سباق إيراني - إسرائيلي لإقناع الشرق الأوسط بالتسلح النووي

سباق إيراني - إسرائيلي لإقناع الشرق الأوسط بالتسلح النووي

[escenic_image id="55169064"]

من المؤسف أن المنطق السليم لا يقود المساعي الدبلوماسية. وإذا حدث، ربما تدرك واشنطن أن سياستها النووية التي تعاني من الفصام في الشرق الأوسط تمثل خطرا على انتشار السلاح النووي بصورة أكبر من إيران. وفي هذا الإطار، من الممكن أن تصل إلى أن أفضل طريق لتأمين المنطقة لجميع الدول هو اللعب وفقا للقواعد ذاتها.

نظرا لأسباب تتعلق بتغير المناخ وإمدادات الطاقة، يجب أن تملك جميع الدول النامية إمكانية الوصول إلى أحدث تكنولوجيا الطاقة النووية. والأهم من ذلك، تزيد محاولات تأخير ما هو حتمي من مخاطر حدوث سباق تسلح، حيث تحاول الدول تحقيق توازن في قدراتها النووية الاستراتيجية.

وبصراحة، لا يمكن منع كثير من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تطوير طاقة نووية في خلال العقود المقبلة، ليس بسبب حاجة تلك الدول إلى الشعور بالفخر القومي، أو المنافسة مع طهران، ولكن بسبب الحاجة الاقتصادية المحضة. ولا يعد هذا تهديدا، بل فرصة.

في البداية، من التبسيط أن نقول إن الدول الغنية بالنفط والغاز لا تحتاج إلى الطاقة النووية. في الواقع، كان يجب أن تطور دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الطاقة النووية منذ أعوام، لتفادي انقطاع التيار الكهربائي الذي تعاني منه حتى الكويت الثرية بالنفط ومصر الثرية بالغاز. وتعاني بالفعل كل دولة في المنطقة، من عجز في توليد الطاقة، أو توشك على ذلك، كما أنه من الأوفر كثيرا أن تبيع الغاز والنفط بدلا من إحراقهما.

إن ما يتطلب تفكيرا سليما وهو مكمن الخطورة الحقيقية في السياسة الأميركية هو أنها تريد بفعالية أن توقف جميع البرامج النووية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأن تتخلى الدول عن تخصيب اليورانيوم، في حين تسمح وتحمي بالفعل ترسانة الأسلحة النووية الوحيدة التي تملكها إسرائيل في المنطقة.

إن حرمان الدول من الحصول على تكنولوجيا الطاقة النووية لن يردعها عن تصنيع قنابل لو أرادت. وفي الحقيقة، لم تكن الولايات المتحدة تملك مفاعلا نوويا لمدة عقود، بعد أن أسقطت قنبلتين نوويتين على اليابان. وقد طورت باكستان قنبلة للحاق بالهند باستخدام مفاعل بحثي صغير موّله الغرب، كما فعلت إسرائيل.

ولا ترتبط خطورة الانتشار النووي بتكنولوجيا الطاقة النووية، كما تثبت معظم الدول الأوروبية، ولكنها تنبع من التخلص من الحاجة إلى الحصول على أسلحة نووية كوسيلة ردع عسكري. إنه تصور مضلل تسببت فيه القوى المسلحة نوويا وليست تلك التي تملك طاقة نووية.

لنضرب مثلا بما حدث في الشهر الماضي: نجحت الولايات المتحدة في منع صدور قرار ترعاه الدول العربية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يحث إسرائيل رمزيا على الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، التي وقعت عليها جميع الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما فيها إيران، وفتح برنامجها النووي أمام المفتشين الدوليين ذاتهم الذين تريد الولايات المتحدة أن يراقبوا جميع الدول الأخرى. بذلك التصرف، قدمت الولايات المتحدة ببساطة خدمة ضد الهدف النهائي بإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد أوضح السيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية أثناء المؤتمر قائلا: «لا يمكن تصور أن تملك دولة واحدة (في المنطقة) أسلحة نووية. لماذا يجب أن تكون إسرائيل تلك الدولة الوحيدة؟ يجب أن يكون الشرق الأوسط خاليا من جميع أسلحة الدمار الشامل. وإذا احتفظت إسرائيل (بأسلحتها)، فإن الشرق الأوسط سيتجه نحو سباق تسلح».

لهذا السبب يقدم طموح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الحصول على طاقة نووية نافذة فريدة لإبعاد الأسلحة النووية، على الرغم من أنه من المعقول أن نخشى عدم جدوى ذلك. وتستطيع إدارة أوباما فعل المزيد نحو نزع السلاح النووي في العالم بتوقيعها على اتفاقية مع روسيا تسمح لكلتا الدولتين بالاحتفاظ بمئات الرؤوس النووية كسلاح ردع، وهي رسالة مناقضة تماما للرسالة الموجهة إلى إيران.

