"حفلات الشاي" تنفّس عن غضب الأميركيين وطلبهم للتغيير

"حفلات الشاي" تنفّس عن غضب الأميركيين وطلبهم للتغيير

[escenic_image id="55154635"]

بعد مرور أشهر لم يكن من الواضح فيها مدى نفوذ حركة حفلات الشاي، وما إذا كان الغضب الذي توجهه يحمل مضامين سياسية عملية، في الانتخابات التمهيدية الأخيرة، أثبتت حفلات الشاي وجودها بحسم. كانت انتصاراتها كبيرة وغير متوقعة، حيث جعلت الحزب الجمهوري في موقف دفاعي وجعلت الديمقراطيين يشعرون بمزيج من القلق والأمل.

من جانب، كان الديمقراطيون سعداء لرؤية انقسام داخل صفوف الجمهوريين، حيث من الواضح أن حفلات الشاي تغضب غالبية الجمهوريين وتساعد على انتخاب مرشحين ينتمون إلى الحركة كمرشحين للحزب الجمهوري ربما تكون سياستهم أكثر تشددا لدرجة ألا يتم انتخابهم في بعض الولايات.

ولكن الديمقراطيين أيضا يشعرون بالقلق من قدر الطاقة والموارد والنفوذ الذي جمعته حركة الشاي وتستخدمه الآن ببراعة. وعلى الرغم من أن مرشحيها الأكثر تطرفا قد لا يتم انتخابهم في الولايات المعتدلة سياسيا مثل ديلاوير؛ حيث حققت كريستين أودونيل نصرا مقلقا لحفلات الشاي، فإنهم قد يجدون تأييدا في فلوريدا وولايات أخرى متنوعة سياسيا وغير متوقعة.

وتظل حفلات الشاي متقلبة، كما أن تأثيرها على الانتخابات التي سوف تجري في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل غير واضح. إنها تساعد الجمهوريين وتعوقهم في ذات الوقت، حيث تنشط الحزب وتقسمه، تلهم أعضاء جددا وتصرف المعتدلين الذين يجدون أنفسهم مغتربين عن رؤيتها. ولكن في المجمل، يبدو أن الحركة تدفع المحافظين وتجتذب اهتماما إعلاميا هائلا، وتضع الديمقراطيين في وضع الدفاع. وكما كتب غاري يونغ في "الغارديان":

"يجب أن يكون الديمقراطيون حذرين بشأن ما يرجونه. لا يعني أن الجمهوريين أصبحوا أكثر تطرفا أن في إمكانهم الفوز. لقد تم بالفعل اختيار مرشحين من حفلات الشاي في مقاعد مجلس الشيوخ بأمان، ويوشك خمسة آخرون على الدخول في سباقات متقاربة. ومن بين هؤلاء، يوجد اثنان منهما متقدمان، ويظل الثلاثة الآخرون في سباقات محمومة. في الواقع، واحد من شيئين مؤكدين في نوفمبر المقبل هو أن المجمع الانتخابي الجمهوري لكلا المجلسين سيميل إلى اليمين بصورة أكبر".

لذا في الوقت الذي ربما تقدم فيه حفلات الشاي في ولايات معتدلة مثل ديلاوير دون قصد طوق نجاة للديمقراطيين، من المرجح أن يكون تأثيرها الصافي إيجابيا بحدة فيما يتعلق بزيادة التمثيل الجمهوري في الكونغرس وتقليص إجمالي التمثيل الديمقراطي فيه، وأيضا القدرة الديمقراطية على تمرير التشريعات. وكما أشار يونغ، حتى في وجود أغلبية كبيرة في مجلسي النواب والشيوخ، يعاني الديمقراطيون من انعدام التضامن والإقناع مع قدر كبير من الشقاق الداخلي الذي جعلهم يصابون بالشلل في مواجهة اقتصاد يتزايد انهياره. وبعد انتخابات التجديد النصفي، سيكون لديهم قدر أقل من الحرية لتقديم أجندتهم.

ويقول ديفيد بروكس كاتب "نيويورك تايمز" إن هناك دليلا ضعيفا على أن حفلات الشاي تسبب استياء من الجمهوريين بين الأميركيين، وأورد استطلاعات رأي توضح الدعم المتزايد للجمهوريين عبر البلاد. ويبدو أن حفلات الشاي تجتذب الأميركيين إلى صفوف الحزب الجمهوري وأنها نصبت ذاتها كصوت المعارضة الوحيد الذي يحتج على ما يعتقد العديد من الأميركيين أنها سياسات اقتصادية وسياسية فاشلة انتهجتها إدارة أوباما والكونغرس ككل. ومن دون وجود بديل، ينجذب الأميركيون نحو حفلات الشاي للتنفيس عن غضبهم وخوفهم وطلبهم للتغيير.

