قمة لشبونة تبحث "النّصر" والشركاء

قمة لشبونة تبحث "النّصر" والشركاء

[escenic_image id="55218289"]

خصصت قمة رؤساء الدول التي عقدت في لشبونة في 19 - 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قدرا كبيرا من الاهتمام بالبعثة العسكرية المثيرة للقلق التي أرسلها حلف الناتو الى أفغانستان. في نظر كثيرين، من الممكن أن يثير فشل الناتو في الفوز في الحرب تساؤلات حول فعالية الحلف كمؤسسة أمنية دولية.

وشهدت قمة لشبونة التزاما كبيرا من حكومات الدول الأعضاء في حلف الناتو للاحتفاظ بوجود قواتها في أفغانستان، حيث مددت تلك الحكومات الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية إلى عام 2014. وعلى الرغم من تخفيض ميزانية الدفاع أخيرا، فإن أعضاء القوة الدولية للمساعدة على إرساء الأمن (إيساف) بقيادة حلف الناتو ينشرون الآن نحو 100.000 جندي أميركي وما يقرب من 50.000 من القوات الأجنبية. وحتى النقص المستمر في أعداد مدربي الناتو في أفغانستان سينتهي قريبا بفضل قرار الحكومة الكندية بإرسال 1000 جندي من أجل تلك المهمة.

ولكن بعد أيام من انعقاد القمة، أرسل البنتاغون تقريرا إلى الكونغرس، يشير فيه إلى أنه، في خلال شهر سبتمبر (أيلول) عام 2010، حقق حلف الناتو تقدما «متقطعا» في أفغانستان، على الرغم من زيادة عدد القوات القتالية في البلاد. وقد أدى تصاعد القتال إلى زيادة أعداد الضحايا من المدنيين. وعلى الرغم من أن متمردي طالبان مسؤولون عن معظم تلك الحوادث بسبب استخدامهم الشائع لمتفجرات مصنعة ارتجاليا، فإن الشعب الأفغاني أحيانا ما يلقي باللوم على قوات الناتو بسبب وقوع القتلى والجرحى.

وبغض النظر عن مدى تحسن كفاءة الناتو في ما يخص استراتيجية القوات وتكتيكاتها، فإنه لا يستطيع الفوز في الحرب بمفرده. يحتاج الحلف إلى شركاء، في أفغانستان وأماكن أخرى، من أجل تحقيق نظام ديمقراطي قادر على احتواء العنف السياسي المنتشر ومنع إعادة بناء قاعدة إرهابية تمتد عالميا على أرضه أو متمردين، تمولهم تجارة المخدرات، يهددون الدول المجاورة.

وفي داخل أفغانستان، تكمن المشكلة في أن الحكومة وقواتها الأمنية ما زالت تواجه صعوبات كبرى في تنفيذ الحكم الجيد وسيادة القانون، وتعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل، ومكافحة الفساد والاتجار في المخدرات، بالإضافة إلى تأمين أعضاء طالبان الذين يحاولون الاندماج من جديد في المجتمع الأفغاني. وعلى الرغم من أن حلف الناتو ليس مسؤولا عن تلك المشكلات، فإن أفضل استراتيجية له في أفغانستان ستظل رهنا لقرارهم.

يجب أن يكون هناك هيكل أمني أفغاني فعال لكي يستطيع حلف الناتو نقل الحرب إلى قيادة كابل. وعلى الرغم من برامج التدريب الأجنبية الشاملة ووسائل الدعم الأخرى، فإن الجيش الوطني الأفغاني والشرطة الوطنية الأفغانية لا يملكان سوى قدرة محدودة على هزيمة متمردي طالبان من دون دعم مباشر مستمر من الناتو. وتستمر متطلبات تدريب قوة «إيساف» في الازدياد نظرا لفرار عدد كبير من الجنود الأفغان من الجيش. كما أن هذا الضعف المستمر أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت الناتو يشعر بوجوب إرسال عشرات الآلاف من القوات الإضافية إلى أفغانستان في العام الماضي فقط.

