وفر المال وأنقذ الكوكب

وفر المال وأنقذ الكوكب

[escenic_image id="55124397"]

كان الباحث نيكولاس سترن قد أشار عام 2006 إلى أننا بحاجة إلى ما يعادل 1% من الناتج المحلي الإجمالي لمجابهة التغير المناخي. وبحلول عام 2008، كان ذلك الرقم قد تضاعف. وبغض النظر عن الحجم الحقيقي للتكلفة، فمن المتوقع أن تكون عملية الحد من التغير المناخي مكلفة. ولكن ذلك ليس سوى جانب واحد من القصة، فهناك حاجة إلى مزيد من الأموال للتعامل مع عواقب التغير المناخي.

فليس من الضروري أن تشاهد أفلام الكوارث الطبيعية لكي تدرك مدى قوة الطبيعة؛ فكل ما أنت بحاجة إليه هو أن تتأمل عواقب إعصار كاترينا على نيو أورليانز. كما أن الحفاظ على التنوع الحيوي والحد من تلوث المياه والهواء سوف يحتاجان إلى مزيد من الاستثمارات. فالقائمة طويلة والتكلفة عالية.

وكما يتضح من خلال فشل قمة كوبنهاغن 2009 لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فإن صعوبة مفاوضات التغير المناخي العالمي تتجاوز إشكالية من الذي سيتحمل التكلفة. ومن جهة أخرى، فإن إبقاء تلك التكلفة منخفضة هو أمر ذو أهمية كبرى بالنسبة لبلدان مثل الصين والهند اللتين تعدان من أكثر الدول التي تصدر انبعاثات للغاز في العالم، خاصة في ظل صراع تلك البلدان بين مجابهة التغير المناخي ومجابهة الفقر. وفي الوقت نفسه فإن تكلفة الحد من التغيرات المناخية لها بعد سياسي: فكلما ارتفعت التكلفة كلما اضطررنا للانتظار قبل اتخاذ قرارات حاسمة.

ولا تؤدي مثل تلك العوامل المتداخلة إلا إلى المزيد من رفع التكلفة. ويحذر كبار المفاوضين من أنه من غير المحتمل أن يتم تجاوز الخلاف في المفاوضات متعددة الأطراف حول التغير المناخي في مؤتمر كوبنهاغن القادم الذي من المقرر عقده في كانكون في ديسمبر (كانون الأول) المقبل وأن الأمل في وضع اتفاق قانوني ملزم لتجديد بروتوكول كويوتو يتوقف الآن على اجتماع 2011 في كيب تاون.

وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة قد حدت من تكلفة تحقيق الأهداف المتعلقة بالحد من الانبعاثات الحرارية، فإن تلك النتائج قصيرة المدى كما أنها تثير مخاوف دول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» أكثر من الدول القوية مثل الصين والهند. ومن الآثار الأخرى للأزمة الاقتصادية التي سيستمر تأثيرها لمدة أطول هو عدم توافر التمويل. فنظرا لعجز الموازنة وخروج الدين العام عن السيطرة، أصبح من غير الممكن الاعتماد على الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في مضاعفة النفقات من أجل جعل اقتصاداتها متوافقة مع البيئة.

وهو ما سوف يؤدي إلى صعوبات جسيمة: فكيف يمكن تمويل بحوث وتطوير تكنولوجيا توفير الطاقة والطاقة المتجددة؟ وكيف يمكن دفع تكلفة تعزيز البنية التحتية مثل المواصلات العامة، ومحطات شحن السيارات الكهربائية والشبكات الموفرة لنقل الطاقة والمباني المعزولة؟ بل وهناك شكوك أكبر حول إذا ما كانت البلدان الغنية سوف تنفق مئات المليارات من الدولارات الأميركية للحد من الانبعاثات في الدول النامية.

وفي إطار البحث عن حل سحري، قال البعض إن إضعاف حماية حقوق الملكية الفكرية سوف يقلل من تكلفة نشر التكنولوجيا المتطورة وبالتالي سوف يقلل من كلفة مجابهة التغير المناخي. ولكن مثل تلك الرؤى قصيرة المدى تتجاهل حقيقة أن ذلك سوف يساهم أيضا في تحجيم تشجيع الإبداعات المستقبلية، بالإضافة إلى فرصة وضع معايير ملائمة لحياة التسعة مليارات نسمة الذين سوف يقطنون العالم في 2050.

