مسيحيو الأرض المقدّسة.. أيّ مستقبل؟

مسيحيو الأرض المقدّسة.. أيّ مستقبل؟

[escenic_image id="55205728"]

أظهرت الأقلية التي تواجه صعوبات في منطقة الشرق الأوسط المحاطة بالصراعات الداخلية والصراعات الحدودية، والإحساس المتنامي - الذي استنبطه الراديكاليون - بصراع الحضارات مع الغرب، أنها تدرك أن فرصتها في البقاء تعتمد على تحقيق السلام والتمثيل السياسي الموحد.

لقد عاش المسيحيون في الشرق الأوسط لقرون عدة قبل أن يظهر الإسلام على الساحة العالمية. ولما يقرب من 1500 عام، تعلمت مجتمعاتهم أن تتكيف مع الظروف لكي تتمكن من البقاء.

وخلال القرن الماضي، انخفض عدد المسيحيين من 20 في المائة إلى نحو في المائة من نسبة السكان في المنطقة. وأصبحوا الآن معرّضين لأن يصبحوا أول ضحايا الحرب الآيديولوجية والدينية والاجتماعية التي وضعتهم بين شقي الرحى من دون وسائل دفاع، حتى أصبح ينظر للهجرة في بعض الأحيان باعتبارها السبيل الواقعي الوحيد للنجاة.

ونظرا لرغبة زعماء الكنائس في مقاومة الفناء، والمساعدة على توجيه المنطقة صوب الحداثة، حصل ممثلو تلك المجتمعات القديمة ولمدة أسبوعين في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على فرصة إذاعة مظالمهم في اجتماع للأساقفة يطلق عليه السينودس أقيم في الفاتيكان وكان مخصصا للشرق الأوسط بما في ذلك المناطق النائية التي تواجه حقائق وأوضاعا مماثلة.

 

روما تتكلّم عربي

تجمع نحو 185 شخصا، بما في ذلك البطاركة والأساقفة والقساوسة وعدد من الأشخاص العاديين تلبية لدعوة البابا بنيديكت السادس عشر في أول مناسبة للفاتيكان على الإطلاق تعقد باللغة العربية.

وكانت هناك قضايا عدة مطروحة على الطاولة، مثل الحاجة لتعزيز الحوار بين الأديان مع كل من اليهود والمسلمين، وكيف يمكن تعزيز العمل على تطبيق الديمقراطية والأشكال العلمانية للحكومة التي يمكن عبرها احترام حرية الدين وكيف يمكن مساعدة المسيحيين في الشرق الأوسط على عدم الاضطرار لمغادرة أوطانهم.

وفي اليوم الثاني للمؤتمر، بدأت مناقشة مسألة الديمقراطية تحديدا كوسيلة للسلام والأمل في إبقاء المسيحيين في الأرض التي ولدت فيها ديانتهم وتشجيعهم على أن يصبحوا فاعلين في مجتمعاتهم.

ولتحقيق ذلك الهدف، تم تشجيع المسيحيين على العمل مع المسلمين واليهود، وهم الأطراف الرئيسة في ذلك المجال. وكان المتحدثون يمثلون تلك الأديان كافة وأكدت الوثيقة النهائية على الحاجة لتشجيع الحوار بين الأديان.

ولكن فعاليات السينودس، على أية حال، كانت تمثل تذكرة على أن الطريق للسلام محفوف بالصعوبات. فقد تحدث اثنان من الأساقفة على الأقل بصراحة حول العقبات التي تواجههم خلال تواصلهم مع مواطنيهم من المسلمين، بما في ذلك الحوار «الصعب وغير الفعال في العديد من الأحوال» مع نظرائهم المسلمين، وفقا لرئيس الأساقفة رابولا بيلوني السوري الذي يعمل في لبنان.

ومع اقتراب انتهاء فعاليات السينودس، تسببت تعليقات الأسقف ملكايات الذي يعمل في أميركا حول إسرائيل في إثارة عاصفة دبلوماسية، حيث اتهمت السلطات اليهودية والإسرائيلية الفاتيكان بالسماح للأساقفة الموالين لفلسطين والمخلصين للدعاية العربية بالهيمنة على السينودس.

وعلى الرغم من تلك الحوادث، كان غالبية الآباء في السينودس مجمعين على أنه يجب على المسيحيين البقاء في أوطانهم، وأن يجعلوا أصواتهم مسموعة ونبذ العنف بكل الوسائل وأن يعملوا على تأمين المستقبل لمجتمعاتهم.

