العواقب الجيواستراتيجية لهزيمة أوباما السياسية

العواقب الجيواستراتيجية لهزيمة أوباما السياسية

[escenic_image id="55220370"]

تلقت مقدرات الرئيس الأمريكي باراك أوباما السياسية ضربة قاضية في الانتخابات التي أجريت في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومنذ ذلك، سواء على مستوى السياسة المحلية أو على الصعيد الدولي، رفعت الدول بالإضافة إلى السياسيين الأميركيين من ثمن التعاون معه.

وعلى الرغم من تحقيق عدد من النجاحات الرئيسة - على مستوى الرعاية الصحية، اتفاقيات وقمة أسلحة الدمار الشامل، وتحويل قمة العشرين إلى هيئة اقتصادية عالمية فعالة، ما زال العالم يتشكك في قدرة الولايات المتحدة ورئيسها الشاب على تحقيق أهدافهما ووعودهما. وقد عزز الاكتساح الجمهوري للانتخابات من تلك الشكوك في البيت الأبيض.

ويؤثر ذلك الشك على الاستقرار العالمي، ويحد من ثقة الحلفاء في القيادة الأميركية، فيما يعزز شهية أعداء الولايات المتحدة مثل كوريا الشمالية وإيران على مراوغة القيود المفروضة عليهما وتجاوز الحدود على تصرفاتهما.

ومن الواضح أن اتجاه إيران النووي هو قضية أشعل فيها المزيج من تخلص الولايات المتحدة من خصومها الرئيسيين في عراق صدام حسين، والإرهاق العسكري في أفغانستان من طموحات إيران في أن تصبح قوة إقليمية عظمى في الشرق الأوسط. ولا تصدق إيران أن الولايات المتحدة وحلفاءها - بما في ذلك إسرائيل - لديهم القدرة العسكرية الكافية للانتصار في صراع جدي مع إيران، كما أن أيا منهم غير قادر على، أخذا في الاعتبار الظروف الاقتصادية المضطربة في الولايات المتحدة، امتصاص الصدمات المالية للانهيار العالمي.

وعلى الجبهة التجارية، كان رفض كوريا الجنوبية بعض الشروط الرئيسة لاتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة التي كانت قد تفاوضت عليها من قبل نظرا لاستشعارها أنها يمكنها الحصول على المزيد من الضعف السياسي للبيت الأبيض، موحيا بما مني به أوباما من هزيمة محرجة في الرحلة التي كان من المفترض أن تعزز تحالف الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية واليابان في مقابل القوة المتنامية للصين.

وعلى الرغم من أن زيارة أوباما لكل من الهند وإندونيسيا بالإضافة إلى اليابان التي أعقبت التوبيخ السياسي لحزب أوباما الديمقراطي، قد خلقت بعض ردود الفعل الإيجابية حوله، أخذا في الاعتبار اهتمام البيت الأبيض بتلك الدول المهمة، فإنه لم يحصل إلا على القليل من تلك الرحلات مما جعله يبدو وكأنه ليس لديه أي حظ في تغيير النظام الدولي للأفضل.

بل إن الرحلة قد أتت بنتائج سلبية لم يلحظها إلا عدد قليل من الخبراء. فقد كانت رحلة أوباما في أعقاب الانتخابات مخصصة في جانب منها لتعزيز المصالح الاقتصادية الأميركية، ولكنها كانت مخصصة أيضا لطمأنة اليابان وكوريا الجنوبية بأن الولايات المتحدة سوف تقف إلى جانبهما في صراعهما المستمر مع الأنا العالمية المتنامية للصين. وقد أوضحت الأحداث التي وقعت في المنطقة عقب عودة أوباما للعاصمة، أن الصين و«الدول الموالية لها» لديها قدرة أكبر على السيطرة على الأحداث في آسيا والمحيط الهادئ أكثر من الولايات المتحدة وحلفائها. فقد أنهت الصين واليابان أخيرا نزاعا خطرا، الموقف المتأزم الذي استمر لأسابيع عدة بعدما اعتقلت اليابان ربان السفينة الصينية الذي مر من سفن الحراسة البحرية في جزر سنكاكو المتنازع عليها، وتم تصعيد الحادثة إلى أعلى مستوى حتى أذعنت اليابان وأطلقت سراح ربان السفينة الصينية.

وقد حققت الصين انتصارا ولم تكن تختبر فقط اليابان ولكنها كانت تختبر راعيها الرئيس، الولايات المتحدة.

وسرعان ما انتقلت الأزمة إلى مكان آخر، حينما هاجمت كوريا الشمالية جزيرة تابعة لكوريا الجنوبية تضم عسكريين ومدنيين. وفي تلك الواقعة، قدمت الدولة التي تعتمد إلى حد بعيد على التأييد الاقتصادي والاستراتيجي للصين خيارا استراتيجيا للصين، حيث كانت تختبر قوة كل من الولايات المتحدة والصين.

وعدا أنه لا توجد قوة كورية شمالية - صينية لديها تأثير قوي في الحكومة الصينية بنفس الطريقة التي تستطيع من خلالها إسرائيل التأثير على الآلة السياسية الأميركية، أصبحت كوريا الشمالية تماثل «إسرائيل الصين».

