داريوش بربور: لا يوجد في إيران معمار إسلامي

داريوش بربور: لا يوجد في إيران معمار إسلامي

[escenic_image id="55140011"]

 يعمل داريوش  بوربور كمهندس معماري ومخطط مدني وباحث في طهران. حصل على تعليمه في المملكة المتحدة وسويسرا، وقدم إسهامات معمارية مهمة لمعظم المدن الإيرانية. ومن بين أعماله يمكن ذكر سبعة مخططات معمارية وكثير من الأبنية المهمة وعدة مقالات حول مواضيع تتراوح بين البناء في المناخ الحار الجاف وثقافة الخمر الإيرانية. تحدث بوربور إلى اتوسا أراكسيا أبراهاميان في واشنطن حول التغير السريع للمشهد المدني في إيران والتحديات التي تواجه تحديد طراز للمعمار الوطني.

 

«المجلة»: أنت معماري مبدع، درست التخطيط المدني والمعمار على نحو مكثف. فهل تستطيع إعطاءنا نبذة مختصرة حول متى بدأت الهيئات الحكومية الإيرانية في الانتباه لأسلوب تخطيط المناطق المدنية؟

- لم يكن هناك تخطيط مدني بالمعنى المعاصر قبل عام 1965. حين قامت وزارة الإسكان وقتها أو قبلها بقليل بإنشاء قسم خاص للتخطيط. وخلال تلك الفترة عرضت الوزارة عدة مخططات على عدد من المستشارين. وكأحد المسؤولين عن تعزيز التخطيط المدني في إيران، تمت الاستعانة بي كأحد هؤلاء المستشارين. وقد أعددت سبعة مخططات في إيران حتى الآن.

 

«المجلة»: هل تعتمد تلك الخطط على معايير جمالية محددة؟

- لا. فهي تضع خطة عامة لكيفية إنشاء المدن في المستقبل. ولا تتناول التفاصيل المتعلقة بالبناء والأنماط. ومن هذه الزاوية كانت تلك الخطط مفيدة.

 

«المجلة»: تعاني طهران من أزمات مرورية خانقة فهل كان ذلك نتاج إخفاق خطط التخطيط المدني؟

- في الحقيقة لدى طهران نظام طرق جيد رغم الازدحام المروري. حيث يرجع الازدحام المروري إلى نقص أماكن انتظار السيارات وسوء مستوى قائدي السيارات. بالإضافة إلى أن الشبكة المرورية لم تنته بعد. فحينما يتم الانتهاء من عملها أعتقد أن الأحوال المرورية سوف تتحسن.

 

«المجلة»: وماذا عن النماذج؟ هل تحاكي طهران نماذج أي مدن أخرى؟

- لا. فالقاعدة هي عدم إعداد التخطيط المدني بناء على نماذج أخرى. حيث إنه يضع إطارا عاما لما يجب أن تكون عليه الكثافة داخل المدينة، أين تقع الأماكن عالية الكثافة والأخرى قليلة الكثافة وما إلى ذلك. فهي تضع أفكارا عامة للغاية لا تعتمد على أي مدن موجودة بالفعل. فعملية التخطيط مركبة وطويلة؛ ولا تحدث بين عشية وضحاها بل يمكن أن تستغرق عقودا بأكملها.

 

«المجلة»: ما لم تكن دبي؟

- أجل بالطبع. ولكن دبي كانت قادرة على أن تفعل ذلك لأنه لم يكن لديها ما يمكنها البدء به. بالإضافة إلى أن عدد سكانها قليل للغاية.

 

«المجلة»: ما الدور الذي تلعبه العوامل  السكانية في التطوير المدني لطهران؟

- صدق أو لا تصدق، كانت طهران قبل ذلك مدينة من ثلاثة ملايين نسمة فقط. فقد حدث نزوح خلال الحرب الإيرانية العراقية، وهو ما حولها  اليوم إلى مدينة ذات ثمانية ملايين نسمة. فللحروب نتائج غريبة مثل الهجرة، وفي كثير من الحالات تكون النتائج هي الزيادة السكانية. فقد ازداد عدد سكان إيران بمعدلات كبيرة حتى أنه وصل الآن إلى نحو 70 مليون نسمة. وكان ذلك هو السبب الرئيسي وراء الزيادة المفاجئة التي أصبحت أحد التحديات الكبرى التي تواجهها طهران الآن. فعادة ما تكون الزيادة تدريجية مما يسمح للمدن باستيعابها على نحو ما. ولكن المدن الإيرانية لم تكن مستعدة لمثل تلك الزيادة المفاجئة مما أسفر عن مشكلات جسيمة.

