رئيس حركة النهضة التونسية يرفض الخروج المسلح على الحاكم

رئيس حركة النهضة التونسية يرفض الخروج المسلح على الحاكم

[caption id="attachment_1275" align="aligncenter" width="620" caption="راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية"]راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية[/caption]


وكان راشد الغنوشي قد عاد إلى وطنه تونس بعد أن قضى عقدين من الزمن في المنفى، وبعد أن تم حظر نشاط حركة النهضة الإسلامية من قبل النظام السياسي في تونس في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بعد ثورة شعبية أطاحت بحكمه.

وأكد المفكر الإسلامي ورئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية أن حركته جددت هيكلة عملها وتقدمت بطلب اعتمادها حزبا سياسيا وتتوقع أن لا يتأخر الجواب ايجابيا، بعد أن لاقى مناضلو الحركة خلال ثلث القرن الأخير أشد المعاناة،" فقد سجن منا ما لا يقل عن 30 ألفا معظمهم لاقى صنوفا من التعذيب وأمضى عشرات السنين في غياهب السجون ومئات منهم معوقون ومئات لقوا ربّهم بينما لاقت عائلاتهم صنوفا من التنكيل والوحشية حتى لم تبق عائلة في تونس إلا وفيها سجين نهضوي ومشرد ومطرود من شغله أو معوق".

وعن حكومة تصريف الأعمال القائمة حاليا في تونس بعد الثورة، أفاد أن الحكومة لم تعد مخيفة ولا تملك بيدها مصالح البلاد،" بل هي التي تحتاج إلى الاعتراف بها. كنا نشحذ اعترافا من الدولة ولا نجده فثرنا على هذه الدولة وأسقطناها، فأصبحت الدولة تجتهد وتبحث عن اعتراف لها من المجتمع حتى يستقر وضعها".

الثورة سوّت بين التونسيين


"المجلة": بداية وبعد رجوعكم من المنفى إلى أرض الوطن، ما الذي تغيّر في تونس؟ وهل هي بداية مرحلة جديدة في البلاد؟

"بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد"، لا شك أن وضعي قد تغير بانتقالي من المنفى إلى رحاب الوطن، فقد كنت أتعامل مع مشكلات وطني من خارجه وان كان الوطن بقي فيا. الآن نحن في الوطن، وهذا يفرض تغييرات ليس ببسيطة في الاهتمامات والاتصال بهموم الوطن عن قرب.

"المجلة": ما هو موقع حركة النهضة من الثورة التونسية؟

نحن جزء من هذه الثورة، فمعاناتنا خلال ثلث القرن الأخير كانت أشد المعاناة، فقد سجن منا ما لا يقل 30 ألفا معظمهم لاقى صنوفا من التعذيب وأمضى عشرات السنين في غياهب السجون ومئات منهم معوقون ومئات لقوا ربهم ولاقت عائلاتهم صنوفا من التنكيل والوحشية حتى لم تبق عائلة في تونس إلا وفيها سجين نهضوي ومشرد ومطرود من شغله أو معوق .بما كان له إسهام كبير في مراكمة الغضب والنقمة على السلطة فكان انفجار الثورة هو ثمرة لمثل هذه التراكمات من الغضب التي لم تقتصر على أبناء حركة النهضة بل شملت قطاعات واسعة من المجتمع التونسي.

"المجلة": ما هو وضع الحركة اليوم بعد خروجها من المحنة التي عانتها في الفترة السابقة؟

الحركة غيبت خلال العشرين سنة الأخيرة عن الساحة بحجم واسع من القمع، من لم يكن وراء القضبان فرض عليه المنفى في الخارج أو حتى المنفى داخل البلاد. وفي السنوات الأخيرة توالى خروج أبناء النهضة من السجن حتى لم يبق منهم خلال قيام الثورة غير اثنين، البقية خرجوا من سجن ضيق إلى سجن موسع يعيشون تحت حصار البوليس ومع ذلك تمكنوا من استعادة قليل من النشاط وساهموا في فعاليات الثورة. الآن النهضة جددت هيكلة عملها وتقدمت بطلب اعتمادها حزبا سياسيا وتتوقع أن لا يتأخر الجواب ايجابيا.

