في حواره المثير الذي اختص به الدكتور مصطفى الفقي "المجلة" ليكون أول حوار مطول يجريه بعد 48 ساعة فقط من ترشيحه لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلفاً لعمرو موسى، كشف الفقي عن كثير من الخبايا والأسرار المثيرة المتعلقة بعلاقته بالرئيس المصري السابق حسني مبارك وأسرته، بخاصة زوجته سوزان وابنه جمال، وذلك رداً على ما أثير ضد ترشيحه من جدل كبير في الشارع المصري وصل إلى درجة الرفض والاعتراض من جانب بعض شباب "ثورة 25 يناير" لأنهم اعتبروه جزءاً من النظام الذي أسقطته ثورتهم، بحكم قربه من دائرة الرئيس مبارك وعمله معه كمدير لمكتبه فترة من الزمن، إلا أن الفقي أكد للمجلة أنه من أكثر الذين تعرضوا للإيذاء على يد مبارك وأسرته، في العديد من المواقف والمناسبات، سواء بالتوبيخ أو الفصل أو الطرد، كل ذلك وأكثر، كشف عنه الدكتور الفقي من خلال إجاباته على أسئلتنا له في هذا الحوار ... والتي بدأناها بالسؤال التالي :
"المجلة": كيف تصف ترشيحك لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية؟
- أعتقد أن ترشيحي بمثابة تحد كبير، لأنه يتواكب مع ظروف صعبة تمر بها الدول العربية من انتفاضات وتغيرات في أنظمة الحكم، وهو ما يدعونا للتركيز على جهاز جامعة الدول العربية وأمانته العامة في أن نتفاعل مع ما يدور من أحداث، وأن نتقدم بالعمل العربي المشترك على رغم هذه الظروف.
تحديات
"المجلة": في ظل هذه التحديات.. لماذا قبلت الترشح إذن؟
- قبلت الترشح لأنه منصب رفيع، فمن ذا الذي لا يتحمس أن يكون في مكان عبد الخالق حسونة وعبد الرحمن عزام أو عصمت عبد المجيد أو عمرو موسى أو محمود رياض أو الشاذلي القليبي .. فلا شك أنه شرف كبير.
"المجلة": إلى أي مدى تستشعر التأييد العربي لهذا الترشح؟
- معظم الدول العربية تؤيد المرشح المصري، كما أن المجلس العسكري المصري لم يرشحني إلا عندما استطلع رأي الدول العربية، فوجد أن هناك فرصة كبيرة للفوز.
"المجلة": إذن فوزك مضمون؟
- لا.. الفوز ليس مضموناً، فكل دولة عربية لديها كوادر كثيرة جديرة بالمنصب.
"المجلة": هل تعتقد أن انتماءك لبلد تقود "الانتفاضات العربية" حالياً يؤثر في إمكانية فوزك بالمنصب في ظل انقسام عربي واضح تجاه هذه الانتفاضات؟
- الموقف القومي هنا هو الأهم، وليس معنى ذلك مصادرة حق تونس أو ليبيا أو اليمن أو غيرهم في ترشيح شخصيات من بلادهم للمنصب، فكل الدول العربية تملك كوادر من حقها الترشح.
"المجلة": ما أهم المؤهلات الخاصة التي تعتمد عليها للفوز بهذا المنصب؟
- مؤهلاتي تتمثل في فكري القومي العروبي وكتبي الكثيرة المهمة التي بلغت خمساً وعشرين كتاباً في شتى مجالات المعرفة سواء في العلاقات الدولية أو الشؤون العربية ودراسات الشرق الأوسط، وبخاصة كتابي "تجديد الفكر القومي" الذي صدرت منه عشر طبعات، كما أن لي تاريخاً طويلاً في العمل الدبلوماسي، فقد عملت مستشاراً للسفارة المصرية في الهند وسفيراً في فييناً، وجمهوريات سلوفاكيا وسلوفينيا وكرواتيا، وعملت مندوباً مقيماً لمصر بالوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمات الأمم المتحدة في النمسا ومندوباً لمصر بجامعة الدول العربية ووصلت لمنصب مساعد وزير الخارجية المصري.
