الحرب العراقية الإيرانية: أسئلة أكثر وإجابات أقل

الحرب العراقية الإيرانية: أسئلة أكثر وإجابات أقل

[escenic_image id="55198985"]

منذ ثلاثين عاما، اقتحمت القوات العراقية الحدود بين إيران والعراق شرق البصرة، مما أدى إلى اندلاع حرب استمرت لمدة ثمانية أعوام، أفضل ما توصف به هو «معركة بلا قواعد». وبعد مبادرته بالغزو، هبطت القوة الدافعة لدى العراق. وبعد أن تلقوا الضربة على حين غرة، سارع الإيرانيون بالثأر، وفي صيف عام 1982، دفعوا العراقيين للعودة إلى حدودهم. وعلى مدار الأعوام الأربعة التالية، وصلت الحرب إلى طريق مسدود، حيث أطلقت إيران هجمات سنوية في الربيع تهدف إلى الاستحواذ على الطريق السريع بين البصرة وبغداد ذي الأهمية الاستراتيجية ولكن دون فائدة. وقد انتهى هذا الجمود فقط بعد غزو إيران الناجح لشبه جزيرة الفاو عام 1986، ولكن حتى في ذلك الوقت، عادت الحرب مرة أخرى سريعا إلى حالة من الجمود.

وبعد أن كان في موقف الدفاع طوال سبعة أعوام، صدم العراق إيران عندما أطلق سلسلة من الهجمات التي تم إعدادها جيدا ضد مواقع إيرانية بطول الجبهة، مما دمر بفاعلية قدرة إيران على الاستمرار في خوض الحرب. وعلى الرغم من الهزيمة العسكرية التي منيت بها إيران، فإن ما عجل بنهاية الحرب هو إسقاط طائرة الخطوط الجوية الإيرانية رقم 655 بواسطة سفينة تابعة للبحرية الأميركية في 3 يوليو (تموز) 1988، مما أسفر عن مصرع 290 مدنيا. بعد هزيمته العسكرية وصدمته جراء الاعتداء الأميركي، تجرع آية الله الخميني في 18 يوليو (تموز) مرارة الهزيمة وتخلى عن مطالب إيران الأكثر إثارة للنزاع، وقبل بقرار وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة، وشرع في مساعي السلام، على الرغم من أن وقف إطلاق النار لم يكن سينفذ قبل 20 أغسطس (آب) 1988.

وفي غضون 30 عاما بعد اندلاع الحرب، مر استيعاب المؤرخين وواضعي السياسات لهذه الحرب بتغيرات مرحلية. ويتعلق ذلك إلى حد ما برغبة المسؤولين العراقيين والإيرانيين السابقين في الحديث عن الحرب. إلى جانب ذلك يتعلق الأمر أيضا بالإفراج عن وثائق سرية. واليوم، بفضل الكشف عن وثائق تم الحصول عليها أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003، نشهد تحولا آخر في منظورنا لهذه الحرب.

في 23 - 24 سبتمبر (أيلول) الماضي، اجتمع صانعو سياسات ومسؤولو استخبارات ودارسون للحرب الإيرانية - العراقية في كلية الاقتصاد بجامعة لندن للمناقشة والبحث وإعادة تقييم الحالة الحالية لمعرفة هذه الحرب الوحشية التي أسفرت عن مصرع ما يزيد على 300,000 شخص وشوهت الآلاف. وعلى مدار مؤتمر استمر لمدة يومين، غطت العروض السلوك العسكري أثناء الحرب، والتأثير الاقتصادي للحرب، وتأثير الحرب على دول الجوار الإقليمية مثل تركيا وإسرائيل ودول الخليج والاتحاد السوفياتي، وموضوعات أخرى مثيرة للاهتمام. وبالتالي، ظهر قدر كبير من المعلومات الجديدة.

لقد أمضى كيفين وودز وويليامسون موراي، الباحثان التابعان لمركز أبحاث سجلات الصراع في جامعة الدفاع الوطني في فورت ماكناير، أعواما في ترجمة وتحليل آلاف من الوثائق العراقية التي صادرتها الولايات المتحدة. وتسمح محاولات وودز وموراي لنا الآن بمعرفة قدر كبير من المعلومات عن الآليات الداخلية التي كان يستخدمها صدام حسين وعن أسلوبه في أثناء الحرب.

ومن المهم، كما كشفا، أن صدام تطورت لديه «عقدة نيكسون»، حيث سجل تقريبا كل المناقشات السياسية المهمة وكان لديه نص مكتوب للمحادثات المهمة للاطلاع الشخصي. وتُظهر هذه النصوص والوثائق أن اللواءات العراقيين تلقوا أوامر بغزو إيران قبل أيام من وقوع الغزو الفعلي. وكان اللواءات، الذين فوجئوا بالأمر كلية، يملكون موارد محدودة وكانوا يستطيعون دخول الحرب إلى المدى الذي تسمح لهم به قدراتهم اللوجستية. وقد تسبب ذلك في حدوث مشكلات في بغداد، لأن النظام أراد أن تتقدم قواته، ولكنها لم تكن تستطيع الحصول على الإمدادات اللازمة على الجبهة للاستمرار في العدوان. ويفند ذلك كلية التفسيرات السابقة حول بداية الحرب بأن صدام كان ينوي أن يخوض حربا محدودة من أجل استعادة نهر شط العرب وإقامة منطقة عازلة لضمان سيادة العراق على الممر المائي.

