هل يطرد الفرنسيون الغجر أم يودّعون ساركوزي؟

هل يطرد الفرنسيون الغجر أم يودّعون ساركوزي؟

[escenic_image id="55201181"]

يعلم معظم الناس أن الغجر موجودون، ولكن قليلا منهم من يعرف الكثير عن هؤلاء الغجر. من الذي ينتمي إلى هذه الفئة الغامضة، التي كثيرا ما يربط الناس بينها وبين الجرائم الحقيرة وأحوال معيشتهم المنعزلة على أطراف المجتمعات الأوروبية؟ أحيانا ما يشار إلى تلك المجتمعات باسم الرّوم أو الغجر، وأشهر ما قيل عن أصولهم إنهم جاءوا من شمال غربي الهند ووصلوا إلى أوروبا في فترة ما بين القرن العاشر والعصور الوسطى. ومنذ ذلك الحين، يواجه الغجر الاضطهاد والاندماج القسري بل والطرد. واليوم، يقدر تعداد الغجر من 10 إلى 12 مليون نسمة، وهم متفرّقون في جميع أنحاء القارة، ويتركّز معظمهم في أوروبا الشرقية وإسبانيا.

ومن أجل استيعاب الأزمة الحالية التي يمرّ بها الغجر في فرنسا، يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا يستحق جائزة قدرها مليون دولار: لماذا تحصل جماعة عرقية تعاني من الاضطهاد في أوروبا منذ قرون على كل هذا الاهتمام الإعلامي فجأة؟ على الرغم من أن الإجابة السطحية تبدو معقدة، فإنها بسيطة جدا في الواقع. لقد بدأت الحملة غير الرسمية للانتخابات الرئاسية في فرنسا التي تجري في 2012. وتهوي شعبية ساركوزي، الذي يعاني من اقتصاد مثقل بالأزمة، وتعديل سن المعاشات غير المرغوب فيه، وفضيحة بتينكورت، إلى 33 في المائة، لذلك من الواضح أنه يحاول لفت انتباه الناخبين بالتلويح ببطاقة القانون والنظام.

ولا تعد هذه هي المرة الأولى التي يتبع فيها ساركوزي هذا الأسلوب. لقد بنى سمعته في مطلع القرن كوزير للداخلية عن طريق التضحية بالشباب المهاجرين ما بعد الاستعمار كرد فعل على صعود الجبهة الوطنية. وبعد ذلك، حقق الاستفادة السياسية القصوى من أحداث الشغب التي وقعت في خريف 2005 ليبدأ حملته من أجل انتخابات الرئاسة التي أجريت عام 2007، حيث أرجع حالة الاضطراب إلى «ممارسي البلطجة والحثالة» في أطراف المدن الفرنسية، وتعهد بتنقية هذه المناطق «بالقوة». وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى تحقيقه فوزا ساحقا في انتخابات 2007، حيث نجح في استعادة أصوات الناخبين التي خسرها في السابق أمام اليسار.

ويأمل ساركوزي في أن يكون لحملته المتشددة الحالية ضد الغجر الأثر الانتخابي ذاته عام 2012. ولكن تبيّن المؤشرات الأولية أن العكس هو ما سيحدث، حيث تستمر نسبة شعبيته في الانخفاض. بالإضافة إلى ذلك، يواجه رد فعل عنيفا من مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، والفاتيكان، وعدد كبير من المنظمات المدنية. بل وفاقم الكشف الأخير عن إجراء الحرس الفرنسي (الشرطة الوطنية) لجمع بيانات سرية عن الغجر (وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الفرنسي) من الضرر الذي لحق بسمعة ساركوزي الدولية، في وقت حاسم توشك فرنسا فيه على تولي رئاسة مجموعة الدول العشرين.

ولكن على الرغم من الانتقادات، يظل ساركوزي متحديا. لقد برّر سياسته بوصفها «إجراءات صارمة ضد الجريمة». ووفقا لأرقام حكومية أعلنت أخيرا، ازدادت أعداد الرومانيين (وأغلبهم من الغجر) الذين ألقي القبض عليهم في باريس العام الماضي بنسبة 138 في المائة.

وقد تصدرت أنباء الحملة الحالية ضد الغجر عناوين الصحف العالمية بعد الأحداث التي وقعت في 17 و18 يوليو (تموز) في بلدة سانت آينا، حيث قاد غجري يبلغ من العمر 22 عاما سيارته ليمر من خلال سور وضعه أحد أفراد الأمن وأصاب أحد أفراد الشرطة الوطنية الذي حاول الوقوف في طريقه. ثم حاول السائق الهرب، فأطلق عليه أحد رجال الشرطة النار. وانتقاما مما حدث، هاجم نحو 50 من الغجر ثكنات الشرطة في سانت آينا.

وإذا كان ساركوزي، كما يدعي، يحافظ على الأمن القومي، فلماذا كان رد فعل الاتحاد الأوروبي معارضا؟ تحمل رومانيا وبلغاريا عضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 2007، وعلى الرغم من أن مواطنيهما يحتاجون إلى التقدم بطلب للحصول على إذن بالعمل وإثبات قدرتهم المالية من أجل الإقامة في البلاد لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، فإنه في إمكانهم الدخول بحرية في سوق العمل الفرنسية. ونتيجة لذلك، يتهم الاتحاد الأوروبي فرنسا بالفشل في تحقيق أدنى قدر من الضمانات فوق القومية لحرية الانتقال، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى اتخاذ إجراءات مخالفة ضد الدولة.