"المجلة": إذا كنت تعتمد على فكرك القومي بالأساس.. كيف ستطبقه لو أصبحت أميناً عاماً للجامعة العربية؟
- الفكر القومي تطور ولم يعد مجرد مجموعة العواطف التاريخية والإنسانية التي تسيطر على العلاقة في جماعة معينة، بل أصبح معبراً عن مصلحة مشتركة من خلال دعم مشروعات مشتركة في مجالات مختلفة كالطرق والكهرباء والتعليم، وفي مجال التعليم على سبيل المثال لابد من وجود مناهج تعليمية مشتركة بين العالم العربي حتى نخلق أجيالاً جديدة لديها أسس في توحيد هذا العالم.
"المجلة": وهل هذا ممكن؟
- بالطبع ممكن، لأن الدول العربية تطورت وتقدمت، وذلك بغض النظر عن قيام الثورات التي يشهدها الوطن العربي، والعقل العربي عموماً اختلف، ومن ثم تأتي أهمية الثقافة التي يجب التركيز عليها باعتبارها المسؤولة عن سلوك البشر، ولو التقينا كعرب ثقافياً فسنوحد أسلوب التفكير.
نظام مبارك
"المجلة": على رغم تاريخك الطويل وفكرك القومي إلا أنك محسوب على النظام السابق بحكم عملك مديراً لمكتب مبارك سابقاً، مما دفع بعض شباب الثورة المصرية لرفض ترشحك لمنصب الأمين العام؟
- علمت بهذا الموقف، ولكن هؤلاء الشباب لا يتابعون تاريخي ولا يدركون كمّ الضغوط التي كنت أتعرض لها في ظل النظام المصري السابق، والإيذاء الذي أصابني منه، فقد فصلت من رئاسة الجمهورية وتركت عملي فيها منذ عشرين عاماً، كما فصلت من لجنة "مصر والعالم" في الحزب الوطني الحاكم سابقاً، ومنعت من الكتابة لسنوات في الصحف ولا يمكن أن يكون ذلك جزائي.
"المجلة": وما سبب هذا العداء المفاجئ بينك وبين مبارك بعد أن كنت مديراً لمكتبه؟
- الأمر لم يكن مفاجئاً لأنني معروف بمواقفي الحاسمة وآرائي الصريحة، فحتى عندما كنت داخل منظومة النظام السابق، كنت أتخذ مواقف معارضة من بعض السياسات وأعلنها صراحة، وكان هذا واضحاً من موقفي من التعديلات الدستورية وتقييد الحريات، كما أنني لم أستخدم كلمة المحظورة أو الجماعة المنحلة تجاه الإخوان كما كان يردد النظام، وتعرضت للتوبيخ من الرئيس مبارك عندما كتبت مقالات امتدحت فيها بعض الشخصيات مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل والمشير أبو غزالة والفريق سعد الدين الشاذلي، كما أقالني ابنه جمال من لجنة الحزب الوطني لأنني رفضت الذهاب إلى إسرائيل بسبب سياستها العدوانية تجاه الفلسطينيين والعرب، بل طردتني زوجته سوزان من المجلس القومي للمرأة لأن صوتي ارتفع في وجودها، فهل بعد كل ذلك يمكن أن أحسب على النظام السابق؟ بالطبع لا، ويبدو أن هؤلاء الشباب ليس لديهم فعلاً علم بذلك وهم معذورون ولكنني أحاول توضيح الأمر لهم.
"المجلة": هل هناك خطة للالتقاء بشباب 25 يناير لتوضيح مثل هذه الأمور وإقناعهم بترشيحك؟
- لا، لا توجد خطة للتحدث إليهم أو الالتقاء بهم، ولكن لو شعر أحدهم بالرغبة في التحدث معي فسوف أحسن استقباله، أما ما يتعلق بموضوع تزوير الانتخابات في دمنهور ضد الإخوان، فهذا أمر لم يكن لي يد فيه، وقد اتصل بي السيد محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق للإخوان المسلمين في مصر وأكد لي مباركته لترشيحي لمنصب الأمين العام، وقال إنه يدرك أنه لاذنب لي في ما حدث في تلك الانتخابات التي يلومني عليها شباب الثورة.
"المجلة": أي أنه برأك من هذه التهمة؟
- لم يبرئني، لأنه لا توجد أية تهمة على الإطلاق، ولم أشارك في التزوير.
