الشرق الأوسط الجديد يختبر "ديمقراطية" الاسلاميين و "شعارات" الأميركيين

الشرق الأوسط الجديد يختبر "ديمقراطية" الاسلاميين و "شعارات" الأميركيين

[caption id="attachment_1113" align="aligncenter" width="620" caption="أي دور للاخوان المسلمين في مصر ما بعد مبارك؟ "]أي دور للاخوان المسلمين في مصر ما بعد مبارك؟  [/caption]

يبدو أن هناك حدثا جللا يحدث كل عشر سنوات، يرتبط بصلة وثيقة بالشرق الأوسط، ويعمل على تغيير وجه المنطقة وسياستها. ومن العوامل المشتركة في تلك اللحظات التاريخية كافة كان حضور إما الإسلام السياسي أو الجهاد أو الوجود غير المباشر لأقوى قوة في العالم وهي الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن "انتفاضة الشعوب" لم ترتبط في بدايتها بأي من تلك العوامل، فإنها لديها العناصر التي سوف تجعلها فصلا آخر في القصة المعقدة للعلاقة بين الولايات المتحدة والإسلام السياسي.

فإذا ما رجعنا لعام 1979، سوف يتذكر الجميع ذلك العام باعتباره عام الثورة الإيرانية، أو كما يقول البعض الثورة الإسلامية، وذلك عندما عاد آية الله الخميني إلى إيران وغادر الشاه الذي تدعمه الولايات المتحدة من الباب الخلفي. كما اقتحم الطلاب الإيرانيون في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 السفارة الأميركية في طهران وأخذوا 52 رهينة أميركية لمدة 444 يوما.

وفي 20 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، أغلق العشرات من المسلحين من أعضاء الجماعة السلفية تحت قيادة المدعو جهيمان العتيبي وأتباعه – الذين يدينون بالولاء لمحمد القحطاني الذي يعتبر نفسه المهدي المنتظر - أبواب الحرم المكي. واستمر تدنيس الحرم المكي واحتلال بيت الله الحرام لأسبوعين، ثم اشتبك المهاجمون مع الجنود السعوديين، وهي المعركة التي خلفت مئات الجرحى. ويعتبر الكثير من الباحثين حصار الحرم المكي الشريف أولى حلقات التطرف باسم الاسلام في العصر الحديث.

كما شهد نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1979 أيضا حصار مجموعة يتزعمها جناح من الطلاب المحافظين بحزب جماعة الإسلام الباكستاني - الذين تحركهم نظرية المؤامرة التي تفترض أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا وراء مأساة الحرم المكي - لسفارة الولايات المتحدة في إسلام آباد. ويجب النظر إلى تلك الحادثة في سياق خطة الجنرال ضياء الحق لتأسيس نظام إسلامي في باكستان.

وفي عام من الأحداث الكبرى، وقع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية في واشنطن العاصمة في 26 مارس (آذار) 1979 برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر.

وبعد ذلك بعقد، انسحبت آخر القوات السوفياتية من أفغانستان في 15 فبراير (شباط) 1989. وينظر إلى معضلة أفغانستان، التي يتم وصفها عادة بأنها فيتنام الاتحاد السوفياتي، باعتبارها ذات دور حيوي في انهيار الاتحاد السوفياتي خلال فترة حكم غورباتشوف. وكان من العوامل التي ساهمت في هزيمة الاتحاد السوفياتي واحد من أغرب التحالفات في التاريخ الذي تضمن الولايات المتحدة، ومصر، والمملكة العربية السعودية، وباكستان، والصين، ومجاهدي أفغانستان والجهاديين الأجانب من الدول العربية وحتى آسيا الوسطى. وقد تمت هزيمة الشيوعية الملحدة ولكن الحرب التي لحقتها سوف تشهد نظاما آخر قمعيا وقاسيا.

وفي ظل حصوله على ملجأ آمن تحت حكم طالبان في أفغانستان، كان تنظيم القاعدة مسؤولا عن أقسى اللحظات في التاريخ الأميركي منذ بيرل هاربور، وذلك عندما تمكن من إطلاق طائرتين باتجاه برجي نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وبالنظر للأحداث الماضية، فإن ردة الفعل التي أعقبت ذلك الحدث كانت أكثر أهمية من الحدث ذاته. فقد شنت إدارة بوش - التي كانت ترغب في اتخاذ رد فعل وكانت متحمسة لنشر قواتها العسكرية المبجلة في الشرق الأوسط - "حربها على الإرهاب" التي بدأت بتغيير النظام في أفغانستان من خلال استئصال "الطلاب" من السلطة. ثم سرعان ما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق لخلع صدام حسين. وشهد بعدها الشرق الأوسط الذي سأم الحرب المزيد من إراقة الدماء المحلية والأجنبية على رماله من دون أي غرض منطقي.