وأوضح بروكس ببعض القلق الخطاب المتطرف غير المسؤول الذي يقدمه بعض من أعضاء حفلات الشاي – على الرغم من أن ذلك لا يبدو أنه يبعد معظم الأميركيين، بل يجذبهم. كتب بروكس:

"على طول طريقها، انتقت الحركة بعضا من أسوأ ما أفرطت فيه الثقافة الأميركية الحديثة؛ شعور نرجسي بأنها ضحية، إيمان أناني بصواب الذات ونقائها، ورغبة في تحريف الحقيقة حتى يصبح كل صراع منافسة بين الخير الخالص والشر الخالص".

وبروكس محافظ معتدل، وليس ليبراليا، ويقدم وصفه لحفلات الشاي كتعليق حذر على مخاطر حركة سياسية تتزايد حدتها وتعارضها مع التعددية والنقاش العقلاني، كما أنها تميل إلى السب والقذف. إنها تزكي نيران التطرف بوضوح، وهو ما يشير بروكس إلى أنه بالفعل أصاب المزيد من المحافظين المعتدلين. وفي مقال نشر مؤخرا في "فوربس" لدينيش دي سوزا، على سبيل المثال، كان حديثا مطولا عنيفا هيستيرياً يتسم بجنون العظمة ضد باراك أوباما، حيث ادعى أن هدفه هو زعزعة استقرار الولايات المتحدة، بإبقائه على معتقدات والده المعارضة للاستعمار.

ويؤكد وجود حفلات الشاي ونجاحها قضية تحظى بقليل من الاهتمام ولكنها تستحق التناول: لماذا يجيد المحافظون حشد الجماهير، وإثارة السخط وإضفاء شكل ووظيفة عليه؟ لماذا لا يجيد الليبراليون الشيء ذاته من أجل تحقيق أهدافهم؟ إنهم يشعرون بغضب مساوٍ، ولكن نادرا ما يتم التعبير عن غضبهم بطرق حية ومثمرة سياسيا.

لا يوجد نظير ليبرالي لحفلات الشاي. بالتأكيد وجدت "حفلات القهوة" كبديل ليبرالي معتدل ولكنها ليست قوة سياسية أو اجتماعية، كما أنها تفتقد إلى الموارد والتنظيم، وهي نتاج تفكير طموح ورد فعل بلاغي على قوة حفلات الشاي العملية أكثر من كونها حركة ليبرالية حقيقية موازية لها. ويوجد سبب جيد لعدم سماع كثير من الناس عنها، ولماذا لا تحظى بتغطية إعلامية؛ إنها ليست  قوة سياسية واجتماعية يمكن وضعها في الحسبان.

سيدخل الديمقراطيون في هذه الانتخابات وهم يعانون من نقص لعدم وجود مجموعة من المناصرين المتحمسين لليبرالية في المقدمة. وفي حين يعاني العديد من الأميركيين من انعدام الأمن الاقتصادي، تجذب مشاعر السخط والتطرف تأييدا أكبر بكثير من الاعتدال الدقيق الذي يستطيع أوباما والديمقراطيون حشده. يشعر العديد من الأميركيين بالغضب، ولا يبدو أن هناك حلا ليبراليا يخاطب هذا الغضب، بل يوجد خطاب محافظ ويجدونه فقط لدى حفلات الشاي.

من المحتمل أن يكون مرشحو حفلات الشاي ممن يعرقلون السياسات ويكرهون التعاون بين الحزبين والتسوية في الكونغرس كما هو الحال مع جمهوريين آخرين. ولكن لأن كثيرين منهم جدد، فهم لم يُلوثوا نسبيا ويمكنهم إظهار صورة جديدة ونزيهة ومبدعة حتى وإن كانوا في الواقع لا يختلفون كثيرا عن الجمهوريين التقليديين، وسيتصرفون على نحو مشابه لهم، مما سيزيد من الأزمة في الكونغرس وعدم قدرة الحكومة على القيام بدورها.

ويتكون البرنامج الانتخابي الرئيسي لحفلات الشاي من نزع الشرعية عن الحكومة والامتناع عن تمويلها تحت الشعار الخطابي الذي يروج إلى "الحكومة المحدودة". لا توجد خطة في برنامج حفلات الشاي لزيادة فرص العمل وإعادة بناء البنية التحتية وتحسين المدارس والخدمات المحلية. لا يتحول الغضب هنا إلى تحسينات فعلية - ولكن إلى ديماغوغية وسب تتفوق فيه حفلات الشاي.

