم اجتماع مهم هو ماكس فيبر الذي تكمن أهميته وهو الكاتب المرجعي والتأسيسي في علم الاجتماع في كونه أوغل في التمييز بين رجل العِلم ورجل السياسية، على أساس أن رجل السياسة يتّخذ موقفاً في حين أن رجل العلم يحلّل البنى السياسية، وأنه حين يمارس التعليم لا ينبغي عليه استخدام سلطته. فإذا ما أدخل رجل العلم حكمه القيمي الخاص، انتفى الفهم الكامل للوقائع. بمعنى آخر، إذا ما استوت السياسة (بمعناها الأيديولوجي أو المبتذل) مع العلم، الذي تكثر ممارسته في العالم العربي، حيث شكّل "الانقلاب على هذا القانون المؤسّس" - إذا ما جاز التعبير- أحد أبرز المشكلات التي أثّرت سلباً على وضعية علم الاجتماع العربي، سواء لجهة جودة البحوث في هذا المجال أم جودة التعليم. لقد غرق عدد كبير من علماء الاجتماع العرب "في الموجة الضخمة التي مزجت الإنسانيات وعلوم الاجتماع بالأيديولوجيات السياسية التي كانت مهيمنة على الجماعات العلمية، ما أدّى إلى تراجع المقصد العلمي والسعي إلى تراكم معرفة الوقائع والقوانين المجتمعية، لمصلحة انتشار النظريات والرؤى والبناءات الذهنية المحدّدة سلفاً" - التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية 2008 - وصولاً إلى دخول الأصولية الدينيّة بقوّة على موضوع العلوم الإنسانية والاجتماعية. من هنا اختلط التحليل الاجتماعي الصارم بالينبغيات المختلفة وفات على جيل كامل رؤية المجتمع على حقيقته وهو يتغير كما فات على علماء الاجتماع العرب - في معظمهم - قراءة تلك التحولات من دون موقف ايديولجي مسبق، عدى استعارة ما يصلح وما لا يصلح من ادوات المنهج في الغرب لتطبيقها على المجتمع العربي ذي الثقافة المختلفة. من هنا فإن ادوات التحليل المتاحة وهي "الفقر، التوزيع غير العادل للسلطة" لا تفي بالتفسير. قلت في السابق ان السبب كما اراه في "الحُقرة" وانتفاء العدالة بأشكالها المختلفة.
"المجلة": بعد توقف الحوار بين المعارضة والحكومة في البحرين، ما هي الخطوة أو الخطوات المقبلة برأيك
- المعارضة في البحرين وقعت في خطأ جسيم بل بالغ الجسامة في رأيي، لقد تركت القلّة تقود شعاراتها فتحولت من مطلب الاصلاح، وكان مقبولا، الى "حكم ولاية الفقيه" والدولة الاسلامية الشيعية، وهو ما اثار الناس وارعبهم. مع هذا الانحراف لم يكن لدى غالبية المعارضة الشجاعة لصدّه والعودة بالشعارات والمطالبات الاصلاحية. من هنا اثارت تلك الشعارات "التي كانت لها اجندة خارجية" الكثيرين، ولا أعرف ان كان ذلك حسابات سياسية مغرقة في الشخصانية وقصر النظر، ام كانت مفروضة على "تابعين" ينفذون أجندة خارجية.
"المجلة": يقال إن البعض في الكويت، خرج عن السياسة المعلنة للدولة في الشأن البحريني واتخذ مواقف "طائفية"، ما رأيكم في ذلك وكيف يمكن أن تؤثر هذه المواقف على الداخل الكويتي
- الدولة في الكويت أرسلت قوة بحرية الى البحرين كجزء من قوات درع الجزيرة، كما وقفت مع كل القرارات الخاصة بما حدث في البحرين، الاقليمية منها والدولية. هناك البعض جاهر بعكس الموقف الرسمي معتقدا انه يدفع الدولة الى موقف مخالف، ولكن ذلك كان في الاعلام ولم يكن على ارض الواقع.
