شباب إيرانيون يواجهون واقعهم السيئ بعالم يوتيوب الافتراضي

شباب إيرانيون يواجهون واقعهم السيئ بعالم يوتيوب الافتراضي

[escenic_image id="55182833"]

بعد يوم واحد من الذكرى السنوية الأولى لانتخابات 12 يونيو المتنازع عليها، ظهرت سلسلة من مقاطع الفيديو على اليوتيوب تصور مجموعة من الشباب وعددا من رجال الدين الذين يطالبون بالتخلص من الفاسدين و«الموت» لأعداء ولاية الفقيه. وقد تجمع ذلك الحشد خارج منزل ومكتب آية الله العظمى يوسف صانعي، ضاربين بابه. وسرعان ما ظهرت صور الحشود وهي تخرب الممتلكات العامة على الموقع الإلكتروني لآية الله. وكانت جدران منزله بمدينة «قم» ملطخة بكتابات مثل: «الموت لصانعي». وتم رصد أفعال تخريبية مماثلة في مكاتب آية الله منتظري الذي يعتبر القائد الروحي للحركة الخضراء.

ما الذي أدى لتلك الهجمات على منزل صانعي وسلطته؟ أليس صانعي باعتباره مرجع التقليد (آية الله العظمى المخول باتخاذ القرارات القانونية وفقا للشريعة الإسلامية) مصدرا لإلهام الشيعة الأتقياء؟

كان مهدي كروبي، زعيم المعارضة والمرشح الرئاسي في انتخابات 2009 قد خطط لزيارة آية الله في ذلك اليوم. ومن جانبه، كان صانعي صريحا في معارضته للنظام الحالي وسلوكه تجاه الحركة الخضراء. وقد أخذت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» الفارسية مقاطع الفيديو وطلبت من حجة الإسلام محسن كاديفار، أحد المعارضين البارزين والعضو الزائر بجامعة «ديوك» أن يعلق على الهجمات؛ حيث كانت الشبكة ترغب في رصد تأثير مقاطع الفيديو تلك على المناخ السياسي في البلاد خاصة الانقسام الشهير بين آيات الله والسياسيين الذين يصطفون إلى جانب آية الله الخميني وآيات الله المحافظين المرتبطين حاليا بالقائد الأعلى آية الله خامنئي والرئيس أحمدي نجاد.

وقد أدان كاديفار على الفور سلوك الشباب ونشاطهم واعتبره سلوكا إجراميا، وأكد أنه لا يمثل كافة رجال الدين في مدينة «قم». وقد ادعى الفقيه المرموق أن هؤلاء الشباب مؤيدون لمدرسة حقاني في «قم» التي يتزعمها المفكر المحافظ آية الله مصباح اليزدي الذي قيل إنه المستشار الروحي لأحمدي نجاد.

وفي الوقت نفسه، زعم كثير من العلماء أن هؤلاء الشباب يمثلون جماعة صغيرة من الطلاب الدينيين وأتباعهم الذين كانت لديهم صلة بالهجمات على إحدى دور العبادة الصوفية في مدينة قم في 2007.

وذكر كاديفار وغيره من ذوي الخبرة في ما يتعلق بعلماء «قم» أن تلك الشعارات التي عرضت في مقاطع الفيديو مثيرة للفتن وأنها غير مسبوقة حتى في إيران الملكية. وأضافوا أن موقع وسلطة رجال الدين الشيعة لم يتعرضا من قبل لذلك القدر من عدم التوقير. ويعد قدر كبير مما يحدث داخل المؤسسة الدينية في «قم» ذا أهمية خاصة، حيث إنه يشير إلى تغير موازين القوى في العلاقة بين العلماء (السلطات الدينية) والسياسة اليومية في الجمهورية الإسلامية.

وكان لمقاطع الفيديو التي ظهرت أهمية خاصة لأنه لم يتم تصوير سوى عدد محدود من الأفلام أو الصور الفوتوغرافية داخل «قم»؛ حيث يخضع التصوير لقيود حادة في المدينة ما لم يكن النظام قد صرح به من خلال الكاميرات التابعة لتلفزيونات الدولة. كما تبدو الأحداث الأخيرة المصورة في تلك الأفلام مشابهة لصحافة الحركة الخضراء من حيث المحتوى والأسلوب. ففي أحد تلك الأفلام، يظهر مجموعة من الأفراد وهم يهتفون بشعارات ويضربون على الباب ويتدافعون، فيما كانت الكاميرا تصور آخرين وهم يصورون نفس المشاهد بكاميرات هواتفهم الخلوية.

