نعم إنه أبو اليورو، العملة الأوروبية. فقد اقترح الدكتور تيودور فايغل اسم العملة عام 1995، عندما كان وزير مالية ألمانيا (1989 - 1998)، بل وأيضا لعب دورا محوريا في تقديمه.
وفي لقائه مع «المجلة»، أكد وزير المالية الألماني الأسبق الذي يشتهر بـ«أبو اليورو»، ثقته المستمرة في العملة الأوروبية، على الرغم من الضرر الذي لحق بها جراء الأزمة الاقتصادية العالمية. يمكن أن يستخدم اليورو، الذي وُجد لحل مشكلة العملات العالمية، كنموذج يقوم عليه نظام مالي عالمي ذو قيود رقابية أكثر صرامة، وهو ما يعتبره فايغل خطوة ملحة لمنع وقوع أزمة اقتصادية عالمية أخرى. ويتوقع فايغل أن يستغرق التعافي الاقتصادي الكامل من 10 إلى 15 عاما، محذرا بوجوب الاستعداد من الآن.
بدأ فايغل، الذي درس القانون والعلوم السياسية، حياته العملية محاميا. ثم انتقل إلى العمل في وزارة الاقتصاد في حكومة ولاية بافاريا، حيث أصبح عضوا في البرلمان الألماني عام 1972، وقد احتفظ بمقعده فيه حتى عام 2002.
وتمتد حياته العملية في مجال الاقتصاد على مدار أكثر من 40 عاما، حيث شغل فايغل عددا من المناصب المهمة الأخرى، منها: المتحدث باسم الاتحاد الاشتراكي المسيحي في بافاريا للشؤون الاقتصادية، وعضو لجنة الشؤون الخارجية. وبعد وفاة فرانز جوزيف شتراوس، انتخب بأغلبية كبيرة رئيسا للاتحاد الاشتراكي المسيحي في بافاريا.
والتقت «المجلة» مع الدكتور فايغل في القاهرة أثناء ترؤسه وفدا من لجنة الأوراق المالية والصرف في وزارة العدل الأميركية لمراجعة حسابات شركة «سيمنز».
«المجلة»: ما الغرض من زيارتكم لمصر؟
- لست هنا بصفتي وزير المالية الأسبق، بل كمدقق حسابات مستقل لشركة «سيمنز»، استعانت بي لجنة الأوراق المالية والصرف في وزارة العدل الأميركية. وتم تعييني مراقبا بناء على طلب من السلطات الأميركية والألمانية. وأنا أول مسؤول غير أميركي يتولى هذا المنصب، وحتى الآن المراقب الوحيد غير الأميركي. والهدف من عملي هو ضمان جودة الرقابة الداخلية في «سيمنز» وخلو الشركة من الفساد. وأترأس حاليا وفدا مكونا من عدد من المحامين، وهذا هو العام الثاني لأعمال المراجعة التي تجري في دول مختلفة. وقد زرت النمسا وروسيا والبرازيل والصين والسعودية والولايات المتحدة، وحاليا أزور مصر. وأجرينا 500 لقاء وفحصنا 10.000 وثيقة.
«المجلة»: ما رأيك في الإصلاحات التي قامت بها شركة «سيمنز» عامة وفي مصر على وجه التحديد؟
- لقد اتخذت شركة «سيمنز» قرارات هيكلية مهمة للغاية. وقد حدث ذلك في ظل قيادة جديدة برئاسة بيتر لوشر المدير التنفيذي للشركة، وهو قائد ناجح يتمتع بخبرة دولية. وأعتقد أن سبب النجاح والميزة الكبيرة التي تتسم بها «سيمنز» قدرتها على الجمع بين خبرتها الدولية والروح المحلية للمكان.. كما أن عدد ممثلي «سيمنز» يفوق عدد الأعضاء في الأمم المتحدة. وبصفتي سياسيا ألمانيا، لم أشهد مثل هذا العدد الكبير من الممثلين في أية دولة أخرى، وأشعر بالإعجاب حيال العمل الذي يقوم به هؤلاء الممثلون في مصر.