الإخوان والأقباط
"المجلة": على ذكر الإخوان المسلمين.. هل يمكن قبولهم على رأس النظام في مصر لو نجحوا في انتخابات الرئاسة؟
- أنا أختلف مع الإخوان المسلمين فكرياً، ولكن رغم هذا الاختلاف فأنا أؤيد حقهم في أن يكونوا جزءاً من العملية السياسية المصرية على قدم المساواة مع كل القوى الأخرى، وقد قلت هذا الكلام وناديت به في ظل النظام السابق، وليس الآن فقط، وأنا سعيد جداً بدورهم وتشكيلهم لحزب سياسي، ولا أرفض أن يصلوا لرئاسة مصر طالما أن إرادة المصريين الذين صوتوا في الانتخابات هي التي أتت بهم.
"المجلة": وماذا لو جاء قبطي كرئيس لمصر؟
- لست ضد مجيء رئيس قبطي لمصر، وقد عبّر كثير من الإخوان عن عدم رفضهم تولي قبطي الرئاسة في مصر.
"المجلة": هناك مصريات رشحن أنفسهن للرئاسة.. فهل تقبل تولي سيدة رئاسة مصر؟
- ليس هناك ما يمنع وصول امرأة لكرسي الرئاسة في مصر، وبالمناسبة الفصل في هذا الموضوع هو العملية الانتخابية نفسها ومدى سلامتها، لأنها هي التي تأتي بالشخص.
"المجلة": كيف تقيّم الوضع السياسي الآن بمصر في ظل حالة الزخم التي تشهدها الساحة السياسية؟
- أنا سعيد بهذا الزخم، وما يحدث في مصر هو ظاهرة صحية وتطور إيجابي وحراك سياسي قوي، وهذا هو المطلوب.
"المجلة": هناك ملفات ساخنة تنتظر من يأتي أميناً عاماً للجامعة العربية.. كيف ستتعامل معها في ظل اشتعال الثورات العربية؟
- كما قلت، إن الأساس هو دعم العمل العربي المشترك من خلال المشروعات التي ذكرت بعض أمثلتها، أما في ما يتعلق بالأحداث المواكبة لترشيحي من ثورات وانتفاضات هنا وهناك، فالجامعة العربية لا تتدخل في الشأن الداخلي للدول، ولكنها لا شك ستستمع لأصوات الشعوب مع التأكيد على أن كل العرب في الجامعة متساوون، والتعامل سيكون بحياد وموضوعية.
إسرائيل والعرب
"المجلة": ماذا ستفعل في ملف القضية الفلسطينية الشائك؟
- بالنسبة للقضية الفلسطينية نحن ندعو للسلام الشامل العادل، ولكنني متمسك بالثوابت واحترام مقدرات الشرعية الدولية، وإسرائيل تماطل وتضيع الوقت وتواصل الاستيطان والعدوان، لكننا سنواجه ذلك بحملة دولية قوية.
"المجلة": وهل مثل هذه الحملة الدولية لم تكن ضمن أولويات الجامعة العربية سابقاً؟
- لا أستطيع القول إلا أن السيد عمرو موسى قام بدور كبير ومسؤول في القضايا كافة داخل الجامعة العربية.
"المجلة": سوريا من الدول العربية المهمة المرتبطة بقضية الصراع العربي الإسرائيلي.. كيف تخطط لإدارة الحوار معها في ظل ما تشهده من اضطرابات داخلية حالية؟
- طبعاً نحن نرجو الاستقرار لكل البلاد العربية، ونتمنى عودة الاستقرار لسوريا بما يرضي الشعب السوري ويتوافق معه، لأن سوريا بلد هام وركيزة من ركائز المواجهة مع إسرائيل.
"المجلة": هل نتوقع تفاوضاً سورياً إسرائيلياً قريباً وجاداً؟
- هذا الأمر هو قرار سيادي للدولة السورية، علماً أن سوريا وافقت أكثر من مرة على التفاوض، لكن إسرائيل غير جادة وتراوغ دائماً.
حزب الله والأجندة إيرانية
"المجلة": وماذا عن توجهات الجامعة العربية - إذا ما صرت أميناً عاماً لها - تجاه الأزمة اللبنانية المزمنة وحزب الله؟
- حزب الله فصيل مقاوم للدولة العبرية، خاض حروباً ضدها، وفي نفس الوقت هو جزء من دولة لبنان العربية، والشأن الداخلي هو شأن لبناني لا نتدخل فيه إلا إذا دعيت الجامعة العربية للمساعدة، لكنني مؤمن بحق مقاومة الاحتلال في أنحاء العالم العربي.
