الشركات الصينية العاملة في الجزائر في قفص الاتهام

الشركات الصينية العاملة في الجزائر في قفص الاتهام

[caption id="attachment_731" align="aligncenter" width="620" caption="بقلم مايكل مارتن"]بقلم مايكل مارتن[/caption]ما زال على شركتي الإنشاء الصينيتين العملاقتين المسؤولتين عن تنفيذ المشروع الجزائري بإقامة أطول طريق سريع في أفريقيا أن تسددا مستحقات شركات الإنشاء الجزائرية التي تساعد في انشاء المشروع.

أصدرت مجموعة سيتيك والشركة الصينية لإنشاءات السكك الحديدية شيكات من دون رصيد للشركات الفرعية الجزائرية المساهمة في إنشاء طريق شرق غرب السريع في الجزائر في بداية العام الحالي. ويقترب المشروع من الانتهاء، ولكن يقول بعض عمال الإنشاء الجزائريين إن الشركتين لم تدفعا أجورهم منذ نحو 16 شهرا.

وفي سيدي بلعباس، وهي مركز رئيس لشركات المقاولات، أحصت 16 شركة مبلغا وصل إلى 302,933,667.65 دينار جزائري من الرواتب التي لم يتم تسديدها. ولكن هذا مجرد جزء ضئيل من المبلغ المستحق لما يزيد على 30 شركة، كما ذكرت صحيفة "ليبرتي" الجزائرية اليومية.

وقال أحد العاملين في فرع مصرف الزراعة والتنمية الريفية الجزائري في سيدي بلعباس، وهو المصرف الذي أصدر شيكات الشركتين الصينيتين: "لا توجد وسيلة للاتصال بالشركتين الصينيتين. وتم اكتشاف أن شيكاتهما من دون رصيد".

وقال موظف آخر في المصرف: "سيتم تسوية المستحقات". وعندما سئل متى وكيف سيتم ذلك؟ قال: "لست متأكدا من هذا الجزء تحديدا".

يأتي الطريق السريع كجزء من استراتيجية متعددة المحاور للحد من البطالة والفقر في الجزائر. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة البطالة تصل إلى 10 في المائة تقريبا، ولكن يقول المحللون إنه من المرجح أن النسبة تبلغ ضعف هذا الرقم.

وقد صمم المشروع العملاق، الذي تعتبره الحكومة الجزائرية حسبما وصفه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة "تحدي القرن"، من أجل توفير فرص عمل للجزائرين، ويعد "برنامجا لتنمية مستدامة"، كما وصفه آندي تشي غوزهونغ، المحلل الاقتصادي المستقل لشؤون التنمية الاقتصادية في الصين. أوضح غوزهونغ أن الطريق ضروري من أجل نقل الصادرات، وأنه يجتذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال تسهيل وسائل النقل للشركات العالمية.

والجزائر أحد أكبر مصدري النفط في المنطقة. وقد تعاقدت وزارة الأشغال العامة الجزائرية مع مجموعة سيتيك الصينية والشركة الصينية لإنشاءات السكك الحديدية من أجل إنشاء 528 كيلومترا، من إجمالي 1,216 كيلومترا، وهي أطول مساحة في الطريق، في عام 2006. وكانت قيمة التعاقد 6.2 مليار دولار من 11.4 مليار دولار، وهي القيمة الإجمالية المتوقعة. وتم تخصيص 399 كيلومترا لمجموعة شركات كوجال اليابانية، بينما حصلت شركات محلية على بقية التعاقدات.

وكان المشروع قد اقترح من البداية لتوفير 100,000 فرصة عمل، وفقا لوزارة الأشغال العامة الجزائرية. وذكرت التقارير الرسمية أنه تمت الاستعانة بنحو 75,400 عامل ومهندس جزائري حتى الآن. وقدرت صحيفة "الخبر" الجزائرية اليومية عدد العاملين الصينيين بما يقرب من 12,000 فرد.

ولكن أصبح المشروع الذي أشادت به الحكومة الجزائرية كبشارة خير ورخاء سببا لأوقات عصيبة لبعض المواطنين.

وقد رفض أحد العمال الجزائريين الكشف عن تفاصيل أوضاعه الخاصة، خوفا من عقاب رؤسائه، ولكنه أكد أن الشركتين الصينيتين لم تدفعا أجره منذ نحو 16 شهرا، وقال إن الموظفين الصينيين يخضعونهم لظروف عمل قاسية. وقد غادر أخيرا موقع المشروع للبحث عن عمل في مكان آخر.