"المجلة": كيف نفسر هذا الصراع، الذي يطفو بين الحين والآخر داخل أبناء الوطن الواحد، بين الولاء للطائفة والولاء للوطن
- الاصل هو الولاء للوطن وقد كتبت كثيرا في هذا الموضوع، شيعة الخليج هم عرب في معظمهم، ومن كان اصله من ايران تعرّب جيلا بعد جيل، وقد لا يعرف البعيدون ان هناك جماعات كثيرة اصلها عربي في ايران، ولا اقصد هنا اهل الاهواز المعروفين تاريخيا ولكن ايضا سكان شمال وجنوب غربي الهضبة الايرانية، هم من اصول عربية سنية في الغالب، يسميهم ابناء الخليج بعد انتقالهم الى الضفة الغربية منه بالهولة، وقد نزح منهم على مرّ القرن التاسع عشر والعقود الاولى للقرن العشرين حتى منتصفه، عدد كبير استوطن المنطقة وقدم الكثير لرقي اوطان الخليج وبنائها.
"المجلة": الشيعة موجودون في أكثر من بلد خليجي، ما هي رؤيتكم لمستقبل المنطقة في المرحلة المقبلة
الشيعة ايضا ساهموا مساهمة جليلة في الدفاع عن الوطن، المثال الأخير في تسعينات القرن الماضي عندما احتل النظام العراقي السابق الكويت، قدم ابناء الطائفة الشيعية، كما السنية، كمواطنين الكثير من التضحيات واختلطت دماؤهم ببعض، دفاعا عن الوطن. في البحرين في السبعينات من القرن الماضي صوتت نسبة كبيرة من ابناء البحرين، شيعتهم وسنّتهم مع الاستقلال والعروبة. في شرق المملكة العربية السعودية، قامت في البداية اعمال النفط في المنطقة الشرقية على ايدي ابناء الشيعة في المنطقة الذين شاركوا اخوانهم في الضراء سابقا وفي السراء لاحقا، وكذا أبناء دول الخليج الاخرى. وهو امر طبيعي في ظل الهجرة والتنقل بين موانئ الخليج العربية والايرانية اللذين استمرا قرون عديدة، و في كثير من الأحيان من دون تدخل من السلطة الايرانية في الداخل البعيد. الهجرة والهجرة المضادة في مناطق التماس بين القوميات امر طبيعي، حدث ويحدث في كل مناطق العالم.
ماذا حدث اذا كي تحاول بعض القوى اللعب في النسيج الاجتماعي؟ انها السياسة لا اكثر، قلة مستفيدة تتبعها في بعض الاحيان كثرة مغيّبة تؤجج المشاعر السلبية تحت شعارات شتى، ويفقد المجتمع شيئا من لحمته تمهيدا لتقطيع اوصاله بعد ان يفقد بعض عقله.
لا احد لديه شيئ من العقل يدخل الجدل في الناحية العقيدية، لان العقائد هي مسؤولية الفرد وعلاقته بربّه، وقد كان ولا يزال ابناء الطائفة الشيعية يختارون مُقلدا يستندون على فتاواه في شؤونهم وما يخصهم، وليس ذلك بجديد ان يكون هذا المُقلد او ذاك في مكان ما من ايران او من مدن العراق، كالنجف و كربلاء. والخلاف الفقهي، الذي طال قرونا، لن ينفع فيه تعصب هنا وتعصب مضاد هناك، الافضل التعايش معه في اطار المواطنة الحديثة وما تعارف عليه الناس.
محاولة التدليس في هذا الامر، هو من اخطر ما يمكن ان يحصل للنسيج الاجتماعي في الخليج، واللعب على المشاعر، اقلية هنا، تدغدغ مشاعرها، وغالبية هناك، تثار مشاعرها، ذلك نوع من التدليس السياسي، وضرب اسفين الفرقة.
"المجلة": هل من خوف أن يختلط السياسي بالعقيدي فنشهد صراعات طائفية في المنطقة
لنعترف ان هناك اقلية، لاسباب سياسية، تنحو نحو الولاء السياسي للقيادة الايرانية، هناك حزب كامل، هو حزب الله في لبنان يقولها بوضوح ومن دون مواربة، انه ينتمي إلى المرجعية الدينية، وبالتالي السياسية الايرانية. وهناك من السنّة من يؤيد مشروع حزب الله المقاوم، وقد لا يتفق معه على المرجعية السياسية او المذهبية، ولكن يتعاطف مع مشروعه السياسي الموجه نحو العدو الصهيوني، كل ذلك سياسة.