بالإضافة إلى ذلك، كشف وودز وموراي أنه طوال المراحل الأخيرة من الحرب، كان النظام العراقي يخشى من قدرة إيران في استخدام السلاح الكيماوي. كما تؤكد الوثائق استخدام العراق لأسلحة كيماوية في الحرب، ولكن لا يوجد دليل قاطع على أن إيران استخدمت مثل تلك الأسلحة. وقد حاول دارسون بارعون مثل جوست هيلترمان العثور على إجابة على هذه المسألة، ولكن لا يزال هناك شك مستمر في أن إيران قد تكون استخدمت سلاحا كيماويا في الحرب أيضا.

وفي ضوء هذا النقاش الذي يعيد استعراض الأحداث، من الملحوظ أن صدام حسين ذاته كان يعتقد أن إيران لديها مثل هذه القدرة. وفي الواقع، مع اقتراب نهاية الحرب، كان صدام متأكدا من آرائه لدرجة أنه أمر لواءاته بتنظيم تدريبات حية تتعرض فيها القوات العراقية لقصف كيماوي، بهدف زيادة الثقة بين قواته، حتى يكونوا على استعداد مناسب في حالة وقوع هجوم إيراني بالأسلحة الكيماوية.

و كشف مؤتمر كلية الاقتصاد بجامعة لندن معلومات جديدة عن السياسات الأميركية والفرنسية تجاه الحرب. فيما يتعلق بالسياسة الأميركية، ركزت المناقشة إلى حد كبير على «الضوء الأخضر» الذي يزعم زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر، أنه مُنح لصدام، ولكن رفض دبلوماسيون أميركيون رفيعو المستوى ومحلل سابق في الـ«سي آي إيه» هذا الزعم واصفين إياه بالمزحة.

وكما قال أحد المحللين الاستخباراتيين: «لماذا يهتم صدام إذا كانت الولايات المتحدة تريد من بلاده القيام بالغزو؟ لم تكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها صدام». بالإضافة إلى ذلك، شكك مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى، من بينهم السفير ريتشار ميرفي مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأدنى من عام 1983 إلى عام 1989، في منطق هذا الادعاء. وفي الواقع، أشار كيفين وودز إلى أنه لم يجد أي شيء في الوثائق العراقية يشير إلى وجود «ضوء أخضر» أميركي.

وأبرز المؤتمر أيضا دور فرنسا المهم في الحرب؛ حيث أمدت العراق بمليارات الدولارات في صورة أسلحة متقدمة، من بينها ما يزيد على 80 طائرة ميراج، وصواريخ إكسوسيت المذهلة. ولم يكن الدافع وراء ميل فرنسا العلني نحو العراق المصالح التجارية الكبرى في البلاد فحسب، بل وأيضا الهجمات الإيرانية المستمرة ضد المصالح الفرنسية في الشرق الأوسط، من بينها خطف مواطنين فرنسيين وتفجير ثكنات عسكرية فرنسية في بيروت وسفارة فرنسا في الكويت. وفي حين توالت الهجمات ضد فرنسا برعاية من إيران، ثأرت فرنسا من خلال زيادة دعمها للعراق بصورة كبيرة.

الحقيقة هي أننا بعد ثلاثين عاما، ما زلنا نتعلم الكثير عن الحرب بين إيران والعراق، وما زالت هناك الكثير من الأسئلة بلا إجابات. ومن المؤكد أن وثائق صدام حسين ستستمر في الكشف عن المزيد من النظرة العراقية على الحرب. ويؤكد الإفراج عن تلك الوثائق أنه ما زال لدينا الكثير لنتعلمه، لا سيما عن الجانب الإيراني من الحرب. وعلى أية حال، يغير الكشف عن قرار صدام المفاجئ بغزو إيران كلية من تصوراتنا السابقة حول كيفية بداية الحرب. ومن المؤسف أن معرفتنا بالتصور الإيراني للحرب محدود للغاية ومن غير المرجح أن تظهر لنا وثائق مماثلة من إيران في أي وقت قريب.

 

* براين آر غيبسون - مرشح للحصول على درجة الدكتوراه في كلية الاقتصاد بجامعة لندن، ومؤلف كتاب: «علاقات سرية: السياسة الخارجية الأميركية، الاستخبارات والحرب بين إيران والعراق، 1980 - 1988» (برايغير - 2010).

font change