ويظهر بالفيلم الثاني عدد محدود من الطلاب الذين يستمعون إلى متحدث شاب يمتدح المرشد الأعلى فيما كان الجمهور يردد الهتاف الشهير «الله أكبر». وكان الشاب يطالب مواطني «قم» بالتخلص من منازل الفساد في إشارة جريئة إلى منازل آيات الله في المدينة. بالإضافة إلى أن تلك المشاهد تم تصويرها بنفس الأسلوب المبتور والعصبي لفيلم الحركة الخضراء الذي كان يصور الانتخابات الإيرانية في 2009 والذي تم بثه على اليوتيوب أيضا.

وكما أوضح كاديفار في لقائه مع «بي بي سي»، فإن رجال الدين الشباب هؤلاء ليست لهم أهمية في «قم». فهم ليست لديهم أي سلطة أو قدرة على تغيير مواقف الناس تجاه القيادات من رجال الدين أو هؤلاء المتحالفين مع حركات المعارضة. وتكمن أهمية الهجمات والأفلام التي تعرضها في عرض حالة عداء واضحة ومضايقات لم تحدث حتى خلال النظام البهلوي كما يقول كاديفار.

إذن ما الذي يعنيه ذلك السلوك المتسم بعدم التوقير؟ على أحد المستويات يمكن النظر إليه باعتباره تحذيرا لرجال الدين وأتباعهم الذين ربما يتبنون مواقف مشابهة للمعارضة. كما يمكن تفسيره باعتباره استجابة مباشرة لعدم الاحترام الصريح من قبل الحركة الخضراء للمرشد الأعلى والتشكيك في شرعيته وسلطته بل وحتى مفهوم ولاية الفقيه. ويقول كاديفار إن قطاع الطرق الشباب كانوا متأثرين بزيارة المرشد الأعلى إلى مدينة قم قبل يوم من الهجمات. وكما أوضح كاديفار وغيره فإن تلك الأفعال العنيفة من المستحيل أن تكون قد حدثت إلا بأوامر من مكتب المرشد الأعلى وبموافقة قوات الحرس الثوري. حيث يعتمد ذلك المنطق على حقيقة عنف النظام ضد هؤلاء المتعاطفين مع الحركة الخضراء.

لقد أعلن كل من أحمدي نجاد وخامنئي أن نتائج الانتخابات تمثل إرادة الشعب. وبالتالي فإن النظام يقر ليس فقط بقوة الشعب ولكن بالقوة الكامنة في مقاطع الفيديو القصيرة والعنيفة أيضا. وعلى الرغم من أن الهجمات الأخيرة تم اعتبارها مدعومة بل وربما تكون قد حظيت بتشجيع الحكومة الإسلامية فإنها لم تحدث بتوجيه صريح أيضا. ويدعي كثيرون أن ذلك كان يستهدف ببساطة الحفاظ على معتقدات الجمهورية الإسلامية. وبالطبع هناك قيمة ما في اعتبار تلك الهجمات أفعالا عفوية ضد حركة المعارضة، فنظرا لأن تلك اللقطات المختصرة لا تقول سوى القليل، فإن استجابة الجمهور يمكن أن تماثل استجابته للحركة الخضراء.

ويكمن خلف تلك الأفلام نظام من مشتقات السلطة؛ وهو نوع من التبادل الذي يعتمد على الوعي المباشر بعالمية الجمهور. وفي ذلك السياق، ربما تتمحور سوق مشتقات السلطة حول الفهم الواضح لمدى القوة العاطفية لتلك الأفلام إذا ما تم إعدادها بطريقة تخاطب الناس. ومع ذلك، فربما لا يسفر ذلك التوجه عن نتائج فورية وربما يمثل خطورة دون تحقيق مكاسب.

ولكن تلك الأفلام كانت تستهدف بث الآلاف من الرسائل المتناقضة: عدم التوقير غير المسبوق لمصدر الوحي والإلهام والمصور بأسلوب يحاكي فيلم الحركة الخضراء في الصيف الماضي. ومبدئيا، أظهرت تلك الأفلام ببساطة الطرق التي يمكن أن تمثل عبرها «الأفلام الخام» مرادفا لقوة الشعب، تقنية سينمائية حديثة في القرن الحادي والعشرين يمكن أن يحاكيها الناس للدفاع عن الدولة الإيرانية.

 

* نرجس إرامي - الأستاذ المساعد في علم الإنسان بجامعة ييل. والتي كانت أبحاثها تدور حول العلاقة بين الدين والاقتصاد في مدينة قم المقدسة.

font change