وعلى نحو ما، يوجد تشابه بين التاريخ الوطني لكل من كوريا الشمالية وإسرائيل، التي تعتمد على الضمانات الأميركية لظروفها الاقتصادية والاستراتيجية الرئيسة، ولكن إسرائيل لم تعد الدولة التابعة، كما أنها تدرك أن النظام الأميركي قرر الإذعان لتمرد إسرائيل على الشرق الأوسط بالإضافة إلى تطور هيكل عنصري يفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين داخل حدودها. وعندما تنظر للموقف من بعد، سوف تفترض أن الولايات المتحدة لديها القوة وأن إسرائيل تتبعها، ولكن في الحقيقة إسرائيل تتولى مسؤولياتها وأميركا عاجزة عن استغلال أدوات السيطرة التي ربما تمتلكها على قيادة إسرائيل السياسية.

وبالمثل، تدرك كوريا الشمالية أنه ربما تحدث أزمة اقتصادية وجيواستراتيجية هائلة إذا ما انهارت دولتها. وهي تستغل ذلك السيناريو الكارثي بذكاء لابتزاز الموارد ليس فقط من الغرب ولكن من الصين أيضا.

كما أن الصين مستعدة لتجاهل قدر كبير من سلوك كوريا الشمالية السيئ، حتى هجمات كالتي وقعت ضد كوريا الجنوبية، للحفاظ على الأوضاع كما هي في شبه الجزيرة الكورية. كما أن قدرة الصين على السيطرة على كوريا الشمالية محدودة للغاية وتعادل افتقار أميركا للنفوذ على سلوك إسرائيل.

وتدرك كوريا الشمالية، مثلها مثل إيران، أن الولايات المتحدة مرهقة عسكريا على المستوي العالمي ولديها مشكلات اقتصادية بالداخل. وقد رأت انتصار الصين في اختبار الإرادات الرمزي على اليابان في سناكوكس ورأت كوريا الشمالية وهي تذهب بالجائزة الذي توقع أوباما الحصول عليها في صفقة التجارة الحرة خلال زيارته الأخيرة. وتحاول كوريا الشمالية دفع مصالحها للأمام فيما تدرك ضعف الجبهة المشتركة لكوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة.

وفيما كانت رحلة باراك أوباما في أعقاب الانتخابات إلى إندونيسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية تستهدف إرسال إشارة إلى الصين بأن الولايات المتحدة يمكن أن تطوقها وأنها يمكنها أن تقف جنبا إلى جنب مع تلك الدول في الصراعات المستقبلية على السلطة، قررت كوريا الشمالية أن تتصرف بمفردها وتنهي ذلك العرض - بمفردها ونيابة عن الصين.

وعلى الأقل حتى الآن، قلبت كوريا الشمالية توقعات أوباما في آسيا، وأصبحت الشؤون في المنطقة بعيدة عن الاستقرار في منطقة المحيط الهادئ أكثر مما كانت قبل أن يستثمر الرئيس والعديد من أعضاء مجلسه بمن فيهم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في محاولة إقناع المنطقة بأن الرهان على أميركا كان رهانا على الاستقرار.

وأصبح موقف أميركا العالمي أضعف إلى حد كبير وسوف يتم اختباره مرارا وتكرارا في تحديات لمصالحها تنتهي بالخسارة، بخاصة عندما يتعرض حلفاؤها مثل اليابان وكوريا الجنوبية لانتقادات قاسية. ولاستعادة خياراتها وقدرتها على تشكيل النظام الدولي، يجب على الولايات المتحدة أن تقرر ما الذي سوف تصبح عليه خلال القرن القادم؟ وما هي أهدافها الاستراتيجية المحورية؟ وما هي الأشياء المستعدة للرهان عليها لكي تحقق تلك الأهداف؟

وبغض النظر عن المسار الذي سوف تتخذه الولايات المتحدة، سيكون عليها استعادة قوتها، وإنعاش اقتصادها، وإظهار أنها تستطيع إحداث تغير دولي، ربما من خلال الأهداف الأقرب للنظام الدولي، مثل تطبيع العلاقات مع كوبا، أو بدء معاهدة «ستارت» مع الروس، أو دفع سورية وإسرائيل لتطبيع العلاقات وعقد صفقة سلام.

وربما يكون كل ذلك قابلا للتحقيق، وربما يساهم في منح أميركا بعض الزخم مرة أخرى في لعبتها الدولية، ولكن حتى تلك الأهداف تتعرض للعرقلة في الوقت الراهن نظرا للسياسات الأميركية والوعي بضعف الرئيس أوباما.

وأخذا في الاعتبار أن حتى الأشياء البسيطة تبدو صعبة المنال، فإنه من السهل أن نفهم سبب المخاوف المتزايدة بين الحلفاء الرئيسيين لأميركا حول قدرة أميركا على الوفاء بالتزاماتها الاقتصادية والاستراتيجية، والسبب في أن دولة مثل كوريا الشمالية تشعر بأن ليس لديها ما تخسره إذا ما اتخذت أي موقف ووضعت جيرانها والعالم بأسره على المحك.

 

* ستيف كليمونز - مؤسس البرنامج الأميركي الاستراتيجي في «نيو أميركا فاونديشين» الذي ينشر المدونة السياسية الشهيرة «ذا واشنطن نوت».

font change