ولم ترد إجابة من السلطات الجزائرية.

وفي مقال نشر عام 2009 لزهير آيت موهوب في صحيفة "الوطن" الجزائرية اليومية، وردت شكوى عمال الطريق السريع الذين استعانت بهم الشركتان الصينيتان في البويرة من عدم حصولهم على أجورهم، ومن أوضاع العمل غير الآمنة، والإساءات التي تعرضوا لها على يد أصحاب العمل الصينيين. وبعد لفت انتباه السلطات المحلية، تقدم اتحاد العمال بخطاب للرئيس بوتفليقة، ولكنه لم يتلق ردا.

وقال متحدث باسم الاتحاد للعمال الغاضبين: "لقد أنكر الفرنسيون حقوقكم طوال 130 عاما. فليس على الصينيين أن يمنحوكم (حقوقكم) اليوم".



ادعاءات بالفساد

تتورط شركتا سيتيك والصينية لإنشاءات السكك الحديدية أيضا في شبكات من الرشاوى والعمولات غير القانونية المتعلقة بتعاقدهما.

وقد تم اعتقال الممثل السابق عن شركة سيتيك في الجزائر، شاني مجذوب، وستة أشخاص آخرين من بينهم مدير ديوان وزارة الأشغال، بعد إبلاغ طرف ثالث عن قيام مسؤولين جزائريين بأنشطة غير طبيعية في حسابات جزائرية في مصارف إسبانية. وما زالت المحاكمة مستمرة.

وقد أجاب السفير الصيني لدى الجزائر، ليو يو خه، على الصحافة في ما يتعلق بمعلومات الطرف الأجنبي المجهول المشترك في الادعاءات، قائلا: " يقف خلف هذه الحملة أشخاص ضد الصين وشركاتها، أشخاص يريدون تشويه صورتها ويشعرون بالحنين إلى الحروب المريرة والعقلية الاستعمارية".



شراكة المستضعفين

وتترسخ العلاقات التجارية بين الجزائر والصين ومشروع الطريق السريع في تجربتهما المشتركة في فترة ما بعد الاستعمار.

وأحيانا ما تستشهد وسائل الإعلام الصينية بأوجه التشابه بين التاريخين المعاصرين الصيني والجزائري، فيما يقول محللون إنها محاولة لتقوية العلاقات مع الجزائر.

وقد خاضت الجزائر، التي احتلها الفرنسيون لمدة 130 عاما، حربا مريرة من أجل الاستقلال بدأت عام 1954، بعد خمسة أعوام فقط من إعلان الرئيس ماو تسي تونغ عن قيام الصين الجديدة، المتحررة من السيادة الأجنبية لليابان والغرب.

وقال ملحق اقتصادي في السفارة الصينية في الجزائر: "تملك كل من الجزائر والصين تاريخا متشابها. وقد قدمت حكومة الصين وشعبها دعما قويا للجزائر أثناء حربها من أجل الاستقلال".

الأمر المبشر هو أن التاريخ المتشابه للبلدين لا يقف عند النهاية الدموية للإمبريالية والفقر وخيبة الأمل في أعقاب الحرب. يقول المحللون إن مشاريع مثل طريق شرق غرب السريع مصممة وفقا لمشاريع بنية تحتية واسعة النطاق تعزز من النمو الاقتصادي بعد سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية في عام 1978.

وقال الملحق الاقتصادي: "في الأعوام الثلاثين الماضية من الانفتاح والإصلاح، حققنا إنجازات كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقللنا من نسبة الفقر. ويعد هذا النوع من الإنجاز نموذجا جيدا للدول الأفريقية".

وتقيم الجزائر شراكة اقتصادية منذ مدة بعيدة مع حليفتها بعد الاستعمار. ووفقا لبيانات السفارة الصينية، وصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين إلى 5.13 مليار دولار عام 2009، بزيادة قدرها 11.4 في المائة عن العام السابق، وبحلول نهاية العام الماضي، بلغت استثمارات الصين في البلاد نحو مليار دولار. وفي العام الماضي، على سبيل المثال، أقامت شركة الصين الوطنية للبترول مصفاة ضخمة لتكرير النفط في منطقة سكيكدة الصناعية في الجزائر، بتكلفة بلغت 385 مليون دولار.

وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة، فإن نظرة بعض الجزائريين للشركات الصينية أثارتها التغطية الإعلامية الأخيرة لأزمة الطريق السريع. قال نور الدين بنعبو، وهو أحد صحافيي "ليبرتي" الذين قاموا بتغطية عدم سداد الشركتين الصينيتين للمرتبات، إن الجزائريين الآن يشعرون بأن "الصينيين يحلون محل الأوروبيين في أفريقيا". ويعتقد بنعبو أن حقيقة عدم إسناد أي من التعاقدات الرئيسة إلى شركات صينية كبرى هذا العام تشير إلى أن مشكلة الطريق السريع أضعفت العلاقات السياسية الجزائرية مع الصين.

ولكن ما زال هناك آخرون غير مقتنعين بأن هذا مؤثر على الشراكة بين البلدين. قال عدلان ميدي، رئيس تحرير العدد الأسبوعي من صحيفة "الوطن" الجزائرية المستقلة: "العلاقة بين الجزائريين والصينيين قوية للغاية، ولا يمكن أن يمسها الفساد. لدينا شراكة استراتيجية مع الصين، لذا لا نجرؤ أن نقول شيئا عنهم".



ما شأن الطريق السريع؟

ما زال كثير من الجزائريين يأملون في أن تشجع محاكاة تنمية البنية التحتية في الصين، من خلال البراعة الهندسية وأعمال الإنشاء الزهيدة التي تشتهر بها الصين، الاستثمارات الأجنبية التي بدأت تبث الروح في الاقتصاد الصيني.

وقال عزيز نافع، الباحث الاقتصادي في مركز الأبحاث الاقتصادية للتنمية في الجزائر: "في الواقع، نحن نطور البنية التحتية اللازمة لجميع الاستثمارات المستقبلية ومن أجل جزائر الغد"، موضحا أن الجزائر تحتاج إلى الطرق.

ولكن ربما لا تكون تنمية البنية التحتية وحدها كافية لتعزيز تنمية مستدامة في الجزائر. يقول الاقتصادي آندي تشي: "تحتاج معظم الدول النامية إلى التعامل مع نقاط ضعف مؤسسية حتى تستقبل التنمية الأجنبية"، مشيرا إلى أنواع من الرشاوى وتكاليف التشغيل غير القانونية التي أدت إلى المحاكمات الجارية.

أما بالنسبة للصين، فما تحصل عليه من فوائد على المدى البعيد أمر واضح.

يشير الاقتصاديون إلى أن الصين، بصفتها مستثمرا رئيسا في الجزائر، بتسهيلها وسائل النقل في الجزائر، ستخفض من النفقات التي تتكبدها في صفقاتها الخاصة. وكما يوضح استثمارها عام 2008 في النفط الجزائري، تملك الجزائر الكثير لتقدمه إلى الصين المتعطشة إلى النفط.

وذكرت مصادر أن شركة سيتيك طلبت في البداية أن تحصل على نفط مقابل مشاركتها في إنشاء طريق شرق غرب السريع.

ويوافق نافع على أن الطريق السريع ضروري من أجل تنمية الجزائر، ولكنه أيضا متحفظ على قياس دور الصين في تنمية الجزائر، حيث قال: "في رأيي هناك خدمات محددة تنتج قيمة مضافة مستمرة. ولكن من المبالغة القول إن الشركات الصينية المشاركة في طريق شرق غرب السريع ستساهم في التنمية المستدامة في الجزائر". بل ويزداد تحفظ نافع في الحديث عن ادعاءات الفساد. وقال: "لا أجيب عادة على مثل تلك الأسئلة. ولكني أقول إنه في زمننا، لا تنشأ سمعة الشركات، وصورتها العالمية فقط من تفوقها في الإنتاج، بل هناك عنصر أساسي آخر في عصر العولمة هو أخلاقيات العمل".

ولم تعلق أي من الشركة الصينية لإنشاء السكك الحديدية أو وزارة الأشغال العامة الجزائرية حتى وقت النشر. وعرضت مجموعة سيتيك التعليق في البداية، ولكن بعد الحديث عن حساسية الأسئلة المطروحة، قالت إن السلطات المعنية في رحلة عمل. كما رفض مكتب منظمة العمل الدولية التابع للأمم المتحدة في الجزائر التعليق على الأمر.



* مايكل مارتن – صحافي يعمل في صحيفة "ساوث تشاينا مورننغ بوست" وهي أكبر صحيفة ناطقة باللغة الإنجليزية في هونغ كونغ، وهو متخرج حديثا من كلية الدراسات العليا للصحافة في جامعة كولومبيا.
font change