ولكن، وهذه "اللاكن" كبيرة، هناك خط فاصل بين السياسي و بين العقيدي، وهما برزخان –من المفروض ان لا يبغيان على بعضهما - فالخلاف السياسي يبقى خلافا سياسيا، ولا يطول العقيدة ولا يحتمل التعميم. كثير من المواطنين، السنة والشيعة، لا تروقهم سياسة ايران الحالية وطريقة التعبير عنها، ويرون في ذلك تدخلا سافرا في شؤون بلادهم، وهذا حقهم المشروع، ولكن في نفس الوقت وبنفس درجة القوة لا يرون ان عداء مستحكما يجب ان يتصاعد الى درجة التوتر الخطر بسبب تهم ايقاض التبعية الى خارج الوطن، الا في حال الجرم المشهود وبالدليل القاطع ومن دون تعميم.
خلط الامور بين السياسي والعقيدي هو ما يرغب في فعله المتعصبون من الجانبين، وما يصطاد في بحره السياسيون ويغرق فيه الجهلاء.
"المجلة": كيف ترون دور ايران في المنطقة وتدخلها في الشؤون العربية وبخاصة في دول الخليج
- دور ايران تحت القيادة الحالية – مع الاسف – دور سلبي، وهو محاولة لتصدير المشكلات الداخلية الى الجوار العربي، والخاصرة الليّنة هي دول الخليج. فبعد الاعلان عن ادانة قضائية في الكويت لعدد من حالات التجسس الايرانية، وبعد التدخل السافر في البحرين، تظهر الحالة الايرانية في الخليج مجددا وكأنها حالة شراهة للتمدد خارج الجغرافيا للولوج الى التأثير في المنطقة لتحقيق مصالح استراتيجية. ولا تفعل السلطات في ايران هذا الامر تاريخيا – اي محاولات التمدد – الا نتيجة ازمة داخلية، ترى بعض دوائرها ان ذلك قد يخفف الاحتقان الداخلي، ويصرف النظر عن صراع داخلي بانشغال يسوّق على انه "وطني" في الجوار.
حدث هذا مرارا إبان تطور الدولة الايرانية الحديثة، منذ بداية القرن الماضي وحتى اليوم، وهو يلبس لبوسا مختلفة ويتغطى بأغطية ايديلوجية، تارة قومية واخرى اسلامية الا انه في نهاية المطاف يتوخى النتيجة نفسها.
اليوم ايران ليست في افضل حالاتها، فمنذ نصف عقد على الاقل، وهي تشهد صراعا حادا ومحتدما في داخلها على اكثر من وجه، الاول الخلاف المستحكم حول نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة، والتي هي بدورها كانت نتيجة احتقان في البحث عن ديمقراطية مؤطرة بتحكم رجال الدين، والثاني الوضع الاقتصادي الصعب الذي يطوقها جراء المقاطعة الدولية، اما الثالث فهو الخلاف مع دول بقية العالم، بخاصة الصناعية، حول برنامجها النووي، الذي لا يبدو ان له نهاية قريبة، والشكوك التي تحيط به مع استفحالها بعد كارثة اليابان الاخيرة، التي وضعت الاستخدام النووي، حتى السلمي، في نطاق الشك الحقيقي والهلع من اخطاره الكارثية.
تلك مجموعة من العناصر المستجدة التي تتحكم في المشروع الايراني، والتي يدفعها للتنفيس الى الخارج، الا ان هناك عاملا قديما جديدا، خلف معضلة النظام الايراني منذ بدأ، وهو الافق المسدود تقريبا لحكم اصولي شيعي لم تتطور ادواته لتعايش العالم الحاضر، مع طموح الايرانيين بسوادهم، الى التقدم الحديث، اي ان هناك تناقضا حادا بين طموح القومية الآرية وبين حكم رجال الدين، و هو ما يشكل معظلة يرى بعض الساسة الايرانيون ان حلها هو في ما يمكن تسميته بأرينة الاسلام، اي بدمج عناصر القومية الارية والاسلام السياسي.