وفي 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، أشعل الشاب التونسي محمد البوعزيزي (26 عاما) النيران في نفسه احتجاجا على الأسلوب الذي عاملته به قوات الشرطة البلدية والتي لم تكتف بمصادرة العربة التي يبيع عليها الخضراوات ولكنها قامت بصفعه والبصق في وجهه وإهانة والده المتوفى. وقد انتهى الحال بوفاة البوعزيزي في المستشفى في 4 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي. وكان ما فعله البوعزيزي أكثر من كونه مجرد رد فعل لمشكلته الخاصة، فقد كانت لحظة يأس مر بها شاب يعكس حال الشباب التونسي بأسره، الذي يعاني من البطالة والإحباط على يد الحكومة، والذي يشعر بالضرورة بفقدان الأمل في المستقبل. إلا أنه لم يكن أحد ليتوقع، بما فيهم البوعزيزي، أن يتسبب تصرفه في ما يمكن أن يكون أكثر التطورات السياسية على الصعيد الدولي منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وكانت الاضطرابات العامة قد اتسع نطاقها حتى اضطر الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي للهرب من البلاد بصحبة أسرته بعد 23 عاما من وجوده في السلطة. ثم سرعان ما أصبح واضحا أن عواقب ما فعله البوعزيزي لن تقتصر على تونس. فقد خرج المصريون للشوارع احتجاجا على القمع والحكم الفاسد الذي استمر 25 عاما للرئيس محمد حسني مبارك، مجبرين أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة على الاستقالة. وعلى نحو غير مفاجئ، في اليمن - أفقر دول العالم العربي والتي أنشأت بتأييد الولايات المتحدة دولة بوليسية منذ وصول الرئيس علي عبدالله صالح للسلطة في 1978 أخفقت في تحقيق مطالب شعبها - خرج اليمنيون إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير. وفي الجزائر، والأردن، وسورية وغيرها، خرج الناس إلى الشوارع بدرجات مختلفة من القوة ولكن برسالة واحدة إلى حكوماتهم: تخلوا عن السلطة أو ارحلوا.

وبعد عشر سنوات من 11 سبتمبر (أيلول)، ما زال تنظيم القاعدة وتوابعه نشطا وخطرا ولكنه في وضع المطاردة. كما تخلى كثير من الجماعات الجهادية الأخرى، التي تخشى الربط بينها وبين "القاعدة"، عن العنف وسعت للحصول على دور سياسي. وفي الوقت نفسه، ربما يقول البعض إن الإسلام السياسي سوف يستمر من إيران ولبنان إلى تركيا وغيرها. ومع ذلك، يبدو أن الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة ما زالا ينظران إلى الاقتران بين الإسلام والسياسة كمرض يجب مقاومته أيا كانت التكلفة حتى إذا ما كان ذلك يعني التأييد السياسي والاقتصادي لمبارك وصالح أو بن علي وغيرهم.

وتعد مسألة تأييد الديمقراطية على نحو غير مشروط معضلة قديمة للدبلوماسية الأميركية في المنطقة وعادة ما يستخدم انتصار حماس في الانتخابات في غزة كمثال على كيف يمكن للديمقراطية أن يكون لها نتائج عكسية. فإذا - في أفضل الأحوال - تمكنت مصر من إجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال العام الحالي، وكان أداء الإخوان المسلمين جيدا، أو حتى تمكنوا من الفوز بالانتخابات، فسيمثل ذلك بلا شك اختبارا للولايات المتحدة. وبعيدا عن كونه اختبارا، فإنه ربما يمثل فرصة بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لإظهار استعدادها للتمييز بين الإسلام السياسي والجهاد وأنها يمكنها التعاون مع الأول.

ووفقا لدبلوماسي عربي - نقلا عن "نيويورك تايمز" - فإن حركة الديمقراطية في مصر تشبه عربة قطار يقودها طلاب الجامعات والنشطاء بحقوق الإنسان. ولكن الدبلوماسي يقول إن هؤلاء الطلاب في النهاية "سوف يغادرون تلك العربة ويذهبون إلا جامعاتهم كما سوف يعود نشطاء حقوق الإنسان إلى عملهم، وهل تعلم من الذي سيظل بالقطار الذي سوف يدخل إلى المحطة؟ إنهم الإخوان المسلمون".

وعلى الرغم من أن ذلك الدبلوماسي المجهول يبرز أن الإخوان المسلمين هم في هذه اللحظة أقوى حركة معارضة في مصر وأكثرها تنظيما، فإن المحطة التي سوف ينتهي إليها القطار حاملا الإخوان المسلمين هي ملك للجيش المصري. وعلى الأرجح، سوف يتردد الجيش المصري في إعطاء الإخوان المسلمين دورا في المشهد السياسي المستقبلي بقدر تردد الرئيس السابق مبارك. وهنا يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورا مؤثرا، فباستخدام النفوذ الذي تتمتع به قطعا لدى الجيش المصري، تستطيع الولايات المتحدة أن تقنع الجنرالات المصريين بمواءمة المطالب الشرعية للإخوان المسلمين بالمشاركة السياسية. وإذا لم تفعل ذلك، فإن الانتخابات الحرة في مصر لن تكون جزءا من نفس المعادلة التي ستصبح الوصفة المثالية للاضطرابات. وحتى اليوم فإن الإشارات التي تأتي من واشنطن لا تبشر بخير.

* مانويل ألميدا
font change