لقد أظهر مرشحو حفلات الشاي تعصبا أعمى ودخلوا في هجوم من المغالطات الشكلية ضد قطاع عريض من الأميركيين على أساس الطبقات والتوجهات الجنسية والنوع، وبصورة أقل وضوحا، العرق. لقد دعا كارل بالادينو، مرشح حفلات الشاي لمنصب حاكم ولاية نيويورك إلى وضع الحاصلين على الرعاية الاجتماعية في السجن حيث يمكنهم الاستفادة من تعلم مهارات الحياة الأساسية مثل النظافة الشخصية في بيئة منظمة. وقال أيضا، من دون أي دليل أو منطق، إن خطط إصلاح برنامج الرعاية الصحية التي قدمها أوباما ستقتل عددا من الأميركيين يفوق قتلى أحداث 11 سبتمبر (أيلول). وتعارض كريستين أودونيل بقوة حق المرأة في التحكم في جسدها وإجراء عملية إجهاض، وتشكك بشدة في ظاهرة الاحترار العالمي ومضامينها، وترفض منح حقوق المثليين. وقد وجه نشطاء حفلات الشاي، من قادة مؤسسين وغيرهم على حد سواء، اتهامات إلى الديمقراطيين والرئيس أوباما تصل إلى حد تلويث السمعة.

وتظهر حفلات الشاي ذاتها في صورة حركة شعبية. وهناك جانب من الحقيقة في هذا الأمر، ولكن كما كشف موضوع نشر في "نيويوركر" مؤخرا، تحصل حفلات الشاي أيضا على قدر كبير من الدعم المالي واللوجيستي من المليارديرين المحافظين ديفيد وتشارلز كوتش. ووفقا لبوريس بارتليت، الخبير الاقتصادي المحافظ، "يحاول (آل كوتش) تشكيل الانتفاضة الشعبية والسيطرة عليها وتوجيهها من خلال سياستيهما الخاصة". إذن الأموال التي تجعل حفلات الشاي تقوم بمهمتها ليست في الأساس تبرعات صغيرة من أفراد أميركيين - كما كان الحال في عملية جمع التبرعات لحملة أوباما التي اعتمدت على شبكة الإنترنت - بل هي التبرعات الكبيرة التقليدية من أفراد أثرياء يختبئون خلف أسماء حيادية مثل "أميركيون من أجل الرخاء". وعلى سبيل المثال، تجمع حملة حفلات الشاي (تي بارتي إكسبرس) ملايين الدولارات لدعم مرشحيها، وكانت قد جمعت خمسة ملايين دولار، ذهبت عدة مئات الآلاف منها لتمويل حملة كريستين أودونيل الناجحة في ديلاوير.

في الوقت الحالي، لم تقسم حفلات الشاي الحزب الجمهوري إلى قسمين، لأنها تعكس التطرف الشديد الذي يتزايد تعريفه لطبيعة الحزب الجمهوري وسياساته. وقد أحبطت المسيرة السياسية التي يقوم بها معتدلون مثل تشارلي كريست في فلوريدا التي يقوم بها محافظون ليسوا بدرجة محافظة حفلات الشاي، مثل ليزا موركوسكي في ألاسكا التي خسرت في الانتخابات التمهيدية الأخيرة أمام مرشح حفلات الشاي. وفوق كل شيء، تضفي الحركة نشاطا على القاعدة الجمهورية. بيد أنها تقوم بعملية استقطاب سياسي في أميركا وتجعل الحزب الجمهوري أقل ترحيبا للمستقلين وهؤلاء الذين يؤمنون بأن الحكومة عليها أن تؤدي دورا ضروريا وأن شعار "الحكومة المحدودة" ليس فلسفة أو خطة عمل، بل مجرد رد فعل غير محسوب ومتسرع على مشكلات اجتماعية معقدة.

وعلى المدى القصير، ربما تثبت حفلات لشاي أنها هدية للجمهوريين وتهديد للديمقراطيين. ولكن على المدى البعيد، تجعل حفلات الشاي الحزب الجمهوري معاديا للمعتدلين وذوي الأصول اللاتينية وجمهور أميركي متسامح لا يهتم بهجوم حفلات الشاي ضد المهاجرين، أو عدم تأييدها للمساواة والحقوق المدنية للمثليين الأميركيين، وعدم مبالاتها وعدائها القوي للأميركيين المحرومين اقتصاديا الذين تتزايد نسبتهم بين الشعب الأميركي في ظل الانكماش الاقتصادي وعدم توفير فرص عمل جديدة. في الوقت الحالي، ربما ينجذب العديد من الأميركيين لمشاعر حفلات الشاي الحيوية واتجاهها المحافظ الذي لا يقبل المساومة. ولكن مع مرور الوقت، قد يندم الجمهوريون على اعتمادهم عليها.

حاليا تبدو حفلات الشاي كالإمبراطور الذي يبدو في أعين العديد من الأميركيين متألقا، ممتلئا بالقوة والأمل. ولكن كما هو الحال في غالب الأوقات، كلما تطلع المرء بدقة وحسم إلى الإمبراطور، أدرك أنه بغض النظر عن ثراء الخيال، فإن الإمبراطور في الواقع لا يرتدي ملابس. لا يمكن أن يغطي الأمل والحماس الذي يظهر به على القبح الأخلاقي الذي يعرضه وعلى حقيقة أنه في اللحظة التي يرى الناس فيها عريه، ستنهار إمبراطوريته.

 

* ناعوم شيميل - باحث مقيم في لندن وهو متخصص في حقوق الإنسان وله خبرة كبيرة في هذا المجال.

font change