وبصفتي محللا مستقلا، أرى أن هناك حاجة إلى عمل جماعي يروج إلى المنافسة العادلة (ليس فقط بالنسبة لأسعار السلع)، حيث إن مثل هذا العمل الجماعي يمكنه أن يصل إلى أعلى مستويات جودة المنتج والسعر والخدمات، مما يعترض طريق الفساد في جميع أنحاء العالم.
«المجلة»: بصفتك وزير مالية سابقا في ألمانيا.. في رأيك، كيف أثرت الأزمة العالمية على الدول النامية؟
- نعرف جميعا أن الأزمة المالية العالمية بدأت في الولايات المتحدة. فقد كانوا هناك يمنحون قروضا دون أدنى انتباه لأهمية التأكد من إمكانية المقترضين على السداد. ولم ترتفع القيمة كما توقعوا، وبذلك وقعت الأزمة.
وكانت الولايات المتحدة وأوروبا أكثر من تضرر جراء الأزمة المالية. ولحسن الحظ، لم تتضرر الدول النامية كثيرا، حيث إنها لا تملك مثل تلك العناصر في حقائب أوراقها. وبذلك، كانت سعيدة الحظ في الخروج من الأزمة بسرعة أكبر من غيرها. ولم يكن الأمر في صالحها فقط، بل وأيضا في صالح الاقتصاد العالمي.. وأعتقد أن حل المشكلة الذي تم تنفيذه على نطاق عالمي كان ناجحا. وعلى النقيض من الأزمة المالية التي حلت عام 1929، تعاون الجميع في مواجهة الأزمة. وعملوا على توفير التدفق النقدي اللازم من خلال تنفيذ إصلاحات اقتصادية وبرامج مالية محفزة، تبلغ قيمتها 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في ألمانيا، على سبيل المثال.
وتستغرق العودة إلى الوضع قبل الأزمة ما بين 10 إلى 15 عاما. وقد كشفت الأزمة التي أصابت بشدة كلا من أوروبا وأميركا واليابان عن الحاجة إلى تطوير استراتيجية موثوق بها لتغطية العجز الهائل في الموازنة. وعندما ننجح في ذلك، سيتم حل المشكلة نهائيا، وإلا فستستمر المشكلات في الظهور بين حين وآخر.
«المجلة»: وهل ترى مخرجا من الأزمة؟
- توجد حاجة مطلقة إلى وضع نظام مالي عالمي تنظمه رقابة صارمة. وذلك ليس فقط لمراجعة حسابات الأسواق التي تتضح فيها عناصر الرقابة، ولكن أيضا لتحديد الأسواق التي لا تخضع للرقابة لمعرفتها ومعرفة استراتيجيتها. وبفضل العولمة، أصبح العالم قرية صغيرة، ولكن ليس لديه نظام عالمي. وهذا مهم للغاية ويجب أن تكون له الأولوية في الأعوام المقبلة.
«المجلة»: كيف تحلل الأزمة المالية في اليونان وتأثيرها على دول الاتحاد الأوروبي وأسواق الصرف؟
- اليونان في حد ذاتها لا تمثل مشكلة، حيث إن حصتها في إجمالي الناتج المحلي الكلي في الاتحاد الأوروبي تبلغ 2.6 في المائة، ولكنها تسببت في مشكلة باستمرار إنفاقها بما يزيد على دخلها. ومن المؤسف أن اليونان لم تقدم أرقاما دقيقة عندما انضمت إلى الاتحاد النقدي الأوروبي. ولم تكن قد بلغت مرحلة النضج الكافي لتنضم إلى الاتحاد النقدي من أجل استخدام اليورو. بالإضافة إلى ذلك، يوجد اتفاق مرتبط بمعاهدة ماسترخت (1992)، كان الغرض منه ردع الدول عن انتهاك المعايير الموضوعة للاتحاد من خلال التحذيرات والغرامات.
وقد استفادت اليونان، مثل دول أخرى، كثيرا من إدخال عملة اليورو، وكان ينبغي أن تستخدمها من أجل تخفيض ديونها. وحاليا، تنخفض لديها معدلات الفائدة، ولكن مع ديون أكبر من ذي قبل. يجب أن تطبق اليونان برامج الإصلاح من أجل الخروج من هذه الأزمة. وتقوم أوروبا بتقديم المساعدة ومنح الضمانات، ولكن يجب أن تحل اليونان مشكلاتها الخاصة، وأولا وقبل أي شيء الديون الهائلة.
