الإعلام المستقل ضحية الانتخابات في مصر

الإعلام المستقل ضحية الانتخابات في مصر

[escenic_image id="55219615"]

أصبحت وسائل الإعلام المستقلة في مصر ميدان معركة في الشهور التي سبقت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر نوفمبر الماضي. كانت تحت دائرة الضوء بعد إذاعة المسلسل التلفزيوني المثير للجدل «الجماعة»، الذي عرض نشأة الإخوان المسلمين. ويشير الإبعاد القوي والسريع لبعض من أكثر المعارضين للحكومة صراحة، بالإضافة إلى اعتقال عدد من أعضاء أحزاب المعارضة، إلى تغيير في الاستراتيجية عن عام 2005.

في عام 2005، منحت القنوات الفضائية الخاصة تحديدا مساحة كبيرة لتغطية حملات مرشحي المعارضة. ولكن في هذه المرة، لم ترد الحكومة أن تكرر النجاح الذي حققه الإخوان المسلمون في عام 2005، عندما فازوا بـ88 مقعدا في البرلمان.

وكان أهم هدفين هما الإعلاميان المعارضان البارزان إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة «الدستور» ومقدم برنامج «بلدنا بالمصري» وعمرو أديب مقدم برنامج «القاهرة اليوم». قبل وقف برنامجه، شن أديب حملة شرسة ضد الحزب الوطني الديمقراطي وسياسته الاقتصادية. وكان السبب الرسمي لوقف برنامجه هو عدم تسديد قناة «أوربت» الرسوم المستحقة عليها لشركة مدينة الإنتاج الإعلامي المملوكة للدولة. ولكن يؤكد أديب وفريق عمله وجود نية مسبقة لوقف برنامجه المثير للجدل قبل بداية موسم الانتخابات.

ووصلت الأزمة إلى ذروتها عندما تم إيقاف البرنامج التلفزيوني الذي كان يقدمه إبراهيم عيسى في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي 4 أكتوبر (تشرين الأول)، أقيل عيسى من منصبه كرئيس تحرير صحيفة «الدستور»، ولعلها أكثر الإصدارات انتقادا للحكومة. وحدث ذلك بعد مرور 24 ساعة على انتقال ملكية «الدستور» رسميا إلى السيد البدوي، رئيس حزب الوفد المعارض.

ربما يكون إبراهيم عيسى هو أشهر صحافي وكاتب معارض في مصر. لقد أسس «الدستور» لتكون منصة لمختلف الحركات المعارضة في الصحافة المصرية ولتحدي وسائل الإعلام السائدة التابعة للدولة. وعلى وجه التحديد، كتب عيسى سلسلة من المقالات ضد سيناريو تسليم الرئيس مبارك الرئاسة لابنه جمال. وفتح عيسى باب «الدستور» لنشر مقالات الجمعية الوطنية للتغيير، التي تؤيد محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويعتقد عيسى أن هذه الخطوة الأخيرة هي الدافع وراء قرار إقالته.

وفي حين أنكرت الحكومة ضلوعها في ما حدث لكل من أديب وعيسى، فإن مراقبي المشهد السياسي في مصر يعتقدون بشدة أن عرقلة وسائل الإعلام المستقلة ساعدت الحزب الوطني الديمقراطي على العمل بدرجة أكبر من الحرية أثناء الحملة الانتخابية. ولكن، لا يجب النظر إلى إسكات بعض من أبرز أصوات الإعلام المستقل على نحو ظاهري، حيث تطرح الأحداث تساؤلات تتعلق بطبيعة حركات المعارضة في مصر ومدى جديتها. لقد اتهم عيسى شخصيا البدوي بعقد صفقة مع الحزب الوطني الديمقراطي، يفوز بموجبها حزب الوفد بمزيد من المقاعد في الانتخابات. وفي الواقع، بعد إقالة عيسى من رئاسة تحرير «الدستور» سريعا ما أعاد البدوي بيع الصحيفة.

وإذا صح ما ادعاه عيسى من وجود صفقة بين حزبي الوفد والوطني، سيؤدي ذلك إلى الاستنتاج بأنه لا توجد كتلة معارضة حقيقية في مصر، غير جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. أدت سياسات السيد البدوي في الوفد إلى استقالة العديد من الأعضاء الأقباط والعلمانيين، مثل كمال زاخر، كما أنه يُبقي الباب مفتوحا أمام التعامل مع الحزب الوطني. ويشير ذلك ضمنا إلى أن مثل تلك المعاملات قد تفكك الهوية التقليدية للوفد وهو أعرق حزب سياسي في مصر، وبالتالي، ستتفكك كتلة المعارضة الضعيفة بالفعل. بل وتوجد أيضا اتهامات للحزب الوطني بالتخطيط لاختراق مؤيديه لهيئات معارضة. وذكر عبدالرحمن يوسف، رئيس الجمعية الوطنية للتغيير (السابق) ، أنهم اكتشفوا أفرادا داخل الجمعية يعملون فعليا لصالح الحكومة.

وفي قراءة مقابلة للوضع، ما يحدث حاليا سيستخدم في الدعاية مستقبلا للانتخابات الرئاسية الأهم. لقد تم تهديد قناة «أوربت» بغلق استوديوهاتها منذ عام، للسبب ذاته الذي ذُكر بعد إيقاف برنامج أديب. ولكن في هذه الحالة، تدخل مبارك شخصيا لإنقاذ البرنامج واستمرار بثه. و سمح هذا لمبارك والحكومة بالظهور في صورة حماة حرية التعبير، وهو التكتيك المشابه الذي استخدم أثناء إذاعة مسلسل «الجماعة». وللسبب ذاته، تدخل مبارك وأصدر عفوا رسميا عن إبراهيم عيسى عندما اعتقل بعد نشره «معلومات كاذبة» حول صحة مبارك في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2008.

ويشير ذلك إلى أن الحكومة قد تتدخل لتعيد هذين الإعلاميين إلى عملهما عندما يضعف تهديد الإخوان المسلمين بعد الانتخابات البرلمانية وتأتي الحاجة إلى تأييد مبارك، أو ربما جمال، في الانتخابات الرئاسية. وقد يسمح هذا لمرشح الحزب الوطني الديمقراطي بالظهور كمدافع عن حرية التعبير والديمقراطية. وفي كلتا الحالتين، يصبح الإعلام المستقل أداة ترويج انتخابي مريبة.

 

* إليزابيث اسكندر - باحثة في العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن. وهي حاصلة على الدكتوراه في السياسة والدراسات الدولية من جامعة كمبريدج، وتكتب بانتظام في الشؤون السياسية في الشرق الأوسط. وتعمل إسكندر في مجال حل المنازعات، وتركز أبحاثها على سياسة الهوية والدين في الشرق الأوسط مع التركيز على مصر.

* ميناس منير - صحافي ومترجم وكاتب مقيم في القاهرة. متخصص في الشؤون السياسية والثقافية والدينية في الشرق الأوسط. وقد ألف العديد من الكتب، ويتعلق مجال خبرته الرئيسي بالشؤون المصرية والدين السياسي.

font change