عبد المالك ريجي زعيم حركة المقاومة الشعبية الإيرانية

عبد المالك ريجي زعيم حركة المقاومة الشعبية الإيرانية

[escenic_image id="5548266"]

كان يحلم بزعامة مبكرة لبني قومه" البلوش السنة"  المنقسمين إلى قبائل، وإقامة دولة بلوشستان الموحدة التي قسمها  الغزو البريطاني إلى ثلاثة أقاليم تتوزع بين إيران وباكستان وأفغانستان،واتخذ من أسامة بن لادن، ومن أبي مصعب الزرقاوي  نموذجًا له عندما  وزع أول شريط فيديو له، وهو يعلن التمرد " السني" على الجمهورية الإسلامية، غير أن الصور التي أظهرته وهو يأمر لأول مرة، بقتل شرطي إيراني  تم خطفه مع ثمانية آخرين، لتتوالى بعد ذلك  صور القتل على طريقة القاعدة في العراق، حولته - بنظر الكثر من الإيرانيين إلى قاتل مطلوب بدلًا من ثائر يدافع عن حقوق بني قومه،  خصوصًا بعد العملية التي تبناها في 18 أكتوبر/تشرين أول من العام الماضي في بلدة سرباز، في منطقة "بيشين" جنوب إقليم سيستان بلوشستان ، وأودت بحياة 42 من الإيرانيين بينهم 15 من كبار قادة الحرس الثوري.


إنه عبد المالك ريجي المولود في بداية انتصار الثورة الإسلامية في إيران العام 1979، والذي  أجمع المحافظون والإصلاحيون على تسميته بـ"سلطان الرعب".  


هو أخ لأربعة  أشقاء، أحدهم هو عبد الحميد الذي سلمته السلطات الباكستانية لإيران التي سربت أنه  أعدم ثم تراجعت بعد اعتقال عبد المالك وقالت إنه حي، و الثاني قُتل قبل أربع سنوات قبل أن يعلن ريجي  انطلاق الشرارة الأولى لحركته " جند اللـه "  في إقليم بلوشستان قبل 5 سنوات .
 وقد أثار مقتل شقيقه  غضب عبدالمالك الشاب الذي لم يتجاوز عمره آنذاك 23 عامًا والذي ينتمي إلى قبيلة ريجي – إحدى  كبرى القبائل البلوشية – فجمع عددًا من رفاقه للقيام بعمليات مسلحة ضد القوات الحكومية في الإقليم، وله شقيق آخر يقال إنه المنظر الحقيقي لجماعة "جند اللـه"؛ وأن ريجي مجرد قائد ميداني للتنظيم.
حاول ريجي أن يطرح نفسه مدافعًا عن السنة والبلوش في الإقليم المحروم إلا أن عملياته العسكرية التي لم تميز بين ماهو ديني وسياسي حين فجرأحد أتباعه نفسه في مسجد، أزعجت قادة السنة المعتدلين خصوصًا مولوي عبد الحميد إسماعيل زهي، الذي كرر وهو يرحب باعتقال ريجي أنه يطالب بحقوق السنة والبلوش في إطار السلم الأهلي ونبذ التطرف والعنف.
ورفض معظم زعماء المعارضة طريقة ريجي في المعارضة،  التي تشبه ما تقوم به القاعدة وحركة طالبان مما دفعه إلى تغيير اسم حركته إلى  "حركة المقاومة الشعبية الإيرانية".
 وحصل  هذا التغيير بعد أن شعر ريجي بأنه يجب أن يتعلم  فنون العمل السياسي وتكتيكاته، إلى جانب العمل العسكري، الذي لم يجده أيضًا حين تورط فيما أصبح يصنف في خانة " الإرهاب"  دون أن ينجح من الخروج من جلباب العنف الطائفي إلى فضاء أرحب، وكان يحاول توسيع  نطاق جغرافية عمل حركته، وأخذ بالفعل يطرح مطالب قومية لم يحسن مزجها بدوافعه الطائفية برغم  نصائح قدمها  له  بعض قادة فصائل المعارضة الإيرانية.
وقال ذات يوم: "نعم إننا ندافع عن حقوق أهل السنة المحرومين المضطهدين مما يمارسه بحقهم النظام"، لكننا "نطالب بنظام ديمقراطي يحترم اعتقادات الناس ومذاهبهم".
وصرح عبد المالك في مقابلة مع صحيفة "أمروز" الإيرانية في مايو/آيار 2008، أنه متمسك بهويته الإيرانية، نافيًا أن البلوش يسعون إلى الانفصال عن إيران، مضيفًا أن غاية مطالبهم هو تحقيق العدالة والمساواة ضمن دولة فيدرالية مكونة من بلوشستان ذات سيادة؛ في مقاربة مع عدد من الأحزاب البلوشية المعارضة التي تحظى بتأييد في الإقليم.


