حوار مع رشيد القريشي

حوار مع رشيد القريشي

[escenic_image id="5597829"]

ولد رشيد القريشي في عين البيضاء بالجزائر عام 1947، وهو يعيش ويعمل حاليا في فرنسا وتونس. وتعكس قدرته على العمل من خلال الاستعانة بنطاق واسع من الوسائط (الخزف والمنسوجات والمعادن بالإضافة إلى الرسم على الحرير) التدريب المكثف الذي حصل عليه في «معهد الفنون الجميلة»، و«المدرسة العليا للفنون» بالجزائر، بالإضافة إلى «كلية فنون الديكور» و«كلية الدراسات المدنية» بباريس.

وقد تأثرت أعماله بشغفه بكافة أنواع العلامات. وتتضمن أعماله بالإضافة إلى فنون الخط العربي رسم الحروف والأرقام المأخوذة من اللغات والثقافات الأخرى. وبصفة عامة، يتضمن عمل قريشي دمج أنظمة متوازية من العلامات داخل وصف منظم للعالم.

ومؤخرا، استضاف «معرض أكتوبر» بلندن أحد أعمال قريشي تحت عنوان «فيض بهيج: أقطاب الصوفية اللامرئيون» وخلال المعرض تحدث قريشي إلى «المجلة» حول عمله ووضع الفن المعاصر في الشرق الأوسط.

 

المجلة: هل تستطيع أن تشرح لنا وضع الفن المعاصر في الشرق الأوسط؟

- أعتقد أن فن الشرق الأوسط كان في مقدمة الفن المعاصر منذ مدة؛ فبلد مثل مصر لديها عدد من الفنانين المرموقين عالميا. ولكن الدولة التي كانت لها أهمية خاصة بالنسبة لفن الشرق الأوسط كانت هي العراق. كما أن العراق لديه أكاديمية خاصة للفنون التشكيلية وبالتالي أصبح مرجعا للفن المعاصر.

ونظرا لأنه من عادة القوى السياسية أن تستغل هؤلاء الفنانين لتحسين صورتها الدكتاتورية، فقد خصص صدام حسين دعما ماليا ضخما لإنشاء متحف للفن الحديث، كما أنشأ مسابقات لتشجيع الفنانين الدوليين على المشاركة في المشهد الفني العراقي.

والمدرسة الثانية التي تعادلها في الأهمية هي المدرسة المغربية، رغم العقبة الأساسية التي تواجهها هناك؛ حيث تهيمن روابط الفنانين على المشهد الفني هناك وهي روابط تجمع الفنانين لمناقشة الجوانب الفنية، بالإضافة إلى السياسة، وقد تسببت تلك الروابط في تشابه هؤلاء الفنانين ووجود قدر عال من التقليد بينهم.

 

وفي الجزائر، وبعد الاستقلال كان هناك عدد من الفنانين، وكانت القضية هناك تتعلق بأن الحكومة مقيدة بالشيوعية على الأسلوب السوفياتي، وبالثقافة المحافظة، وهو ما خلق عددا من العداءات داخل المجتمع الفني. فمبدئيا كان هؤلاء المؤيدون للآيديولوجيا السائدة يحصلون على التمويل الكافي، فيما يعاني الفنانون المستقلون من الحرمان من تلك المزايا.

كما تأثر الفن في الشرق الأوسط وتطوره إلى حد كبير بأهمية السياحة. فقد كانت الفكرة هنا هي الدمج بين الفن والسياحة، وهو ما سمح للمدارس التي تعلم فيها هؤلاء الفنانون إلى أن تحدد أهدافها بوضوح؛ فالثقافة عملية ربحية بالأساس. ولكن ما غفلوا عنه هو أن الفن يحتاج إلى الوقت، وإلى الاستعداد والتواصل، والتنسيق مع المعارض... إلخ.

 

المجلة: على المستوى الشخصي ما الذي ألهمك وحثك على أن تصبح فنانا؟

- بالنسبة لي كان هناك عدد من العوامل التي دفعتني لكي أصبح فنانا. فعند لحظة محددة، يصبح على كل فرد أن يحدد ما الذي يرغب في عمله. ولكن أن تكون فنانا ليس كاختيارك لمهنة تمتهنها، بل إنه أقرب إلى القرار باعتناق ديانة والالتزام بتعاليمها؛ بمعنى أنه يصبح كل شيء بالنسبة لك. فإذا لم يصل الأمر إلى حد الشغف فإنه لا يستحق العناء. ولكن على غرار أي نوع من الشغف، يجب عليك أن تدفع الثمن، وفي حال الفنان يكون الثمن هو عدم الاستقرار المالي. فعلى الرغم من وجود كثير من الفنانين، لا ينجح منهم سوى عدد قليل. وبالنسبة للفنان العربي على نحو خاص، فإنه من الصعب المنافسة مع الفنانين الغربيين نظرا لعدد من الأسباب.