"المجلة": هل ما زال الحديث قائما اليوم عن "مصالحة وطنية" في تونس؟

الثورة قامت فنزعت ما كان عليه الحال، كان الحديث عن مصالحة وطنية أيام النظام السابق، وإجابة لعجزه عن تلبية هذا الطلب قامت الثورة، والثورة سوّت بين التونسيين . وأصبحت الدولة اليوم هي التي تحتاج إلى أن تتصالح مع التونسيين، ولم تعد الدولة مخيفة ولا تملك بيدها مصالح البلاد، بل هي التي تحتاج إلى الاعتراف بها. كنا نشحذ اعترافا من الدولة ولا نجده فثرنا على هذه الدولة وأسقطناها، فأصبحت الدولة تجتهد وتبحث عن اعتراف لها من المجتمع حتى يستقر وضعها.

"المجلة": أين يمكن تحديد موقع حركة النهضة اليوم من الخارطة السياسية في تونس؟

نحن جزء من المنتظم السياسي والمجتمع التونسي، ونحن اليوم في مرحلة إعادة تأسيس للنظام السياسي الجديد، وتونس تعيش مرحلة انتقالية من دولة "عائلة المافيا" والحزب الواحد إلى ما نريده من دولة الشعب. البلاد تمر بحال اضطراب ونحن جزء من القوى السياسية والمجتمع ونسعى إلى تأسيس "دولة الشعب"، عبر المشاركة والانضواء في المجلس الوطني لحماية الثورة وهو هيكل وأول مولود للثورة لا يستمد شرعيته من خارجها ومن بقايا النظام السابق من دستوريين، فشرعية هذا الهيكل تنطلق بما يضم من قوى سياسية ومؤسسات وهياكل ومنظمات مجتمعية.

"المجلة": ماهو المطلوب من حكومة تصريف الأعمال القائمة في تونس؟

المطلوب من الحكومة أن تنظم انتخابات حرة ونزيهة للانتقال للمرحلة الديمقراطية، عبر انتخاب مجلس تأسيسي يتولى إعادة بناء النظام السياسي وسن دستور ديمقراطي والإشراف على حكومة خلال مدة زمنية محددة، فإذا ما تم ذلك يقع انتخاب مجلس نيابي جديد وتقوم حكومة جديدة تتولى عملية الإشراف على الانتخابات.

إذا هي حكومة تصريف أعمال يجب أن تبقى تحت رقابة المجلس الوطني لحماية الثورة الذي يضم مختلف التلوينات السياسية وعددا من المنظمات والجمعيات الأهلية.

"المجلة": هل ننتظر أن تشارك الحركة بقوة في الانتخابات المقبلة في تونس؟

سنشارك في كل الانتخابات القادمة إن شاء الله.

المساواة بين الجنسين مبدأ إسلامي


"المجلة": أين يمكن أن نضع حركة النهضة في الوسط الإسلامي؟

حركة النهضة تنتمي إلى تيار الوسطية الإسلامية المعتدلة وهو التيار الرئيس في الحركة الإسلامية.

"المجلة": ماهو موقفكم من مسألة المساواة بين المرأة والرجل، وكيف ترون" مجلة الأحوال الشخصية التونسية"؟

نحن ننطلق من الرؤية الإسلامية التي تقر بكرامة المرأة التي تساوي كرامة الرجل وقال تعالى في كتابه العزيز "ولقد كرمنا بني آدم"، فلا تمييز في الكرامة الإنسانية بين ذكر وأنثى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فالتمييز ليس بالجنس ولا باللون ولا بالثروة وإنما بالعمل. "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم وعملكم".