ويثير ذلك سؤالا متعلقا بالأزمة المالية العالمية. كيف يمكن لدولة أن تتعامل مع مثل هذه الزيادة الكبيرة في الديون، التي تسببت فيها الأزمة؟ لن تتعافى الدول التي تعاني من أكبر قدر من الضرر في عام أو اثنين، ولكن يتطلب الأمر فترة تتراوح بين 10 و15 عاما. وبصراحة، لن تتسبب اليونان في مشكلات لليورو، ولكن إذا حلت دول أخرى في منطقة اليورو مشكلاتها، مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، سيؤدي هذا إلى حالة من الهدوء في الأسواق المالية.
وتتطلب معايير الاتحاد النقدي الأوروبي أن لا يتجاوز العجز في ميزانية أية دولة 3 في المائة وألا يتجاوز الدين 60 في المائة، ولكن حاليا لم تعد هناك أية دولة تقريبا تلتزم بهذا المعيار. لذلك، تحتاج الدول إلى العمل على تحقيق تلك المعايير مرة أخرى. وسيستغرق هذا أيضا بعض الوقت؛ وربما تمر 10 أعوام قبل أن نتمكن من إقامة علاقات مالية متوازنة.
«المجلة»: في رأيك، ما هي الدول الأكثر تأثيرا في مواجهة الأزمة المالية؟ وهل نحن مستعدون لمواجهة أزمة أخرى؟
- تعاملت الدول النامية بصورة أفضل مع الأزمة المالية لعدة أسباب. على سبيل المثال، تتوقع مصر أن يصل معدل النمو إلى ما بين 7 و8 في المائة. ولا يمكن أن يحلم الأوروبيون بنسبة أكبر من هذه، على الرغم من أننا نعلم بالطبع أن أعلى نسبة تضخم موجودة في مصر. وتعمل دول مثل مصر والهند والصين وغيرها بالفعل على تحقيق التوازن داخل النظام المالي العالمي.
وعلى الرغم من أننا الآن نستوعب بعضا من أسباب المشكلات التي نواجهها، فإننا ما زلنا نفتقد إلى الحلول. وتعد قمة مجموعة الدول العشرين منبرا مثاليا يمكن من خلاله مناقشة النظام العالمي. وهذا أمر مهم للغاية من أجل تجنب حدوث أزمة نتيجة الأسباب ذاتها. ونظرا لأن كل أزمة جديدة مختلفة في طبيعتها، ليست لدينا آلية ثابتة لمواجهة كل أزمة. ولم يعد من الممكن حل تلك المشكلات على المستوى القومي فقط، بل يجب تناولها على مستوى عالمي.
«المجلة»: وكيف يمكن تطبيق ذلك على اليورو؟
- يضم اليورو ما بين 27 إلى 30 عملة أوروبية. وأقول إنه الآن ليس على المستوى ذاته مع الدولار الأميركي والين الياباني وعملات أخرى. ولكن، على الرغم من تعرض اليورو حاليا لبعض الضغوط، فإنه يظل عملة مهمة، وكان قرار استخدامه مهما للأوروبيين. فقد كان رد فعل ضروريا للتغلب على أزمة العملات العالمية.
«المجلة»: ما هي توقعاتك بالنسبة للاقتصاد العالمي؟
- لا يوجد بديل للعولمة. ومن حين إلى آخر، ستكون هناك ضربات موجهة ضد العولمة، ولكنها ستستمر في طريقها. يجب أن تكون العولمة عادلة، بمعنى أنه ينبغي الحفاظ على جذور وهوية الشعوب.
توجد مقولة شهيرة تقول: يجب أن نفكر على المستوى العالمي، ولكن عندما نعمل، نعمل على المستوى المحلي. وأعتقد أنها طريقة صحيحة يمكن أن نواجه بها تحديات القرن المقبل.
* عبير سعدي - صحافية وكاتبة مصرية.