التقارب التركي الايراني.. نبأ سار للمنطقة

التقارب التركي الايراني.. نبأ سار للمنطقة

[escenic_image id="55215727"]

في سبتمبر (أيلول) الماضي، حث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان المستثمرين على زيادة التجارة المتبادلة مع إيران ثلاثة أضعاف حجمها بحلول عام 2015 لتصل إلى 30 مليار دولار سنويا من خلال المشاريع التجارية المشتركة، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومات الغربية بزعامة الولايات المتحدة التضييق على إيران من خلال العقوبات.

وسوف ترفع تركيا إيران أيضا من قائمتها "قائمة الأعداء" بنهاية العام الحالي، وهي تقف حاليا ضد نيات واشنطن بوضع إيران كهدف للدرع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي الذي من المرجح أن تستضيفه تركيا على أراضيها. ومن جانبها، تعهدت طهران بتسهيل الاستثمارات التركية في إيران ومنحت أنقرة دور الوسيط الحالي مع الدول الغربية في الدبلوماسية المكوكية المتعلقة ببرنامجها النووي.

ويعد التقارب بين الدولتين نتاج الحسابات الدقيقة على غرار العلاقة بين ألمانيا وفرنسا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فتركيا تحتاج لإيران لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من استعادة مكانتها القديمة كقوة إقليمية، وتحتاج إيران إلى تركيا لكي تنجو دبلوماسيا واقتصاديا. ولكن ما هو محل نظر هو الإجابة عما إذا كانت تلك العلاقة سوف تنجح أم لا.

وعلى مدار القرن الماضي، كانت الإمبراطوريتان السابقتان تعيدان استكشاف نفسيهما وتصارعان لإيجاد موقع لهما في العالم. وكانت أنقرة تنظر لجارتها باعتبارها مصدرا للتهديد بعد الثورة الإسلامية وهو الموقف الذي بدأ يتغير في ظل حاجة تركيا الملحّة للغاز الطبيعي. وفي عام 2000، كان حجم التجارة البينيّة يبلغ مليار دولار أميركي، وبعد ذلك بخمس سنوات بلغ 4 مليارات دولار، ووصل خلال العام الماضي 10 مليارات دولار، معظمها في صفقات تتعلق بالطاقة.

وكان التحوّل من التشكك إلى التعاون نتاج تحولات جيوسياسية عميقة، أكثر من كونه يتعلق بالتجارة، حيث إنه تزامن مع تغيرات استراتيجية سواء في أنقرة أو في طهران، كان من أبرزها، غزو الولايات المتحدة للعراق، وصراع إيران مع القوى الغربية حول برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وتجاهل أوروبا لرغبات تركيا في عضوية الاتحاد الأوروبي.

وبالنسبة لتركيا، تزامن الرفض الأوروبي مع ازدهارها الاقتصادي والعسكري وطموحاتها. ومع ذلك كانت روسيا تعرقل تطلعاتها الجيوسياسية شرقا نحو القوقاز. وبالتالي كان خيار تركيا الوحيد هو الاتجاه جنوبا، إلى الشرق الأوسط حتى تجمع قواها للتغلب على روسيا، بعدما تصبح مركز الطاقة البديل الذي ينقل البترول والغاز إلى أوروبا. كما أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي لها المصداقية والقوة العسكرية والاقتصادية لملء الفراغ الذي ستخلفه القوات الأميركية عند رحيلها.

ولكن جبهة الشرق الأوسط تتطلب استقرار الدول المجاورة وإقامة علاقات طيبة بدءا بالعراق، تلك الدول التي يأتي منها قدر كبير من الغاز والنفط اللذين سيجعلان من تركيا مركزا رئيسا. كما أن العراق هي أيضا مركز الاضطرابات الإقليمية في الوقت الراهن الذي يشتمل على تطلعات الأكراد للاستقلال.

وتعد إيران من اللاعبين الرئيسيين في العراق، حيث إنها تعمل كمصدّ أمني. وذلك هو سبب تورط إيران هناك خلال العقد الماضي. كما أن طهران لديها القوة الكافية لزعزعة استقرار جارتها وبالتالي تزويد المتمردين الأكراد بالقوة ومن ثم عرقلة الأهداف التركية. وإذا ما حققت إيران الاستقرار في العراق، سوف تستطيع تركيا مد نفوذها على الجبهتين الدبلوماسية والاقتصادية.