و على المستوى القانوني فان المساواة بين الجنسين مبدأ إسلامي. غير أن المرأة قد تعرضت خلال عصور الانحطاط إلى ضروب من التعسف والظلم ما دفع العلماء المصلحين إلى العمل على رفع هذه المظالم عودا إلى أصول الإسلام مثل ما فعل شيوخ الزيتونة عبدالعزيز جعيط والطاهر بن عاشور وغيرهما، فكانت النسخة الأولى من مجلة الأحوال الشخصية من وضع شيوخ الزيتونة فهي مندرجة بذلك ضمن الاجتهاد الإسلامي غير أن بورقيبة الذي لا ينتمي إلى مدرسة الإصلاح الإسلامي وإنما إلى مدرسة التغريب، وجه هذا الانجاز توجيها غربيا ووضعه في سياق جعل النظر إليه على أنه تحد للإسلام، وجعل حرية المرأة وكأنها لا يمكن أن تتم إلا على حساب الإسلام فجاءت هذه المجلة في سياق تغريبي.

أغلق جامعة الزيتونة واستبدلت اللغة العربية باللغة الفرنسية ومنع الزي الإسلامي للنساء. كما دعا بورقيبة إلى انتهاك حرمة الإسلام وسخر من القرآن والسنّة كما أوحى بأن فكرة تحرير المرأة لا تتم إلا بقدر ابتعاده عن الإسلام متأثرا بخلفية الثقافة الفرنسية.

"المجلة": إذا هناك مشروع لإعادة القراءة في هذه المجلة؟

نصوص المجلة الأصلية مندرجة ضمن الاجتهاد الإسلامي وهي في ذاتها لا غبار عليها، عدى ما أدخله عليها بورقيبة من زيادات مثل التبني، وهو يخالف نصا قرآنيا صريحا وهو ما جعلنا نعتبر أن المجلة في عمومها مقبولة وليست مستهدفة منا بالنقض.

"المجلة": ما رأي حركة النهضة في مسألة تطبيق الحدود؟

ليس مدرجا في برنامج حركة النهضة الدعوة إلى إقامة هذه الحدود.

"المجلة": قلتم في أحد تصريحاتكم السابقة "انه لا يجب الخروج على الحاكم" كيف تفسرون ذلك؟

لا ينبغي الخروج المسلح على الحاكم بما يعني أن غيره من أنواع الخروج جائز بل قد يكون واجبا إن توفرت أسبابه.

"المجلة": لماذا تعتبرون سياسة تحديد النسل خطرا، يجب أن يتم التوقف عن العمل به؟

تحديد النسل في تونس أفضى إلى كارثة سكانية، لأنه طبق استجابة لضغوط خارجية رأسمالية تستهدف الحد من سكان عالم الإسلام وتتمثل الكارثة في البلوغ السريع للمجتمع التونسي إلى مرحلة الشيخوخة بما جعل تونس حالة شاذة في العالم الثالث الذي يشكو كله من كثرة السكان، بينما بلغت الكارثة في تونس حد إغلاق عدد من المدارس بسبب عدم توفر الأطفال بما يؤكد أن تجاوز حكمة الله في أنه الخالق وهو الرزاق لا يضفي إلا إلى كوارث.

"المجلة": أتهمتم بالضلوع في عمليات عنف، وتكوين جناح عسكري وهو ما يتنافى والعمل السياسي المدني. ما هو رأيكم في ذلك؟

لو كان النظام السابق صادقا في ادعاءاته ما قامت ضده ثورة، بما يجعل ترديد تلك الادعاءات غير مناسب.

"المجلة": يتهمكم خصومكم بأنكم تختصرون العملية الديمقراطية في صناديق الاقتراع فقط، فكيف تنظر الحركة للديمقراطية ؟ وما رأيكم في التيارات الإسلامية الرافضة لها؟

حركة النهضة قبلت الديمقراطية منذ أول إعلان تكويننا لحزبها السياسي "حركة الاتجاه الإسلامي" في السادس من يونيو 1981، بكل مقوماتها وصناديق الاقتراع واحدة منها. أما عن رفض عدد من الحركات الإسلامية للديمقراطية فهذا من حقها.