 

«المجلة»: في الوقت الذي كانت فيه طهران تمتد لاستيعاب الزيادة السكانية، هل كان يتم تصميم المباني على طراز محدد؟ هل كانت حكومة الشاه تعزز النظام المعماري الغربي كما فعلت في مجالات أخرى؟

- لم تكن طهران أبدا مدينة ذات طراز معماري محدد. فمن الناحية المعمارية، مرت إيران المعاصرة بعدة مراحل. فعلى سبيل المثال، في الثلاثينات والأربعينات كان المعمار الحديث في إيران يعتمد على عدة إيرانيين درسوا الفنون الجميلة في باريس. وفي عصر رضا شاه كان كثير من العاملين الألمان مسؤولين عن إنشاء بعض المباني التي تم بناؤها على مرتفعات مدرجة في محاولة لمحاكاة النظام القديم للبناء في إيران (تخت جمشيد أو برسبوليس، وغيره). وكانت هناك محطة طهران للسكك الحديدية والبنك المركزي ومركز الشرطة الرئيسي وغيرها من المباني التي تم بناؤها بالأعمدة التقليدية لتخت جمشيد وغيرها من الخصائص المميزة لذلك الطراز. وبالتالي، نستطيع أن نقول إنه في زمن رضا شاه كان هناك نموذج حكومي رئيسي أسسه الأوروبيون، ولكنه كان يهدف لمحاكاة النظام المعماري الإيراني القديم. وهي بنايات جميلة للغاية متماسكة وما زالت قائمة حتى يومنا الحالي.

وفي خلال السنوات الخمسين أو الستين الماضية كان هناك حوار مستمر حول إمكانية خلق نموذج إيراني أو إسلامي. ولكن لا أحد يعرف ماهية ذلك الطراز الإسلامي! وفي هذا السياق فإن ما يطلقون عليه النظام المعماري الإسلامي هو مصطلح مغلوط؛ فلا يوجد شيء اسمه المعمار الإسلامي.. تستدعي ذاكرة معظم الناس الجوامع أو المآذن، ولكن حتى المساجد ليست إسلامية. فذلك النموذج يعود إلى الأزمنة الساسانية. فنظرا لأن العرب لم يكن لديهم نظام معماري فقد استأجروا معماريين إيرانيين من سورية وحتى إسبانيا.. وربما لا تكون المآذن ساسانية ولكننا لا نعرف أصولها.

وفي بداية انتشار الإسلام، لم يكن هناك مساجد، فكان المسلمون يقيمون الصلاة في المعابد المجوسية. حتى أن كثيرا من المساجد الإيرانية الشهيرة اليوم مثل جامع أصفهان تم بناؤها على أنقاض المعابد المجوسية. ونحن نعرف ذلك الآن لأن كثيرا من تلك المساجد تم تنقيبها.

إذن، ففكرة الطراز الإسلامي ليست دقيقة، فالناس تتحدث حول الطب الإسلامي والمعمار الإسلامي.. إلخ، ولكنني أعتقد أن ذلك المصطلح خاطئ، فليس لدينا معمار مسيحي بخلاف الكنائس، فلماذا الإسلامي؟ فليس هناك طراز إسلامي محدد حتى الآن.

 

«المجلة»: إذن ربما لا يكون هناك معمار إسلامي محدد، ولكن هل يوجد شيء اسمه الطراز الإسلامي؟ يبدو أن كل شيء ينظر إليه الآن باعتباره غير إسلامي. وتم إقران معظم تلك القيم الجمالية بالغرب وبالتالي اعتبرها رجال الدين المتشددون غير إسلامية. فهل ذلك هو الحال في إيران؟

- في الحقيقة لا. فمنذ الثورة، تطور المعمار الحديث للقرن الحادي والعشرين، مثل الأبنية التي تراها في المدن الغربية، بمعدل أسرع من ذي قبل في إيران.