وبخلاف ذلك، فإن إيران تحاول البقاء، على رغم كل الخوف الذي تبثه في أنحاء المنطقة كافة. فهي لا تنافس تركيا أو أي دولة أخرى نظرا لأنها لا تستطيع ذلك. إنها بالطبع قوة إقليمية ولكنها غير قادرة على التوسع. فهي لا تتمتع بالموقف الاقتصادي الذي يسمح لها بذلك. فهي غير مستقرة على المستوى الداخلي كما أنها تعاني من نزاع داخلي، ولا تمثل أي ضغوط هجومية، وقد بنت استراتيجيتها بالكامل على الدفاع، وهي تعتمد على حربها غير المتوازنة من خلال نوابها حماس وحزب الله. كما أنها تستهدف من برنامجها النووي أن يصبح رادعا. وحتى إذا ما كانت لديها الإرادة والقوة للتوسع خارج العراق فإنها ستواجه بعداء الدول ذات الغالبية السنية بدءا بتركيا.

كما أن مصالح إيران وتركيا تلتقيان في القوقاز، وإن كان بدرجة أقل، وفقط في مواجهة الروس. وفي أعقاب الحرب في جورجيا، شهدت تركيا تحطم خططها الشرقية. وحتى إن كان بشكل موقت، تشترك كل من أنقرة وإيران في الأهداف في القوقاز التي تعد هدف تركيا التالي.

وبالطبع، فإن العكس صحيح أيضا. فإيران لديها القدرة على زعزعة الاستقرار في أفغانستان، وباكستان، وأذربيجان، والمنطقة الأوسع من ذلك. وتستطيع أن تتجه أيضا إلى روسيا، وبالتالي فمن مصلحة تركيا أن تبقى إيران قريبة. وعلى الجبهة الاقتصادية، فإن القوقاز غنية بالنفط والغاز أيضا ولكن تركيا لن تتمكن من العمل كنقطة الوصل بين أوروبا وتلك الموارد من دون مساعدة إيران. وهنا يكمن حافز آخر.

وربما تكون أحدث القضايا إثارة للجدل هي معضلة فلسطين. فمن مصلحة تركيا أن تصل إلى تسوية سلمية واسعة بأسرع ما يمكن ومن مصلحة إيران أن تفعل العكس.

ونظرا لأن لها موطئ قدم في العراق، اتجهت تركيا لإقامة روابط مع سورية، ثم أخفقت لاحقا في عقد التوصل للسلم بين إسرائيل ودمشق. ولكن حادثة اسطول الحرية عززت عن دون قصد من دور أنقرة كقوة إقليمية بخاصة بين المسلمين الذين لا يثقون في زعامة مصر التي تتسم بالفتور، ولكنها كانت قد سئمت من النيات الإيرانية. وكان ضجيج تركيا حول مقتل مواطنيها، يتجاوز الدفاع عن غزة ولكن أردوغان برز كبطل للقضية الفلسطينية.

وكانت إيران تحتل دائما مرتبة متقدمة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كما أن تركيا هددت أخيرا موقف إيران وهو ما يفسر سبب سفر الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى حدود إسرائيل مع لبنان خلال زيارته الأخيرة. ومع ذلك فإن ذلك يأتي في المرتبة الثانوية بالنسبة لأهداف كلا الدولتين.

فالأولوية بالنسبة لتركيا وإيران هي الحل السلمي لمشكلة إيران النووية. وبالطبع فإن أكبر المخاطر التي تهدد طموحات أنقرة بالهيمنة هو هجمة عسكرية يمكنها الإضرار بالشرق الأوسط. ولذلك صوتت تركيا ضد العقوبات الأخيرة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهو السبب في أنها حاولت من دون أن تصيب أن تطرح حلها الخاص بالإضافة إلى البرازيل ضد رغبة حلفائها من حلف شمال الأطلسي.

وبغض النظر عن درع الصواريخ، يبدو أن تركيا سوف تفرض إرادتها على حلفائها في حلف شمال الأطلسي. فقد قال الرئيس عبدالله غل قبل أسبوع من القمة التي عقدت أخيرا في لشبونة إن: "ذكر دولة واحدة، إيران.. هو أمر خاطئ ولن يحدث. فلن يتم استهداف دولة محددة. ومما لا شك فيه أننا لن نقبل بذلك".

وقد انضمت تركيا لطهران في الرهان على مستقبلها حول حل تلك القضية. وتحاول أنقرة تجنب الحرب من خلال الحديث المباشر مع طهران والمساومة على الوقت مع حلفائها من حلف شمال الأطلسي. وترغب طهران في أن تستغل تركيا وضعها لكي تتفاوض نيابة عنها بشأن الضمانات الأمنية ولكن بالنسبة للمنطقة ككل، فإنه يمكن أن يتحول إلى استقرار.

 

* أندريه كالا: صحافي حر يعيش بمدريد. وينشر بانتظام في كثير من المطبوعات بما في ذلك مجلة "تايم"، و"نيويورك تايمز"، و"ذا كريستيان ساينس مونيتور".

font change