لقد أكدت قمة لشبونة على الاهتمام الروسي المتزايد بالتعاون مع حلف الناتو في أفغانستان. ومنحت الحكومة الروسية لجميع أعضاء الناتو الحق في نقل السلع المقررة لأفغانستان عن طريق أراضيها بعد أن كانت تمنحها لعدد محدود من الأعضاء في الناتو. وفي المقابل، وافق الناتو على مزيد من التعاون مع روسيا، في ما يخص مواجهة تجارة المخدرات في أفغانستان. وتدعي السلطات الروسية أن بها 30.000 شخص يفقدون حياتهم سنويا بسبب جرعات زائدة من المخدرات، والإصابة بمرض نقص المناعة البشرية بسبب الحقن الملوثة، وحالات وفاة أخرى متعلقة بالأفيون الأفغاني. وسيسدد الناتو أموالا إلى روسيا من أجل تقديم مروحيات وتدريب طيارين أفغان على قيادتها.

ولكن لا يزال التحالف يحتاج إلى تأييد شركاء دوليين رئيسيين. ولعل أكثر الشركاء إثارة للمشكلات، باكستان، التي تظل حكوماتها عاجزة عن منع المساعدة المستمرة منذ مدة طويلة من العديد من الباكستانيين إلى المتمردين الأفغان. وفي تقرير عن التقدم الذي تم إحرازه أمام الكونغرس، اعترفت وزارة الدفاع الأميركية بأن جهود منع طالبان من إرسال الرجال والمواد عبر الحدود الأفغانية الباكستانية «لم تحقق نتائج ملموسة». وحتى الآن، يرفض الجيش الباكستاني قمع حركة طالبان الباكستانية، والتي تتمتع بملاذ آمن في مناطق تقع على الحدود الأفغانية الباكستانية حيث تساند من خلاله متمردي طالبان في أفغانستان.

كما لا يدعم كل من إيران والصين حلف الناتو. وقد عرقل الخلاف حول برنامج إيران النووي وجود تعاون بين الناتو وإيران في ما يخص أفغانستان وأماكن أخرى. وفي الوقت ذاته، على الرغم من أنها أصبحت لاعبا اقتصاديا رئيسا في أفغانستان، فإن الصين رفضت دعم قوات الناتو التي تحمي استثماراتها هناك. وقد كررت بكين رفضها لطلبات الناتو بتمرير الإمدادات عبر الأراضي الصينية إلى أفغانستان التي لا يوجد مدخل لها عبر البحر.

بالإضافة إلى تحسين شراكته مع الحكومة الأفغانية، والعديد من الدول المجاورة لها، يجب أن يحرز حلف الناتو المزيد من الانسجام بين المؤسسات الدولية المختلفة التي ترعى إعادة الإعمار في أفغانستان. ولا يمكن تحقيق تقدم مستمر في الأحوال السياسية والاقتصادية والأمنية في أفغانستان من دون تحقيق المزيد من التعاون بين الناتو والمؤسسات الدولية الأخرى، بخاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

ينبغي على حلف الناتو، تخطي معاهدة لشبونة، الى تطوير وتنفيذ خطة عمل من أجل تقييم حجم التقدم الذي يتم إحرازه في الحرب الأفغانية وفقا لمعايير محددة. ويجب أن تضم تلك المعايير نشر المزيد من قوات الأمن الأفغانية الأكثر كفاءة، وتحسين قدرة مؤسسات الحكم الأفغانية، وتوفير المزيد من فرص العمل ذات الطبيعة السلمية.

يحتاج التحالف أيضا أن يستمر في تطوير شراكاته الدولية لحشد دعم دولي في الحرب الأفغانية. كما يقوم الناتو بدور تنسيقي مهم بين العديد من الدول والمؤسسات المهتمة بأفغانستان. وهو يتشارك بالفعل مع ما يزيد على عشر دول من غير الأعضاء في الحلف، منها أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، في القوة الدولية للمساعدة على إرساء الأمن التي يقودها الناتو. وتبقى مهمة الناتو حاليا في التوسع في هذه الشراكات من أجل ضم المزيد من الأطراف وتحويل ما ظل في بعض الحالات دعما اسميا إلى إسهامات أكثر جدوى واستمرارا.

 

* ريتشارد ويتز – باحث ومدير مركز التحليلات السياسية العسكرية في معهد هدسون في واشنطن العاصمة.

font change