برامج حماية الطبيعة في الشرق الأوسط

برامج حماية الطبيعة في الشرق الأوسط

[escenic_image id="5554606"]

تحظى جهود حماية الطبيعة لحماية المواطن الطبيعية باهتمام كبيرعندما يتعلق الأمر بتلك التي تتمتع بتنوع حيوي ضخم ويعتمد عليها الإنسان في حياته اليومية مثل غابات الأمطار الاستوائية. ولأن أغلب المساحات في العالم العربي صحراء، لا يبدو الشرق الأوسط بالنسبة للبعض بحاجة لحماية الطبيعة.

في الحقيقة، أعطى الصندوق العالمي لحماية الحياة البرية الأولوية لـ 19 موقعاً  بيئياً في العالم بحاجة ماسة للحماية. وتشمل هذه المناطق الأمازون وسومطرة وبورنيو في ماليزيا واندونيسيا والساحل الافريقي وحوض الكونغو. ولا يوجد أي موقع في الشرق الأوسط على هذه القائمة باستثناء الساحل الصومالي.

و للعالم العربي حصته في التنوع البيئي الغني - فهنالك المناخ المتوسطي لدول مثل تونس التي يعيش فيها مجموعة فريدة من النباتات والحيوانات و المستنقعات والأراضي الرطبة في العراق. أما الصحراء فتمتد من مصر إلى الأردن وعمان وغيرها من الدول التي تحتضن حياة نباتية وحيوانية غنية، ومعظمها مهدد بسبب الزحف البشري والتطور.

أبدع الأردن  في حماية الطبيعة في العقود الماضية. عملت الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المهتمة بالبيئة في تناسق  معتمدة على موارد البلاد المحلية لتحقيق تقدم في حماية الأرض والحياة البرية والنباتات. وتبعته دول عربية أخرى حيث بذلت جهودًا لوضع برامج حماية إجبارية وقانونية وإعادة تأهيل الحياة البرية المهددة مثل حيوان المها العربي. بالرغم من ذلك، وضع عدد قليل من هذه الدول برامج واسعة النطاق و مدارة بدقة مثل الأردن.

حتى عام 2007 كانت محمية حيوان المها العربي في سلطنة عمان على قائمة اليونسكو للتراث العالمي لكن تم إغلاقها عندما استغلت الحكومة العمانية 90 بالمائة من الموقع للتنقيب عن النفط. هذا مثال واحد على تعرض الطبيعة للتخريب على يد الانسان. في الحقيقة، تعد حماية الطبيعة أولوية دنيا على أجندة الحكومات ونتيحة لذلك ضعفت الأنظمة البيئية الهشة أصلاً. عام 1996 عندما كانت المحمية العمانية ممتدة على كامل مساحتها وكانت ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي وصل عدد حيوان المها فيها لـ450، لكن ما لبث أن انخفض العدد لـ60 من ضمنها أربعة أزواج من أنثى المها فقط. نتيحة لذلك،  قد يتم اغلاق المحمية في المستقبل. تؤكد اليونسكو أن الصيد الجائر والاعتداء على المكان هي الأسباب الرئيسة للانخفاض الحاد في أعداد المها العربي.

تركز الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في الأردن على حماية الطبيعة والبحث والتوعية البيئية. للجمعية تاريخ عريق يعود لتأسيسها عام 1966، وتدير مناطق محمية وبرامج لتربية وتكثير أنواع مهددة بالانقراض مثل المها العربي والغزال والوعل. ومثل غيرها من المنظمات في العالم حولت الجمعية تركيزها من حماية أنواع معينة من الحيوانات إلى المحافظة على المَواطِن، الأمر الذي يعزز التنوع البيولوجي الشامل. وتسعى ايضًا إلى دمج حاجات المجتمعات المحلية ضمن جهودها، حيث أنها ملتزمة بتنمية المجتمع ومحاربة الفقر.

ومن ضمن المشاريع التي تطورها حاليًا الإدارة السليمة لمصادر المياه في محمية الموجب الطبيعية بدعم من الوكالة الكندية للتنمية الدولية، ومشروع المحافظة على النباتات والأعشاب الطبية  بدعم من البنك الدولي، وتنمية السياحة البيئية بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يو إس آيد USAID ومشروع تطوير المحافظة على الغابات في محمية عجلون الطبيعية الممول من الاتحاد الاوروبي، وبرنامج إدارة النظام البيئي الشامل في وادي الأردن بدعم من البنك الدولي. وامتد نشاط الجمعية إلى الدول المجاورة، حيث تدير برامج تدريب على إدارة البيئة والمحافظة عليها في سبع دول شرق أوسطية وتشمل إدارة المياه وتخطيط استعمال الأراضي وتعزيز القانون وبناء القدرات المؤسسية.

وتتضمن المناطق ذات الأهمية البيئية في الأردن والتي تخضع للحماية بصفتها محميات طبيعية على سبيل المثال محمية عجلون الطبيعية في الشمال التي تضم غابات البلوط والصنوبر والفستق الحلبي والخروب والتوت البري وبرنامج تربية الغزلان المتوطنة في تلك المنطقة الذي بدأ عام 1988 وساعد في الحفاظ على أعدادها.