من الصعب فرض طراز معماري محدد؛ فيمكنك فرض النماذج في أنظمة دكتاتورية محددة. ففي عصر رضا شاه كان هناك ما يمكن تسميته بالمعمار الدكتاتوري الذي بناه الألمان ولكن ذلك في الأبنية العامة فقط.

ويمكن أن نجد ذلك التزامن بين الأنظمة القاسية والمعمار أيضا في الصين وإيطاليا وألمانيا والاتحاد السوفياتي. ولكن الشيء الوحيد الذي كانت الثورة الإسلامية تحث عليه من الناحية المعمارية هو بناء المزيد من المساجد ولكن كثيرا منها يبدو معاصرا للغاية! وبالتالي فأنا لا أعتقد أننا نستطيع أن نقول إنه كان هناك طراز معماري ثوري خلال الثلاثين عاما الماضية.

 

«المجلة»: هل كانت هناك مبادرة للحفاظ على طراز محدد للمباني، طراز محلي؟

- هناك حوار حول الحفاظ على «محلية» بعض المناطق، ولكن هذه أشياء يصعب تحديدها والسيطرة عليها. وبالتالي هناك حوارات كثيرة ولكن لا شيء يحدث. فهناك مساعٍ حثيثة في مناطق محددة مثل أصفهان ويازد. ويؤيد الرأي العام ذلك بقوة ربما نظرا لأن هذه المناطق ملائمة لأن نبدأ بها. ولكن بصفة عامة، لا تتجه إيران صوب طراز محدد. ولا أعتقد أن ذلك يحدث في كثير من البلدان.

 

«المجلة»: هل أصبحت الحركة الخضراء (البيئية) أقرب لكونها مؤسسة كما هو الحال في بلدان مثل الولايات المتحدة أو أوروبا؟

- مما لاشك فيه أن الناس يدركون ذلك؛ فمن الصعب ألا يكونوا واعين به. ومع ذلك فإن التعامل مع القضية يتم بطريقة سطحية: فقد غيرت كثير من الشركات لافتاتها النيون من الأحمر إلى الأخضر، ويروجون لمزاعمهم بالالتزام بالمحافظة على البيئة، وما إلى ذلك، ولكن الحركة الخضراء في إيران ما زالت في بدايتها وليست سوى كلام خال من الحقائق العملية. وعلى الرغم من ضرورة التحرك في اتجاه أكثر تواؤما مع البيئة، فإنه في ظل الظروف الحالية يصعب تحقيق إصلاحات حقيقية.

 

«المجلة»: وينطبق ذلك على كثير من المستويات؟

- تماما. فجميعنا نتحدث حول ذلك ولدينا نوايا طيبة، ولكن عندما يأتي وقت تحويل ذلك إلى مفاهيم حقيقية فما هي الحركة الخضراء؟ وبالمثل: ما هو البناء الأخضر؟ هناك معايير محددة مثل استخدام الموارد الطبيعية ومحايدة الكربون والأسطح الشمسية.. إلى آخره. ولكن الأمر برمته أقرب لكونه مجرد مفاهيم. فهناك جهود لاستغلال موارد الطاقة المختلفة ولكنها تتحرك ببطء في إيران. وإذا ما أضفت القضية النووية فستجد أن هناك المزيد من المشكلات. ولكن حتى إن كان التقدم بطيئا فإنه سيحدث بالتأكيد.

 

* أجرت الحوار اتوسا اراكسيا ابراهاميان. الكاتبة والمترجمة التي تعيش بين جنيف وباريس ونيويورك. ونشرت لها أعمال في «هاربرز» و«باريس» و«إن + 1» و«أبو ظبي ريفيو» و«تايمز هاير اديوكيشن». وهي تدرس حاليا بالدراسات العليا في كلية الصحافة بجامعة كولومبيا مع التركيز على صحافة التحقيقات.

font change