ولكن على الرغم من ندرة الحلول السحرية فإنها موجودة. وهي عادة ما تكون أكثر سهولة مما يعتقد البعض. فباختصار، يجب على الحكومات أن تتوقف عن وضع العراقيل أمام التدفق الحر للبضائع والخدمات التي تساعد على مكافحة التغير المناخي. فسوف يساعد تحرير التجارة في جعل تلك البضائع والخدمات متاحة في كل البلدان وسوف يقلل من الأسعار. ومن جهة أخرى، فإن وجود سوق عالمية أكثر تكاملا للمنتجات والخدمات المتوائمة مع البيئة سوف يشجع الابتكارات حيث ستتمكن الشركات الناجحة من تحقيق المزيد من الأرباح.

لقد كانت الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، التي يبلغ عددها 153 دولة، تتفاوض على إزالة القيود التجارية على ما يطلق عليه المنتجات والخدمات المتوافقة مع البيئة لمدة عقد تقريبا. ويبدو أنهم عالقون في إشكالية نظرية متعلقة بالتعريف لا يمكن تجاوزها.

وهي هل يصبح المنتج متوافقا مع البيئة إذا ما تم إنتاجه بالقليل من الموارد والقليل من التلوث؟ أو إذا ما كانت له وظيفة بيئية واضحة مثل تنقية المياه والهواء؟ أو هل حتى الغسالات الموفرة للطاقة تعد من المنتجات المتوافقة مع البيئة؟ وتصبح القضية أكثر غموضا إذا ما نظرت للحدود العملية. فليس للبضائع غرض واحد. وذلك حيث إن محطات توليد الطاقة والحرارة ومنشآت معالجة المياه أو أفران المخلفات يجب أن يتم تجميعها في وجهتها النهائية. فكيف إذن يستطيع موظفو الجمارك التأكد من أن تلك الأنابيب سوف يتم استخدامها بالفعل في أغراض متوافقة مع البيئة؟

إذن، هناك حاجة إلى مقاربة جديدة لإحياء المفاوضات مرة أخرى. ومن أهم الخطوات لتحقيق ذلك هو تقسيم مفهوم «البضائع والخدمات المتوافقة مع البيئة» إلى وحدات أكثر تماسكا تستهدف التوصل لاتفاقيات منفصلة. إحدى تلك الوحدات يمكن أن تصبح الطاقة المتجددة أو إنتاج الطاقة المتوافقة مع البيئة بشكل عام. ويمكن أن تكون هناك وحدة أخرى ترتكز على التلوث بما في ذلك معالجة المياه وإدارة المخلفات والحد من تلوث الهواء. وبهذه الطريقة، يمكن أن نولي قدرا أكبر من التركيز على حل المشكلات التقنية المتعلقة بتلك القضايا ووضع الحلول للمشكلات الخاصة بكل مجموعة منتجات على حدة. كما يجب أن يمتد تحرير التجارة إلى ما بعد رفع التعريفة لكي يتعامل مع القيود التنظيمية مثل الإجراءات المعقدة المتعلقة بالفحص والترخيص أو عدم الاعتراف بالمعايير الأجنبية التي تضمن مستوى مساويا من الأمان.

وهناك خطوة أخرى وهي قصر الاتفاق على «تحالف الراغبين»؛ حيث إنه لن يتم تطبيق تلك الاتفاقات إلا بعد انضمام الدول التي تمثل 80% أو 90% من الواردات والصادرات المتعلقة بالقضية وسوف يفتح أعضاء الاتفاقية في ذلك الوقت أسواقهم أمام كافة الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.

لقد كانت منظمة التجارة تشجع بالفعل الخبرات من خلال ما أطلق عليه «الاتفاقات الجمعية» على سبيل المثال في الطيران المدني وتكنولوجيا المعلومات، والتكنولوجيا المتعلقة بالصيدلة. وباختصار فإن وضع أهداف أصغر - منتجات أقل وأعضاء أقل - يمكن أن يؤدي إلى قدر أكبر وأسرع من تحرير التجارة في مناطق لها أهمية خاصة في الحد من تكلفة حماية البيئة. فيجب أن تكون تكنولوجيا الحد من التغير المناخي على قمة الأولويات.

 

* فالنتين زاهرنت هو الباحث الزميل بالمركز الأوروبي للاقتصاد الدولي والسياسي والمحرر بموقع www.reforthecap.eu.

font change