ولكن في الوقت نفسه، هناك عدد من الميزات التي يتمتع بها الفنان أهمها الحرية؛ ففي المهن الأخرى تكون مقيدا بمواعيد عمل، ولكنني كفنان أصبح سيد نفسي؛ فأنا أعمل في الليل وخلال العطلات الأسبوعية وأعمل في أي مكان أرغب فيه. كما أن ذلك يعني المشاركة في خلق الثقافة مع الفنانين والكتاب والموسيقيين الآخرين.

لقد كانت أمي تمارس الرسم أيضا، وكانت تعيش في الجزائر خلال الاستعمار. وفي ذلك الوقت كانت هناك جائزة فرنسية للرسم، وقد فازت بها أمي، ولكنها حطمت تلك الجائزة بعد ذلك بدافع الوطنية بعد مغادرة الفرنسيين للجزائر. وكانت مهتمة بالفنون، وكان الفن موجودا دائما في البيت بشكل أو بآخر. ويظهر تأثيرها في أعمالي من خلال استخدام المنسوجات على سبيل المثال. ولكنني أيضا تأثرت إلى حد كبير بالثقافة الصوفية، وهو ما تجلى في أعمالي من خلال استخدام النصوص.

 

المجلة: بالإضافة إلى الثقافة الصوفية، وإلى الثقافة الجزائرية، هل أثرت الثقافة الفرنسية - في شكلها الاستعماري - على أعمالك أيضا؟

- من الضروري أن ننظر إلى الاستعمار باعتباره قوة سلبية وإيجابية في الوقت نفسه. وأعتقد أنه من الضروري أن نفهم لماذا كان من الضروري أن تحصل الجزائر على استقلالها في ذلك الوقت. ولكن من الضروري أن نفهم أيضا أن الاستعمار في الجزائر أصبح جزءا من إرث البلاد ولا يقتصر ذلك النفوذ على فرنسا؛ فعلى سبيل المثال، تركت الإمبراطورية الرومانية أثرها على الجزائر ولعبت دورا في تاريخ البلاد، وساهمت في جعل الجزائر تصل إلى ما هي عليه الآن ولا يمكنك تجاهلها.

بالنسبة لي، لا توجد علاقة بين الوطن والجغرافيا، فالمسألة تتعلق بالمكان الذي ينتمي إليه القلب. فاليوم أنا في لندن ولندن هي وطني. وبالعودة إلى قضية تأثير الاستعمار على البلاد، فربما يقدر الجزائريون بلادهم أكثر من الطبيعي نظرا لتعرض بلادهم للاستعمار.

 

المجلة: أخذا في الاعتبار أن أعماك متأثرة إلى حد بعيد بالثقافة العربية والإسلام، هل تعتقد أن أعمالك يتم فهمها على المستوى العالمي من قبل هؤلاء الأقل ألفة لأهمية الرموز في الصوفية؟

- على المستوى الشخصي، لا أعتقد أن الفنانين يبدعون لكي يعرضوا أعمالهم على الآخرين. بل إن ممارسة الفن أشبه بالعلاج الذاتي، الذي يحتم الصدق التام مع ذاتك. فادعاء أننا نبدع من أجل الآخرين هو ادعاء نرجسي. فعلى الرغم من أن إعجاب الآخرين بعملك أمر محبب، فمن الضروري أن تكون واثقا في عملك ومستعدا لأن تسمع الآخرين وهم يقولون إنك جيد أو سيئ، وألا تتأثر بكليهما.

لكل فنان لغته وفلسفته الخاصتين به، سواء كان بيكاسو أو جاكسون بولاك؛ فتدريجيا يمكنك أن تؤسس قاموسا من الأنواع لقراءة أعمال فنان ما وفهم مغزاها. وربما يكون من الأفضل وجود نوع من المعادلات لفهم أعمال فنان ما على نحو كامل، ولكن لا توجد وصفة جاهزة، فالفن هو نوع من التعبير، أنا أعبر عن نفسي من خلال الرسم، على نحو لا أستطيع القيام به في الأشكال الأخرى وذلك هو الأكثر أهمية في أعمالي.

 

المجلة: هل تحمل أعمالك إذن مغزى سياسيا أو اجتماعيا؟

- أعتقد أن السياسة كذبة مستمرة تتعلق بالبقاء في السلطة، ومع ذلك فإنها جزء من تاريخ الإنسانية. حيث يقال إن الفن يتتبع السياسة بنفس الطريقة التي تقوم بها الذاكرة بذلك. فلا يوجد كثير من الآثار المتبقية من حروب الماضي سوى الأعمال الفنية التي سجلت تلك الأحداث التاريخية.

 

 

* باولا ميجيا.

font change