لقد وقعت الكويت والأردن والسعودية ومصر والمغرب وتونس والإمارات وقطر والسودان والبحرين والجزائر وليبيا وتركيا جميعا على اتفاقيات تعاون نووي مع قوى أخرى مثل روسيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة. فماذا لو مُنحت جميع الدول النامية فرصة وصول غير مشروطة إلى تكنولوجيا الطاقة النووية في مقابل القبول بمعاهدة حظر انتشار نووي جديدة معززة؟ من الممكن أن يبدأ ذلك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتخلي إسرائيل وإيران عن برامجهما النووية العسكرية. وقد تنتج عن ذلك مباحثات سلام شاملة، ولكن من الناحية البراغماتية، لا يعد السلام شرطا مسبقا. وقد تكون النتيجة النهائية أن تصبح الدول قادرة تكنولوجيا على تطوير أسلحة نووية، وهو أمر حتمي على أية حال، ولكنها لن تجد حكمة عسكرية لتفعل ذلك.

ولأكون أكثر واقعية، لن تتخلى إسرائيل عن أسلحتها النووية إلا إذا تم ضمان وجودها. ويعني ذلك أن إيران يجب أن تتوقف عن تهديدها. ولا يتعلق هذا بالصراع العربي - الإسرائيلي الممتد منذ عقود. وعلى الرغم مما يشعر به كثيرون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لقد تطورت إسرائيل اقتصاديا وسياسيا وعسكريا بما يكفي لضمان وجودها. وأصبحت الأسلحة النووية هي أفضل حجة عسكرية تملكها.

قدم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مؤخرا اقتراحا لشرق أوسط خال من الأسلحة النووية؛ ومن الممكن أن ينفذه بتقديم صورة واضحة عن برنامج بلاده النووي. قد تقبل الدول الغربية أن تتمكن إيران وجميع الدول الأخرى من تخصيب اليورانيوم في مقابل مكاشفة تامة وثقة كاملة، طالما كانت إسرائيل خاضعة للقواعد ذاتها، وبذلك لن يحتاج أحد إلى أسلحة تستطيع أن تدمر آخرين دفعة واحدة.

أفضل مثال يوضح كيف تضر الولايات المتحدة بمصالحها يتمثل في الأردن، الذي طالما كان من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. يعاني الأردن من نقص في الهيدروكربون ويحتاج إلى استيراد جميع الطاقة التي يستهلكها تقريبا، وقد عثر مؤخرا على كمية وافرة من اليورانيوم لإمداد مجموعة من المفاعلات التي سوف يبنيها. ولكن تضغط الولايات المتحدة على عمان للتخلي عن تخصيب اليورانيوم والموافقة على استيراده بدلا من ذلك. ويشبه ذلك أن تطلب من الدول المنتجة للنفط التخلي عن التكرير ذي القيمة المضافة وتصدير نفطها لتعيد استيراده في صورة أخرى مع تكبد خسارة فادحة.

يجب أن تعزز الولايات المتحدة فعليا الطاقة النووية في المنطقة، في حين تقنع إسرائيل بالتخلي عن برنامجها. فإذا لم تكن إسرائيل تملك سلاحا نوويا، فلن تحتاج إيران إليه، ولا أية دولة أخرى. وإذا حصلت عليه إسرائيل وإيران، فستتبعهما في ذلك دول أخرى، بمساعدة من الغرب أو من دونه، كما يثبت لنا التاريخ.

وفي ذلك الحين، قد تستطيع الولايات المتحدة أن تقنع الهند وباكستان بتسليم برامجهما وأسلحتهما النووية العسكرية تلقائيا. وقد تتبعهما كوريا الشمالية، وفي النهاية يمكن أن يقنع العالم الأعضاء الخمس في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذين يصرون على تهديد الوجود البشري، بالتخلي جميعا عن السلاح النووي. ومن الممكن ببساطة ألا تستخدم أية دولة السلاح النووي كوسيلة ردع.

ولكن بالطبع يدرك المرء أن هذا لن يحدث قبل عقود. ويكمن الخطر في أنه إذا احتفظت إسرائيل بأسلحتها، ستحصل دول أخرى في المنطقة على أسلحة بطريقة أو بأخرى، في وقت ما، وستكون إيران بلا شك هي الأولى في ذلك. وبعد ذلك، سيتبعها كثير من الدول الأخرى في العالم، لأنها ستكون الوسيلة الوحيدة لتحقيق التوازن في الميدان. أما بخلاف ذلك، فعلى من نضحك؟ إنها مجرد مسألة وقت. وهذا هو التفكير السليم.

 

* أندريه كالا - صحافي حر مقيم في مدريد. وهو يساهم بمقالاته في كثير من الإصدارات، من بينها «التايم»، و«نيويورك تايمز»، و«كريستيان ساينس مونيتور».

font change