[caption id="attachment_681" align="aligncenter" width="620" caption="بقلم ستيفن غلين"][/caption]تخيل أنك محاسب مسؤول عن تقييم أكبر مجموعة شركات في العالم. تعاني الشؤون المالية فيها من سوء إدارة لدرجة أن قوائمها السنوية أصبحت غير مفهومة على مدار العقدين الماضيين. وتضاعف الدخل مرتين على مدار الأعوام العشرة الماضية، على الرغم من أن الأعباء تزيد ثلاثة أضعاف عن الأصول. وتملك المجموعة ميزانية مشتريات هائلة تشهد زيادة سنوية سريعة الخطى، على الرغم من أنها تعاني انخفاض نسبة الإنتاجية بسبب ارتفاع تكاليف التصنيع وانخفاض عدد المقاولين. وترتفع نفقات معاشات العاملين كثيرا لدرجة أنها تزاحم الاستثمارات في خطوط الأعمال الرئيسة في المجموعة.
وإذا كنت تتساءل عن سبب عدم مطالبة حاملي أسهم هذه المجموعة بعقد اجتماع جمعية عمومية طارئة مع رؤساء المجموعة، فهذه ليست مجموعة عادية، بل هي وزارة الدفاع الأميركية، التي تعد حتى الآن أكبر هيئة حكومية في العالم. ووفقا لبعض المقاييس، فإنها أكثر الهيئات خللا أيضا، حيث تبلغ ميزانيتها السنوية ما يتعدى 700 مليار دولار. وحتى قبل أن تطلق أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية في الولايات المتحدة العنان لعقد من الإنفاق العسكري الذي حقق رقما قياسيا، كانت ميزانية البنتاغون، بالإضافة إلى برامج المعاش الوطني والرعاية الطبية للمتقاعدين، التزاما ثابتا. ويؤيد أعضاء في الكونغرس تخفيض النفقات، معرضين أنفسهم بذلك لتهديد بأن يوصفوا باللين مع أعداء أميركا. وفي الواقع، عارض بعض المشرعين التخفيضات التي اقترحتها وزارة الدفاع ذاتها في الأسلحة البالية التي يتم جمعها في ولاياتهم.
ربما يتغير كل ذلك، على الأقل إذا خرج علينا تحالف كبير من المحافظين الماليين في الوقت الذي أصبح فيه تخفيض عجز الميزانية هو الفكر الجديد الذي تؤمن به واشنطن. على مدار الشهور القليلة الماضية، دعت لجان عدة مستقلة إلى مزيج من زيادة الضرائب وتخفيض في الإنفاق - ومنها بنود في وزارة الدفاع - لحل مشكلة العجز الذي من المقدر أن يصل إلى 8.5 تريليون دولار في خلال عشرة أعوام. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، انتقد بشدة مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية وزارة الدفاع وإدارة الرئيس باراك أوباما بسبب التقليل من تقدير التكاليف المستقبلية للحربين في العراق وأفغانستان، وعدم الحد من تفويضات الإنفاق الخارجة عن السيطرة. وفي الشهر الماضي، اقترحت لجنة الديون الرئاسية الأميركية تخفيض ميزانية البنتاغون بمبلغ 104 مليارات دولار. وفي تقرير نشر في أكتوبر (تشرين الأول)، هاجمت اللجنة أساس سياسة الأمن القومي الأميركية في حد ذاتها، حيث إنه لا يمكن تحملها. وجاء في التقرير: «بدلا من حمايتنا من عدو واضح ومحدد، تركز خطط وزارة الدفاع وأهدافها الاستراتيجية حاليا على منع ظهور تهديدات جديدة عن طريق الإبقاء على قدر هائل من التعهدات العالمية في جميع القارات والمحيطات. ونعتقد أنه يجب تقليص نطاق مثل تلك التعهدات».
أصبح تحديد حجم المهمة العسكرية مجرد خطوة أولى، حيث يعتقد عدد متزايد من الخبراء الاستراتيجيين وخبراء الميزانية أن البنتاغون خرج عن نطاق السيطرة. من عام 2001 إلى 2010، ارتفعت ميزانية الدفاع الأساسية بنسبة يضبطها التضخم بلغت 6 في المائة سنويا، لتصل إلى ما يزيد على ضعف حجمها قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول). وتبلغ قيمة الأصول 1.7 تريليون دولار، وقيمة الأعباء 2.1 تريليون دولار، و676 مليار دولار لصافي تكاليف التشغيل. على الرغم من أن تلك الأرقام لا معنى لها نظرا لعدم وضوح ميزانيتها وسطحيتها. وتوصف القوائم المالية للبنتاغون بعدم إمكانية مراجعتها منذ عام 1991، عندما بدأت الوزارة في عرض حساباتها على الكونغرس. وتقدر قيمة ما فقدته نحو 4 تريليونات دولار منذ ذلك الحين. وفي عام 2002، اكتشف المراقب والمدير المالي للبنتاغون أن ثماني قوائم مالية من تسع غير موثوق بها، وامتنع عن إبداء الرأي فيها. وفي عام 2008، كانت جميع القوائم المالية، ماعدا اثنتين، غامضة. وصدر فيها أيضا امتناع عن إبداء الرأي. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2009، وجد المفتش العام في البنتاغون أوجه قصور خطيرة في معايير ضبط الدفاتر، بما فيها من نظام إدارة مالية يمنع جمع البيانات الدقيقة الموثوق بها، وسجلات جرد مهملة، وتقرير خاطئ يقلل من قيمة الممتلكات والمصانع والمعدات، وسجلات مراجعة غير صحيحة.
