مرتزقة أميركا في حروبها من دون رقيب أو حسيب

مرتزقة أميركا في حروبها من دون رقيب أو حسيب

[escenic_image id="55211797"]

منذ بداية الحروب في أفغانستان والعراق، كانت هناك العديد من النقاشات الأخلاقية التي تتعلق بطبيعة تدخل الولايات المتحدة في تلك البلدان. وقد برزت القضايا المتعلقة بالعدالة والسيادة في إطار العديد من الأخطاء التي ارتكبت في إطار الاستعداد لتلك الحروب وتنفيذها، ولكن أحدها فقط استمر حتى عندما بدأت الولايات المتحدة في الانسحاب من العراق، ربما لأن ذلك الانسحاب العسكري من المرجح أن يجعل الأمور تزداد سوءا.

 أساء استخدام الولايات المتحدة للمتعهدين الأمنيين في العمليات القتالية إلى صورة الولايات المتحدة بالخارج نظرا لاعتمادها المفرط على ما وصفه كثيرون بأنه اعتداء طماع وغير مسؤول. وعلى الرغم من أن طبيعة الجيش الأميركي وعملياته الطموحة جعلته ميالا إلى الاعتماد على المتعهدين الخارجيين، فإن الفضائح العديدة التي ارتبطت بسلوكياتهم العدوانية لم تساعد الولايات المتحدة على تأسيس علاقة قائمة على الثقة مع المجتمعات المحلية في كل من العراق وأفغانستان.

بل إن متعهدين مثل «بلاكووتر»، وهي واحدة من أشهر الشركات في ذلك المجال، قد أصبحت مرتبطة بالضرر الذي أحدثته أكثر من الدعم الذي قدمته. فمن الاغتيالات، إلى الرشى والتزوير، حملت «بلاكووتر» أخطاءها كوصمة عار، مما دفع مالكها السابق إلى تغيير اسمها من «بلاكووتر» إلى «إكس إي سيرفيسيز». ومع ذلك، فإن عمليات إعادة بناء صورتها، لم تمح الآثار السلبية التي تسببت فيها المنظمة. وللأسف، فإن عدم شعبية «إكس إي» لم يمنعها من الاستمرار في علاقتها الوثيقة بالاستخبارات الأميركية (حيث وصلت قيمة العقود إلى 600 مليون دولار منذ 2001)، كما لم تساعد على تنفيذ العديد من القضايا التي كانت تسعى إلى تقديم الشركة للعدالة نظرا للانتهاكات التي لا تعد ولا تحصى.

ويقال إن السبب في أن التحقيقات والقضايا المقامة ضد الشركة لم تسفر عن شيء، يرجع إلى المعضلات القانونية المرتبطة بالسلطة القضائية، وصعوبة الحصول على الأدلة في مناطق القتال، بالإضافة إلى المشكلات المتعلقة بالتغلب على الحصانة. وعلى الرغم من أنه من المفهوم أنه خلال تطور الحرب، يمكن أن تظهر مشكلات غير متوقعة، فإن اعتماد الولايات المتحدة المتزايد على تلك الخدمات يتطلب أن يتم فرض المزيد من الرقابة على المتعهدين، وحصولهم على تدريب أفضل وتكامل أفضل مع الآلة العسكرية الموجودة بالفعل.

في عمل ميكيافيللي المهم حول النظرية السياسية، يوضح دبلوماسي فلورنسا شيئا أساسيا حول الاستراتيجية العسكرية، وهو أن: «المرتزقة محل شك، وغير مخلصين وخطرين». وعلى الرغم من أن موقفه من المرتزقة ربما يكون مبالغا فيه أو على الأقل غير عملي أخذا في الاعتبار حجم القوة البشرية الضرورية لشن حرب معاصرة، فإن المشكلات التي طرحتها شركات مثل «بلاكووتر» توازي تلك التي حذر ميكيافيللي قادته منها.

و ألقت وثيقة حديثة سربها موقع «ويكيليكس» بالضوء على حادثة محددة تلخص توجه المتعهدين الغربيين الوحشي في توفير الأمن وكيف حد ذلك التوجه ببساطة من مساعي الولايات المتحدة لاستقرار العراق. وفي ديسمبر (كانون الأول) عام 2004، أطلق أحد المتعهدين الأميركيين النيران على أتوبيس مزدحم، وعلى إطارات سيارة مدنية أخرى. ولم يتوقف إطلاق النيران إلا بعد وصول الشرطة العراقية، وأمن الميناء، ووحدة عسكرية بريطانية.

وربما يكون الأكثر إثارة للدهشة هو رد فعل المتعهدين في أعقاب وصولهم. فبعدما وجدوا أنه لم يصب أحد، وزعوا الأموال النقدية على المدنيين العراقيين ثم غادروا.

وتم وصف المشهد باعتباره أحد الأمثلة من بين العديد من الحوادث على اعتياد المتعهدين إطلاق النيران على المدنيين من دون تمييز. وقد وقعت مثل تلك الحوادث في كل من العراق وأفغانستان، وكان رد فعل الدولتين هو تقليل عدد المتعهدين الموجودين كما حدث في أفغانستان أو من خلال زيادة محاسبتهم كما حدث في العراق. وعلى الرغم من ذلك فإن تلك الشركات، بخاصة «بلاكووتر»، ما زالت فوق القانون.