وفي أكثر المناقشات المشتعلة بين الاتحاد الأوروبي والحكومة الفرنسية، دعا رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون إلى برنامج إعادة الغجر إلى أوطانهم على مستوى القارة، مدعيا أن «مخيمات الأحياء الفقيرة» و«الشحاذين الأطفال» من مظاهر العودة إلى «طاعون القرن التاسع عشر». ومن جانب آخر، شبهت مفوضة الاتحاد الأوروبي فيفيان ريدنغ إجراءات الترحيل الحالية في فرنسا بتاريخها المظلم عندما كانت ترسل الغجر إلى معسكرات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من أن الغجر أصبحوا مستهدفين كجماعة عرقية، فإن تشبيه ما يحدث بما كان من نظام فيشي في الحرب العالمية الثانية يفتقد إلى العمق: حيث يجب أن نتذكر أن فرنسا كانت خاضعة للاحتلال النازي في ذلك الوقت. ويمنح برنامج العودة الجديد 300 يورو للبالغين من الغجر و100 يورو للأطفال. ويتضمن أيضا أخذ بصمات أصابعهم لتجنب عودتهم إلى فرنسا في المستقبل. ولكن يقول المعارضون إن أغلبية هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من وصمة مزدوجة في فرنسا وفي بلادهم الأصلية سيعودون سرا بلا شك.

ولا تعد فرنسا الدولة الأوروبية الغربية الوحيدة التي تشعر بالقلق حيال وجود الغجر فيها. وتنتشر إجراءات ترحيل مشابهة في دول أخرى في المنطقة. منذ عامين فقط في إيطاليا، أعلن روبرتو ماروني، وزير الداخلية حاليا، أنه يجب تفكيك جميع مخيمات الغجر وأنه يجب طرد أو سجن جميع سكانها. وعندما دمّر عدد من السكان الذين كانوا يحملون متفجرات 60 مخيما للغجر، قال ماروني: «هذا ما يحدث عندما يسرق الغجر الأطفال، أو عندما يرتكبون جرائم عنف جنسي». وتنتشر ظاهرة النمطية والتمييز ضد الغجر في جميع أنحاء القارة.

إذن ما الذي يمكن فعله في المستقبل لتحسين أحوال السكان من الغجر الذين يعيشون في أوروبا حاليا ويبلغ تعدادهم من 10 إلى 12 مليون نسمة؟ توجد ضرورة ملحة لوضع استراتيجية أوروبية متماسكة طويلة المدى. أولا، يجب أن يتخذ الاتحاد الأوروبي إجراء قانونيا ضد فرنسا لتكون سابقة.

ثانيا، يجب أن يشرف الاتحاد الأوروبي على تمويل برامج للتأكد من أن بلغاريا ورومانيا تتخذان الإجراءات اللازمة لتحسين اندماج الغجر في بلادهم، مما يقلل من خروجهم منها. ثالثا، يجب أن يبذل الغجر أنفسهم جهدا حقيقيا للاندماج في المجتمع باتباع القوانين واللوائح في المجتمعات المضيفة، بدلا من الدخول في دائرة من العزلة، وسيساعد ذلك على تغيير المفاهيم المنتشرة عنهم. رابعا، من الضروري أن يعزز الناشطون في المجتمع الدولي وعيا أكبر بقضية الغجر. وأخيرا، يجب أن يتم اتخاذ إجراءات في فرنسا وجميع أنحاء غرب أوروبا، تحت رعاية الاتحاد الأوروبي، للمساعدة على إدماجهم في المجتمع.

ويمكن الاستفادة من النموذج الإسباني في هذا الشأن: يوجد في إسبانيا ثاني أكبر مجتمع من الغجر في أوروبا، حيث يبلغ تعدادهم نحو 970,000 نسمة. ويخصص مبلغ 36 مليون يورو سنويا من أجل إدماجهم في المجتمع. ونتيجة لذلك، يعيش 5 في المائة فقط منهم في مخيمات موقتة، ويمتلك نصفهم منازل خاصة، ويحصل 75 في المائة منهم على نوع من الدخل المنتظم. ويعرف 85 في المائة منهم القراءة والكتابة. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق برنامج تأهيل لتوفير التدريب الفني للعاطلين عن العمل وأيضا مساعدة العديد من الغجر على الحصول على ما يعادل شهادة التعليم الثانوي. وبعد إتمام البرنامج، يعين البعض في وظائف من خلال اتفاقيات مع الشركات الخاصة.

وعلى الرغم من أن الوضع في إسبانيا ليس مثاليا تماما، وأن التمييز موجود أمام جميع في جميع مناحي حياة الغجر، يتم بذل جهود حقيقية في جميع الاتجاهات، وتم اتخاذ خطوات كبيرة في الأعوام الأخيرة. يجب أن يكون الاندماج وليس الإبعاد هو طريق المستقبل. ولا يتجاوز خطاب ساركوزي الفارغ عن النظام والقانون واتخاذ كبش فداء من الغجر أكثر من كونه مجرد نموذج بائس للسياسة الحزبية. وعلى الرغم من أن مقامرته ربحت عام 2007، فإنه سيحتاج لأن يثبت أنه أكثر من مجرد «الناهي» إذا كان عليه أن يقنع الشعب الفرنسي بأنه الرجل المناسب للرئاسة عام 2012. وإلا سيكون قد حان الوقت لنقول وداعا ساركوزي، بدلا من وداعا للغجر.

 

* جايسون سيدياس – صحافي في الشؤون السياسية وكاتب مقالات لصحف ومجلات عالمية شهيرة. وهو مرشح حاليا للحصول على درجة الدكتوراه في دراسات الهجرة الأوروبية في كلية كينج بجامعة لندن، حيث تركز أبحاثه على سياسات إبعاد المهاجرين بعد الحرب العالمية الثانية وفقا للعرق والدين في كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا.

font change