وأوضح البطريرك السوري جورجوريوس الثالث لحام من كنيسة ملكايت بصراحة عواقب استمرار الوضع الراهن، الذي ربما يؤدي إلى نهاية الوجود المسيحي القوي في الأراضي العربية: «إن ذلك سوف يجعل من المجتمع العربي مجتمعا أحادي اللون، يقتصر على المسلمين، في مواجهة مجتمع في أوروبا يقال إنه مسيحي. وإذا ما حدث ذلك، فإنه ربما يعني صداما جديدا للثقافات، والحضارات، والديانات وصراعا مدمرا بين شرق عربي إسلامي وغرب مسيحي».

 

متّحدون؟

وما كان لحام يحاول أن يقوله هو أن المسيحيين، رغم عددهم الصغير - ربما 5 في المائة من العدد الإجمالي للسكان - عليهم دور ضخم يجب أن يمارسوه في الشرق الأوسط. وبدلا من الاختفاء والابتعاد عن المشكلات، على تلك المجتمعات أن تعمل بفعالية، ليس فقط من أجل البقاء ولكن لتجنب تعرض الأرض التي يعتبرونها وطنهم لكارثة.

ويقول الأب سمير خليل سمير، القس القبطي الكاثوليكي وأحد خبراء الكنيسة البارزين في الإسلام: «لا يجب أن يشكل المسيحيون "جيتو" لأن ذلك يعني قبولهم للموت البطيء. وعلى النقيض من ذلك، نرغب أن يبني المسيحيون والمسلمون مجتمعا معا، وذلك هو ما يقترحه السينودس».

ويعد ذلك التماسك مذهلا، بخاصة عندما نأخذ في الاعتبار الوضع الذي يواجهه المسيحيون في دول الشرق الأوسط مثل العراق، والتي قتل فيها بعد السينودس بأسبوع واحد عشرات من الكاثوليك بما في ذلك ثلاثة من القساوسة على يد أتباع تنظيم القاعدة خلال مراسم للكنيسة.

ولكي يتم تفعيل تلك الاستراتيجية الطموحة، من الضروري أن يمثل المسيحيون جبهة متحدة. ولكن الموقف الحالي أكثر تعقيدا من ذلك، ويبرز السينودس نفسه ذلك، للمفارقة، حيث لم يتم تمثيل سوى فئة قليلة من مسيحيي المنطقة فيه.

وذلك حيث إن غالبية المسيحيين في الشرق الأوسط من الأرثوذكس. ونظرا لعدم اتحادهم مع الكنيسة الكاثوليكية، تم إقصاء زعمائهم، بالضرورة، من ذلك السينودس على الرغم من أن العديد منهم كانوا حاضرين، وفقا للمراقبين. وبالتالي فإنهم ليسوا ملتزمين بقرارات السينودس ولا يستطيع أحد الجزم بما إذا كانوا سوف يلتزمون بالاستراتيجيات التي سوف تسفر عنه أم لا.

يقول عادل سيداروس المسيحي المصري والأستاذ في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إيفورا بالبرتغال: «إن الرغبة المخلصة هي تجاوز الاختلافات الكنسية. فجميعنا جزء من أقلية. فالذين جاءوا من مدن كبرى تلقوا تعليمهم في نفس المدارس. ولكنها قضية أخرى بالنسبة للأساقفة: فالعلاقات أكثر تعقيدا».

ويصنف الأب سمير خليل سمير النزاع باعتباره واحدا من أكثر التهديدات التي تواجه المسيحيين في الأراضي الإسلامية بالإضافة إلى التطرف في بعض البلدان والحروب في العراق والأراضي المقدسة.

وبصراحة أكثر، أوضح أحد الصحافيين بالفاتيكان كيف كان واضحا أن زعماء الكنائس الكاثوليكية أنفسهم (هناك ستة بالمنطقة تمثل الجماعات العرقية - اللغوية التي لكل منها تقاليدها وبنيتها التنظيمية) لم يعتادوا على العمل معا.

وإذا ما ساعد الأسبوعان في روما على تحسين ذلك الوضع، وهو ما يبدو أنه كان الحال، فربما يثبت ذلك أنه واحد من الثمار المهمة للسينودس برمّته.

 

* فيليب دافيليه - صحافي بلشبونة، البرتغال، يعمل على تغطية الأخبار الدينية الدولية التي تركز على دور الدين في العلاقات الدولية والسياسة.

font change