"المجلة": كيف يمكن أن تؤثر حسب رأيكم الثورة التونسية ومن بعدها المصرية على مستقبل العالم الإسلامي؟

العالم الإسلامي معظمه يعيش في ظل أنظمة ديمقراطية من تركيا إلى إندونيسيا ونيجيريا، أما العالم العربي فهو الثقب الأسود الذي تأخر عن الاندراج في ركب الديمقراطية التي اكتسحت العالم، والآن أخذ طريقه إلى الالتحاق ببقية العالم وكان لتونس شرف انطلاق الشرارة الأولى التي ما لبثت أن ألهبت الهشيم المصري وهو ما أوقف البلاد العربية على أبواب الثورات الديمقراطية.

انتهى عهد الإقصاء


"المجلة": أين موقع الإسلاميين من التغيرات التي ستقع في المنطقة؟

هم جزء من تلك التغيرات، فهذه التغيرات ذات طابع شعبي وليست ذات طابع حزبي ضيق، وفي الثورة لم ترفع لا شعارات حزبية ولا زعامات سياسية، وإنما شعارات ذات طابع إنساني ووطني، والإسلاميون جزء أساسي من هذا الحراك الشعبي وأثبتوا أنهم ليسوا حزبيين ولا منغلقين وإنما هم وطنيون مندفعون في القيم الإنسانية في الكرامة والحرية والوطنية بما يسفه اتهامهم بالأصولية والانغلاق. ففي تونس كانوا ضمن مجلس حماية الثورة وفي مصر في مؤسسة مشابهة وهي "أمانة الثورة" وفي اليمن هم ضمن اللقاء المشترك.

"المجلة": تقارير المنظمات الحقوقية ووكيليكس اعتبركتم حركة ذات توجه إسلامي سياسي معتدل، ما رأيكم في ذلك؟

هي صادقة في ذلك، تقارير ويكيليكس والسفارة الأمريكية كانت تقاريرها صادقة. أما تقارير السفير الفرنسي فلا.

"المجلة": في صورة وصول الإسلاميين إلى الحكم، هل سيقبل حسب رأيكم الغرب بحكم إسلامي؟

الغرب ليس إلها.

"المجلة": هل تعتبرون تركيا نموذجا للدولة الحديثة بحكم إسلامي؟

نعم تركيا نموذج لدولة حديثة في الإطار الإسلامي المتاح، ذلك هو المتاح لتركيا.

"المجلة": ماهي طبيعة علاقاتكم مع التنظيمات الإسلامية في العالم؟ حماس، الإخوان المسلمين في مصر، القاعدة...؟

نشترك جميعا في العقيدة والدين وقد نختلف في السياسات باختلاف الأوضاع والاجتهادات.

"المجلة": كيف ترون مستقبل المنطقة مع تراجع الإسلاميين من مواقع الريادة في قيادة الثورات الشعبية التي قامت، وماهي التحديات المطروحة أمام الإسلاميين اليوم؟

الإسلاميون مندرجون ضمن الثورة وهي ليست ذات طابع حزبي وليست ذات طابع فكري، وواضح أن استبعاد التيار الإسلامي من كل تشكل ديمقراطي جديد غدى أمرا غير مقبول إلا بالعودة إلى الأنظمة الدكتاتورية وعصابات المافيا. وقد تبين أن استبعاد الإسلاميين لم يعد جائزا إلا بتحول الدولة إلى "عصابة سراق" وأجهزة قمع وهو ما حصل في تونس ومصر، فأي وضع ديمقراطي سيكون الإسلاميون طرفا أساسيا فيه، وقد انتهى عهد إقصاء الإسلاميين.

أجرى الحوار أيمن الزمالي
font change