تهريب السلاح يغذّي الجريمة ويدعم الارهاب

تهريب السلاح يغذّي الجريمة ويدعم الارهاب

[escenic_image id="55225998"]

يعد تهريب السلاح غير القانوني من أصعب العقبات التي تواجهها الدول الممزقة جراء الحروب والمجتمع الدولي في عزمه على مكافحة الفقر وانعدام الأمن عامة. ووفقا للأمم المتحدة، يساهم تهريب الأسلحة في زيادة معدلات الجريمة. وفي حين انتبه المجتمع الدولي متأخرا لإمكانية حصول منظمات إرهابية على أسلحة نووية، تظل تجارة الأسلحة الصغيرة متساوية معها في الخطورة من جوانب عدة.

تتسبب الأسلحة الصغيرة والخفيفة في نسبة من 60 إلى 90 في المائة مما يزيد على 100,000 حادث قتل في الحروب سنويا، وعشرات الآلاف من حالات القتل الإضافية بعيدا عن ميادين الحرب، وفقا لبحث عن الأسلحة الصغيرة أجرته الأمم المتحدة عام 2005. ناهيك عن استمرار الأسلحة الصغيرة كخيار مفضل للإرهابيين – بناء على الهجمات التي حددها أحدث تقارير وزارة الخارجية الأميركية، حيث تم ارتكاب نصف هذه الهجمات بأسلحة صغيرة أو خفيفة.

من المؤسف أنه بسبب الأوضاع التي تنتشر فيها الأسلحة المهربة، غالبا ما يكون الضحايا من المدنيين الأبرياء، الذين عادة ما يكونون بعيدين تماما عن الصراع الذي يدور حولهم. وأفضل مثال على الخسائر الاجتماعية التي تتسبب فيها الأسلحة المهربة هو استخدام الألغام الأرضية، التي تثير مشكلات في حد ذاتها نظرا لطبيعتها غير المميزة. ويستمر استخدام الألغام في جميع أنحاء العالم، وحتى بعد انتهاء الحروب تظل الألغام تحصد أرواح المدنيين الأبرياء، أو على أفضل حال تصيبهم بتشوهات وشلل.

وعادة ما تستخدم الأسلحة المهربة بواسطة أطراف غير دولية، مما يمثل تهديدا مستمرا بانعدام الأمن ويكلف خسائر اجتماعية فادحة. وبسبب طبيعة الأسواق العالمية، من المستحيل وقف صفقات الأسلحة بصورة كاملة، مع اعتراف الأمم المتحدة بأن «مشكلة تهريب الأسلحة الصغيرة غير ممكنة الحل، ولكن من الممكن السيطرة عليها».  لذلك السبب تابعت وسائل الإعلام عن كثب نبأ تسليم  فيكتور بوت أو تاجر الموت، وحظيت أخباره باهتمام كبير.

وفي منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أصدرت تايلاند قرارا بترحيل مهرب الأسلحة الروسي إلى الولايات المتحدة لمواجهة اتهامات بالإرهاب. وقد ألقي القبض على الضابط السابق في القوات الجوية السوفياتية في ربيع عام 2008، بعد أن قام عملاء أميركيون بعملية تمويهية في فندق فخم في بانكوك، حيث ادعى العملاء أنهم  أفراد عصابة من كولومبيا يعتزمون شراء صواريخ أرض جو وطائرات من دون طيار وأنظمة معقدة مضادة للدبابات من تاجر السلاح النشط.

بالإضافة إلى تلك العملية المزعومة، قدم بوت أسلحة تستخدم في إثارة الحروب الأهلية في جميع القارات تقريبا. ومن بين عملائه تشارلز تايلور من ليبيريا والفصائل المتناحرة في الحرب الأهلية في أنغولا، وآخرون. ولديه أيضا صلات بطالبان وعلاقات غير مباشرة مع «القاعدة».

ولكن إلى أي درجة يتحمل الشخص، الذي يُسهّل تهريب الأسلحة، مسؤولية وقوع العديد من القتلى جراء استخدام تلك الأسلحة؟ الإجابة، كما يقول مات شرودر وجاي لامب، مؤلفا كتاب «تجارة الأسلحة غير المشروعة في أفريقيا»، أن هؤلاء المهربين يتحملون قدرا كبيرا من المسؤولية. وبصورة أكثر تحديدا، قالا إنه في بعض الدول الأفريقية، نتج عن وفرة الأسلحة الصغيرة (التي جاءت عن طريق التهريب) بالتزامن مع الصراعات الممتدة «ظهور ثقافة السلاح». بمعنى آخر، أصبح امتلاك سلاح في مثل هذا الوضع رمزا للمكانة، وأصبح العنف المسلح هو الطريقة المقبولة للتعامل مع أي شيء، بدءا من حل النزاعات الشخصية وصولا إلى تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية.

وعلى الرغم من أن المؤلفين أوضحا أن ثقافة السلاح غالبا ما تتطور بصورة أكبر في الدول الضعيفة، فإن ما يحدث هو أن الدول الضعيفة أكثر احتمالية للمشاركة في شبكات تهريب سلاح غير مشروعة، مثلما أظهرت دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال.

وتسمح الأسلحة الصغيرة غير المشروعة بزيادة حدة التوترات حول المصادر القليلة. ولنضرب مثلا بالحدود التي تفصل بين كينيا وأوغندا، كانت سرقة الماشية محدودة النطاق إحدى سمات الحياة الريفية في الدولتين على مدار قرون. ولكن في العقدين الماضيين، بدأ لصوص الماشية في الحصول على أسلحة من المهربين، مما غيّر من طبيعة الصراع كلية. ومنذ ذلك الحين «قتل مئات الأشخاص، وتشرد كثير من الناس، ومن المعتقد أن رعاة الماشية المتجولين من كاراموجونغ وبوكوت هم المجرمون الرئيسيون»، وفقا لشرودر ولامب.

ويتجاوز تعقيد الخسائر البشرية لتهريب الأسلحة مجرد إحصاء عدد الوفيات الناتجة عن الصراعات، حيث يحول تهريب الأسلحة أيضا دون تنفيذ مبادرات التنمية.

ووفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2005: «يظل انعدام الأمن المرتبط بالصراع المسلح واحدا من العقبات الكبرى أمام التنمية البشرية. وهو سبب ونتيجة للفقر الجماعي».

وعلى الرغم من أن هذه الحقائق قد تبدو مزعجة، فإن تسليم بوت يشكل على الأقل خطوة صغيرة، أو محاولة رمزية، للحد من تهريب الأسلحة عامة. ولكن تظل الحقيقة أنه حتى بعد ذهاب بوت، لن تختف شبكات تهريب السلاح التي استفاد منها.

 

* بولا ميجيا.

font change