هذه الارينة تجيب على السؤال لماذا التمدد الايراني باتجاه العرب؟ الاجابة قد تبدو منطقية، وهو ما يربط بين العرب وبين الاسلام . فأنت لا تستطيع ان تكون مسلما الا بمعرفة بالعربية لغة الاسلام. من هنا فان الصراع الخفي بين الملالي، ذوي العمائم البيض من الايرانيين، وبين السادة، ذوي العمائم السود التي تجعلهم من أصول عربية بالضرورة، هو ما يفسر الاندفاع نحو الخاصرة العربية، وهي هنا العراق وما يتبع ايران في لبنان. من اجل اقناع الطموح الاري القديم، فان اسلمة ايران قد ياتي معها ايضا امبراطورية جديدة تحت تلك الراية!
"المجلة": أمام هذا "المد" الايراني ما المطلوب من الدول العربية وبخاصة الخليجية
في مقابل هذه "الأرينة" فان منطقة الخليج العربي او ما يعرف اليوم بمجلس التعاون ياخذ وضعية السكون، او محاولة دفع الشر عن طريق عدم الاعتراف بوجوده، وهذه الوضعية لا يمكن ان تستمر لفترة طويلة، و"السار المرتبك" الذي اتخذته ردة الفعل لمجلس التعاون تجاه الاحداث الاخيرة لا ينبئ ان هناك استراتيجية حقيقة، خلاف الكلام والتصريحات، لمواجهة الطموح الايراني الذي لا يخفى.
يرى الاستراتجيون في ايران ان قرب الخروج الامريكي من العراق يسقط العراق كثمرة يانعة في استراتيجية ايرانية، كما انه يحكم الطوق الثلاثي والقائم على اندفاع الثورة الايرانية، و حالة عدم الرضا العارم الذي يجتاح الثقل السكاني العربي من مصر الى اليمن والذي يغذي طموحات بعض الشرائح الداخلية في الخليج للاستقواء بإيران، وهي فرصتها التاريخية للتمدد. هكذا من الواجب قراءة ما يحدث اليوم في الخليج.
يتوفر في ايران اليوم قرابة 80 مليون نسمة، وكل الخليج، الذي تضاعف عدد سكانه في الـ30 عاما الاخيرة 3 مرات، لا يزيد كثيرا عن ربع ذلك العدد، كما ان المسار المرتبك الذي اتخذته آليات التقارب مثل توحيد العملة وتوحيد السوق الاقتصادية قد اوصل الى منطقة مجزأة ومتضادة في بعض قراراتها الاستراتيجية، وهو ما يسهل الاختراق الايراني بكل طموحه، وبكل المبالغ المالية المرصودة لهذا الاختراق عربيا من اجل هدف "أرينة الاسلام".
وضعية السكون الخليجي تحتاج الى حراك، وهو حراك يتخطى التفكير الاقتصادي الذي ساد حتى الان الى تفكير استراتيجي وهو الحفاظ على الهوية ليس للجيل الحالي فقط بل والاجيال القادمة.
التفكير ما بعد الاقتصادي هو رفع العين عن العملة والسوق والسيادة المحلية الى وفاق استراتيجي متكامل تتخطى فيه الأنا الى الكل ويتوجه الى اصلاحات بنيوية في العلاقات بعيدا عن المجاملات التي تصلح ربما لاحداث النصف الاول من القرن العشرين ولكنها لا تتوافق مع احداث الربع الاول من القرن الحادي والعشرين.
الحديث عن الخليج ككيان وجب طرحه اليوم والعمل على تحديد آلياته. لم يعد الخليج العربي بعيدا عن طموح الجيران ولم يعد ايضا بعيدا عن الانخراط النشط في ما يجري بعيدا عنه. المثال هو اشتراك دولتين منه بشكل مباشر في الاحداث الليبية، وهي خطوة كبرى، قد يضطر اخرون الى خطوها آجلا او عاجلا في الجوار او في المحيط.
أجرى الحوار: عزالدين سنيقرة
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.