وحتى بعدما أدينت في مقتل عدد من المدنيين في العراق، أنشأت «بلاكووتر» مركزا من نحو 30 شركة تابعة للاستمرار في العمل مع الحكومة الأميركية مما يجعلها منظمة شبه عسكرية هائلة. وأخيرا، منحت وزارة الخارجية الأميركية شركة «بلاكووتر» عقدا قيمته 120 مليون دولار لتوفير الأمن للمكاتب الإقليمية في أفغانستان، كما جددت الاستخبارات الأميركية عقد الشركة لمحطتها في كابل بقيمة 100 مليون دولار وذلك وفقا لما ذكرته «نيويورك تايمز».

ويزعم المسؤولون بأن تلك العقود تعتمد على اتفاق «بلاكووتر» على دفع 42 مليون دولار كغرامات لتبرير استمرار عمل الحكومة مع تلك الشركة المحتالة. ومع ذلك فحتى في ظل تلك العقود الجديدة، فإن مشكلات «بلاكووتر» القانونية ما زالت بعيدة عن الانتهاء. فأولا، تم اتهام خمسة من التنفيذيين السابقين بالشركة بتهم تتعلق بالأسلحة وتضليل العدالة، كما أن هناك تحقيقات مستمرة تتعلق بمزاعم محاولات أعضاء رشوة السلطات العراقية، بالإضافة إلى تهمتين إضافيتين بالقتل في ما يتعلق بمقتل اثنين من الأفغان. وعلى الرغم من أهميتها، فإن تلك هي الخطوات الأولى فقط في الحرب ضد الحصانة التي اعتادت أن تعمل منظمات مثل «بلاكووتر» من خلالها.

ومع ذلك فإنه كلما تزايد وجود المتعهدين الأمنيين – تشير تقديرات الكونغرس إلى أن عدد المتعهدين في العراق من المرجح أن يتضاعف خلال السنوات القادمة – فإنه من الضروري أن نعمل على تقييم جانب آخر لدورهم في الحرب. وعلى الرغم من التأثير السيئ لمثل هذه الشركات، فإن المتعهدين أنفسهم يقدمون خدمات قيمة لجهود الحرب. ومع ذلك، تتعرض تلك المساهمات للظلم. فعلى الرغم من أنهم يتحملون ويلات الحرب إلى جانب الجيش، فإن المتعهدين المدنيين لا يحصلون على نفس المزايا، كما أنهم لا يحصلون على نفس التقدير العام لعملهم، مما يجعلهم كما تقول «بروبابليكا» «محارب فيتنام لهذ الجيل».

وعلى الرغم من أهمية مساءلة شركات مثل «بلاكووتر» عن جرائم موظفيها، فمن الضروري أن نعي القيمة الإضافية التي يمكن أن يوفرها العديد من موظفيهم، وأن نحرص على أن يتلقوا مكافآت توازي التضحيات التي يقومون بها. وفي تحقيق مشترك بعنوان «جيش يمكن التخلص منه» الذي أجرته «بروبابليكا» و«لوس أنجليس تايمز»، تصف الشبكة الإخبارية الطريقة التي سمح عبرها اعتماد الولايات المتحدة على المتعهدين للحكومة وأصحاب الشركات بإهمال صحة المتعهدين بالإضافة إلى إسهاماتهم في جهود الحرب.

وتصور المقارنة السريعة بين عدد القتلى من المدنيين والإصابات بين العسكريين وجهة نظرهم بوضوح. فبين يناير (كانون الثاني)، ويونيو (حزيران) 2010، قتل أكثر من 250 مدنيا يعملون تحت راية المتعهدين الأميركيين في مناطق الحرب، فيما سجل البنتاغون في نفس الفترة وفاة 235 جنديا.

ويؤدي المتعهدون المدنيون الذين يعملون كمترجمين، أو يقومون بالأعمال الأساسية مثل التنظيف، مهمات حيوية في مناطق الحرب، ولكنهم على خلاف الجيش، لا يحصلون على التعويضات أو التكريم نظير جهودهم. والأهم من ذلك، وكما تقول «بروبابليكا»: «فإن ارتفاع الوفيات لم يلفت الانتباه، مخفيا مجمل التكلفة البشرية للحرب». فهم يتعرضون لنفس الإعاقات الدائمة من دون شبكات الدعم الموجودة للمساعدة على إعادة تأهيل الجنود بعد عودتهم من الجولات المنهكة في بعض أخطر مناطق الحرب في العالم. وعلى النقيض من ذلك، يعود معظمهم إلى موطنهم وينفقون مصروفات قانونية طائلة سعيا وراء المكافآت التي كانت شركات التأمين قد وعدتهم بها، وهي شركات التأمين التي تبدي دائما استعدادا للتضحية بجودة الرعاية في مقابل التكلفة.

وعلى الرغم من أن دور وسلوك شركات الأمن الخاصة يثيران العديد من التساؤلات المهمة حول أخلاقيات الحرب المعاصرة بالإضافة إلى الحاجة إلى العدالة والتعويض للضحايا، فإنه من الضروري أن نعي أن الأشياء ليست فقط من بين أبيض وأسود.

وليس كل المتعهدين أشرارا، كما أن معظمهم قدم إسهامات مهمة لجهود الحرب الأميركية، وبالتالي يجب معاملتهم وفقا لذلك. وفي الوقت الذي ما زالت الشركات الأمنية تقدم الدعم للولايات المتحدة في انسحابها من العراق، يجب على الحكومة أن تعمل على تعزيز دمج تلك المؤسسات في النظام العسكري الموجود بالفعل خشية أن ينجم المزيد من المظالم عن ذلك الجور.

 

* بولا ميجيا.

font change