وتدير الجمعية سبع محميات هي: ضانا ووادي الموجب والأزرق والشومري ودبين وعجلون ووادي رم، وتصل مساحتها 1.200 كيلومتر مربع. وتدرس الجمعية إنشاء أربع محميات أخرى في السنوات الستة القادمة.

وإدراكًا منها أن المحافظة على البيئة على المدى الطويل تعتمد على إقناع الناس بأهمية احترام البيئة وتحميل الحكومة المسؤولية ذاتها لدى وضع سياساتها، تعمل الجمعية على نشر التوعية البيئية حول أهمية المحافظة على البيئة. وطورت ايضًا منهاجًا لطلاب المدارس في الأردن يتضمن مواضيع بيئية تمت إضافتها الى مواد كالجغرافيا والعلوم لمساعدة الطلبة على تقدير قيمة المحافظة على البيئة.

أحد الجوانب الفريدة للجمعية هو الجمع بين البراغماتية والمبدأ، فهي لا تقدم البيئة على رفاهية الإنسان، لكنها تحاول في الجمع بين الإثنين. برية الأردن هو المشروع الاقتصادي الذي تطوره الجمعية والذي يدرج برامج اقتصادية - اجتماعية في المحميات الطبيعية للمساهمة في زيادة دخل المجتمعات المحلية وتشجيع تنمية مهاراتها لإنتاج سلع استهلاكية ومساعدتها على الاستفادة من البيئة بينما تعمل في الوقت نفسه على المحافظة عليها وضمان استدامتها. وتشمل المشاريع التي طورتها برية الأردن مجوهرات ومربيات عضوية وجلودًا من الفواكه وزيت زيتون ومنتجات من جلد الماعز.

تقول الجمعية "كل هذه المبادرات مرتبطة بمفهوم ترويجي قوي يستخدم "عنوان المحمية" وفلسفة المحافظة "كنقاط أساسية للبيع". أحد اكثر هذه المشاريع نجاحًا يركز على السياحة والضيافة وتم إطلاقه أول مرة في محمية ضانا قرب البتراء.

من خلال عملها مع المجتمعات البدوية طورت الجمعية مخيمًا ودارًا للضيافة ونزلاً بيئيًا وأطلقت نشاطات أخرى تدر دخلاً مثل الحرف اليدوية التي تباع للسياح. وحول ذلك تؤكد "تستمر مثل هذه المشاريع في جعل المحافظة على البيئة مهمة لحياة سكان ضانا وتجذب جمهورًا من الداعمين للمحمية، التي كانت في الماضي مصدرًا للنزاع مع سكان المنطقة. أصبحت ضانا اليوم جزءًا هامًا من "الخريطة السياحية للأردن"، حيث تجذب ما يزيد على 30.000 زائر سنويًا وفازت بأربع جوائز عالمية للتنمية المستدامة."

وبسبب النجاح الذي حققه المشروع فيما يتعلق بالمحافظة على البيئة وتنمية المجتمع بدأت برية الأردن بإنشاء نزل سياحية وتطوير برامج حرف يدوية في المحميات المنتشرة في المملكة. وفتحت ايضًا مركزًا في عمان للوصول للسياح الذين يزورون المدينة ويرغبون بمعرفة المزيد حول بيئة الأردن وشراء المنتجات الحرفية.

وتعترف الجمعية "أن تحقيق التوازن بين المصالح البيئية ومصالح السكان المحليين ليس سهلاً. بعد سنوات من الخبرة، طورت الجمعية الملكية لحماية البيئة وبرية الأردن نهجًا مدروسًا لحل الصراعات المحتملة، لكن من الواضح أنه لا توجد صيغة سحرية لحل أية قضية. نحاول دومًا تطبيق الدروس التي تعلمناها من تجاربنا وتحسين قدرتنا على جعل الطبيعة والناس في المقام الأول."

وكشخص سنحت له فرصة الاستمتاع بالجمال الأخاذ لوادي رم بتشكيلاته الصخرية الكبيرة وخرير جداوله ورحابة آفاقه أؤكد أن الطريقة المتوازنة والمتدرجة والمتوافقة مع الثقافة التي انتهجتها الجمعية لحماية الطبيعة جعلت من الأردن نموذجًا على الدول العربية أن تحتذي به. وراء الأرقام التي تثبت التنوع الحيوي لأية محمية وخطط الإدارة المفصلة والاجتماعات المستمرة بين المشرفين والمجتمعات المحلية، خير وتواضع نلمسه في كل محمية وكل شخص يعمل فيها.

لا يضجر المرء من تأمل جمال الطبيعة في تلك المناطق، ففي الأراضي الرطبة في الأزرق يأخذ العقل منظر جناح طير يشرع بالطيران وفي وادي رم تتجلى حمرة الشمس وهي تختفي خلف كثبان الرمل أو تلألؤ النجوم في السماء ليلاً وفي وادي الموجب وزرقة الجداول والشلالات وفي محمية عجلون الطبيعية وخضرة الصنوبر والبلوط والحمرة الرائعة للتوت البري.

 

نعوم شيمل باحث مقيم في لندن وناشط في مجال حقوق الانسان خبير في مجال التنمية.

font change