"المجلة": لو توليت منصب الأمين العام.. كيف سيكون سيناريو العلاقات العربية الإيرانية؟
- أنا من الذين يدركون أن إيران لها أجندة فارسية في المنطقة، ولكن هذا لا يعني مقاطعتها أو اتخاذ مواقف استبعادية ضدها، بل يجب فتح حوار معها لأن إيران يجب أن تكون إضافة للعرب مع التأكيد على عروبة البحرين وحق دولة الإمارات العربية في جزرها، على أنه يجب مراجعة دور إيران في بعض الدول العربية.
"المجلة": هل معنى ذلك أن العلاقات العربية الإيرانية ستكون أقوى مستقبلاً؟
- لا، لم أقصد علاقة أقوى إذا ما توليت المنصب، لأن الأمر يخضع للإرادة العربية، لكننا لا نستطيع تجاهل تركيا وإيران وأيضاً منطقة القرن الإفريقي في حساباتنا العربية.
العرب والعالم
"المجلة": هل توجد خطة لدعم التواجد العربي إفريقياً ؟
- إفريقيا جزء مهم من العالم، ولابد من تقوية التواجد العربي فيه، لكن الأمر يحتاج لجهد كبير يستلزم السعي للعمل على رفع بعض الحسابات التاريخية لدى بعض الدول الإفريقية، لأنهم ربما ينظرون إلينا على أننا من دول الشمال الأفريقي التي تستأثر بكل شيء دونهم، وهذا غير صحيح، لكنه يعود لرواسب قديمة، ويمكن أن تتحسن الصورة مع تدفق الاستثمارات العربية إلى إفريقيا لدعم العلاقات العربية الإفريقية.
"المجلة": هل هذه مطالبة ضمنية بزيادة استثمارات العرب في إفريقيا؟
- أنا لا أطالب أحداً، بل أدعو العالم العربي للتوجه باستثماراته لإفريقيا.
"المجلة": بحكم علاقاتك الدبلوماسية بالغرب.. كيف ستكون علاقة الجامعة العربية به في حال توليك منصب الأمين العام؟
- قضيت من عمري خمساً وثلاثين سنة بالسلك الدبلوماسي تعاملت خلالها مع مختلف دول العالم، وأقول إنه يجب أن نعلم أن الغرب لا يحب أو يكره، ولكنه يهاب أو لا يهاب، وبقدر ما لدينا من كروت أو أسباب القوى يتعامل معنا، والمهم أن يشعر الغرب بأن لنا وزناً، فالعالم العربي ليس أقل من غيره من الأمم، بل أكثر منهم بما يمتلكه من إمكانات بشرية واقتصادية.
الدكتور مصطفى الفقي.. سيرة ذاتية
•مواليد محافظة البحيرة 14 نوفمبر 1944
•بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية وملحق دبلوماسي في وزارة الخارجية (1966)
•قنصل مصر في "لندن" ثم سكرتير ثان السفارة المصرية (حتى عام 1975).
•دكتوراه الفلسفة في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة "لندن" (أغسطس عام 1977).
•عمل مباشرة مع الدكتور بطرس بطرس غالي والدكتور أسامة الباز لسنوات عدة وأصدر "الكتب البيضاء" التي تدور حول تاريخ الدبلوماسية المصرية خصوصاً والعربية عموماً.
•مستشار للسفارة المصرية في "الهند" (حتى عام 1983).
•سفير مصر في "فيينا" وسفير غير مقيم لدى جمهوريات "سلوفاكيا" و"سلوفينيا" و"كرواتيا".
•مندوب مقيم لمصر لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمات الأمم المتحدة في العاصمة النمساوية لمدة أربع سنوات.
•مندوب مصر لدى جامعة الدول العربية ومساعد وزير الخارجية المصرية(1999 - 2000)
•مساعد أول وزير الخارجية (عام 2000).
•رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب (2001 - 2010 ) ونائب لرئيس البرلمان العربي منذ إنشائه ثم رئيساً للجنة الشؤون العربية والعلاقات الخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى.
•رئيس الجامعة البريطانية بمصر (2005 - 2008)
•عضو مشارك في مركز الدراسات الإستراتيجية "بلندن" ومؤسسة الفكر العربي في "بيروت" والمنتدى الفكري في "عمان" ومحاضر في أكثر من ثمانية عشر دولة عربية.
اشتغل بالشؤون العربية والفكر القومي منذ أن كان رئيساً لاتحاد الطلاب في الجامعة حتى الآن وله دائرة علاقات واسعة مع المسئولين العرب والمفكرين والمثقفين في معظم العواصم العربية.
حوار : صفاء عزب