وفي عام 2010، أصدرت اللجنة المالية في مجلس الشيوخ تقريرا ينتقد بشدة «عدم وجود محاسبة مالية تماما» في البنتاغون مما يجعل «مبالغ طائلة من أموال دافعي الضرائب معرضة للاحتيال والسرقة العلنية».
وبدلا من أن يطلب إصلاحا ذا معنى في أسلوب محاسبة وزارة الدفاع لشؤونها المالية، حول الكونغرس أموالا مخصصة لبرامج متعلقة بالأمن كانت خاضعة لتصرف وزارة الخارجية إلى البنتاغون مباشرة. وأصبح مبلغ يقدر بنحو مليار دولار متاحا للجيش الأميركي ليساعد الحكومات على مواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة، على الرغم من أن بعض المشرعين ومساعديهم أعربوا عن مخاوف تتعلق بشفافية هذه الحسابات. وفي أغسطس (آب) عام 2009، أجاب السيناتور راسل فاينغولد على طلب البنتاغون بتمويل إضافي لمكافحة الإرهاب بتقرير يذكر أن 6 ملايين دولار من البرنامج قد منحت لحكومة دولة تشاد، التي وفقا لتقرير صادر عن وزارة الخارجية «تشترك في عمليات قتل من دون محاكمات، واحتجاز جبري وتعذيب». وفي بداية العام الحالي، صرح كارل ليفين، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، لفورين بوليسي (foreignpolicy.com) بأن «هناك مشكلات إجرائية فعلية تحتاج إلى حل» بخصوص سلطة الأموال المملوكة للبنتاغون.
وعلى الرغم من الأسلوب الذي يميل إلى الغضب، ليس من الواضح ما إذا كان الكونغرس راغبا في تقليص ميزانية البنتاغون. وفي انتخابات التجديد النصفي التي أجريت في نوفمبر (تشرين الثاني)، استحوذ الجمهوريون الودودون عادة مع البنتاغون على غالبية مقاعد مجلس النواب، على الرغم من أن نجاح مرشحيهم من حفلات الشاي - وهم مجموعة من المدافعين عن الحريات الذين يخشون من التعامل مع إنفاق وزارة الدفاع مثلما يتعاملون مع أي بند في الميزانية الفيدرالية - قد يسفر عن تخفيض كبير في الإنفاق. وربما لا. فلا توجد هيئة حكومية ذات قدرات وتأييد تشريعي لمبادراتها أكبر من وزارة الدفاع. ومن أجل تحفيز المشرعين على إقرار برامج أسلحتها الباهظة، تعلق الوزارة آمالا بتوفير الوظائف في ولايات ومناطق كبار المشرعين، وهو أسلوب مكلف ولكنها مناورة سياسية ذكية، بخاصة في ظل ركود الاقتصاد الأميركي وارتفاع نسبة البطالة.
وفي الوقت ذاته، ازداد الإسراف وعدم الكفاءة والمحاباة السياسية، وهي أشياء ليست غريبة على الشؤون العسكرية التشريعية، على مدار الأعوام. وفي أبريل (نيسان) 2008، اكتشف مكتب محاسبة الحكومة أن 95 مشروعا رئيسا في البنتاغون قد تجاوزت ميزانياتها الأصلية بنحو 300 مليار دولار. وفي العام التالي، توصل المكتب إلى أن شيئا لم يتغير. وفي عام 2009، أضاف المشرعون إلى اقتراح الميزانية السنوية للبنتاغون مبلغ 5.4 مليار دولار في برامج وأسلحة لم تطلبها الوزارة.
ومن أجل تحقيق أهدافهم بتخفيض حجم العجز، يطالب الداعون إلى تقليص الميزانية بسحب القوات الأميركية من قواعدها العسكرية الكبيرة المكلفة في أوروبا وفي آسيا، التي يعتبرها كثير من الخبراء الاستراتيجيين ميراثا باليا من الحرب الباردة. ولكن قد يجعلهم ذلك في تصادم مع البنتاغون، بل وأيضا مع دبلوماسيين أميركيين رفيعي المستوى لا يرغبون في إثارة غضب حلفاء رئيسيين. أما بالنسبة لصقور الميزانية في واشنطن، ربما يكون أي طريق إلى تحقيق توازن في الميزانية أكثر خطورة مما يدركون. ولكن، بغض النظر عن ثقل مديونية الولايات المتحدة، ربما تكون جذور العسكرة الأميركية تمتد إلى أعماق أبعد.
* ستيفن غلين
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.