ولم يمنع هذا التحول من أن  تواصل إيران اتهام زعيم "جند اللـه" أو" حركة المقاومة الشعبية  الإيرانية" بأنه مارس أعمالًا إرهابية،  في إقليم سيستان بلوشستان، وتعاون مع تجار المخدرات المنتشرون في الإقليم، وأن مهربي المخدرات هم الذين قدموا الدعم لعبد المالك ريجي ومجموعته وذلك لفتح جبهة جديدة أمام قوات الأمن والشرطة في الإقليم حيث مولوه بالمال و السلاح، إلا أن عبد المالك ينفي ذلك ويقول إنه يؤمن سلاحه من العسكريين الإيرانيين الذين يقوم بنزع سلاحهم ومن أموال المتبرعين.
  كذلك كان ريجي و في مقابلاته العديدة مع قناة " العربية " ومع تليفزيون "  صوت أمريكا الفارسي"
وبعض القنوات الفارسية المعارضة في المهجر،  ينفي مثل هذه الاتهامات وما فتأ يكرر أنه يسعى لاستعادة حقوق الشعب البلوشستاني.
ويطلق عليه أتباعه الأمير والقائد، ولم يعرف عن دراسته غير ما تقوله عنه وسائل الإعلام الإيرانية  التي تذكر أنه تلقى شيئًا من العلوم الدينية في المدارس الدينية في باكستان، وما إن عاد حتى انضم إلى حزب "الفرقان"  المحظور ذي التوجهات السلفية، ونجاحه في إقناع أكثر أعضائه بالانخراط فيما بعد في صفوف "جند اللـه".


 وقد سجن ريجي  لفترة قبل أن يعلن تمرده على السلطة الإيرانية وتقول السلطات الإيرانية إن اعتقاله تم في مدينة زاهدان بسبب خلافات قبلية.. وقد حمل السلاح وهو في سن التاسعة عشرة حيث أخذ يتصل برجال الدين السنة (المولويين ) في الإقليم طالبًا دعمهم لحركته، لكنهم لم يعتنوا به وبطلباته.


وقد أعلنت "حركة المقاومة الشعبية  الإيرانية " أن هدفها الرئيسي هو"الدفاع عن الحقوق القومية
والمذهبية للقومية البلوشية وأهل السنة في إقليم سيستان بلوشستان". وتتهم السلطات الإيرانية "حركة المقاومة الشعبية الإيرانية " بأنها فرع لتنظيم  " القاعدة" فيما تتهمها أيضًا بأن لها علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والمجموعات الملكية الايرانية في الخارج، وهو ما يراه البعض تناقضًا  صارخًا من واقع أنه  لايمكن أن يكون ريجي  يتلقى الدعم من أمريكا والقاعدة في آن واحد.
وفيما تتهم السلطات الإيرانية منظمة عبد المالك ريجي بالإرهاب والعمليات الإرهابية تنقسم قوات المعارضة الإيرانية بين مؤيد لها وناقد لأعمالها.. لكن الجميع يتفق على أن هذه العمليات تأتي كرد فعل على الاضطهاد القومي والطائفي للقومية البلوشية والفقر
والحرمان المنتشرين هناك.
وفي نوفمبر/تشرين ثانٍ من العام الماضي أعلن ريجي عن شروطه لوقف عمليات جماعته العسكرية  ضد السلطات الإيرانية، منها: "إزالة قواعد الحرس الثوري وباقي القواعد العسكرية من سيستان بلوشستان، والإفراج عن السجناء السياسيين دون قيد أوشرط، وإقامة نظام فيدرالي في الإقليم"، محذرًا طهران من عدم الاستجابة لشروطه، لكنها لم تستجب بالفعل.


 وأعتقل  زعيم "  جند اللـه "  في عملية أثارت الكثير من التساؤلات حول قدرة إيران على تنفيذ تلك العملية من دون دعم أو تعاون من جهاز مخابراتي، إقليمي أو دولي.


 ولأنه متهم  بالارتباط بأكثر من جهة إستخبارية  دولية وإقليمية، فقد رُسم لعملية اعتقال ريجي الكثير من السيناريوهات، وسربت معظمها أوساط إيران الرسمية، ربما لغاية في نفس يعقوب.
 واللافت أن وزير الاستخبارات الإيراني، حيدر مصلحي لم يكن هو الذي أعلن خبر اعتقال ريجي، إلا أنه  تحدث عن تفاصيل الاعتقال، وقد اختلفت في الكثير من مفرداتها عما ذكره نواب بارزون في البرلمان، خصوصًا فيما يتعلق بوجهة الطائرة التي كانت تقل ريجي من إسلام آباد إلى دولة عربية، بحسب البرلمانيين، وبالعكس، ومن دبي إلى قرغيزستان على حد ما قال مصلحي.
 أما وزير الداخلية، مصطفى محمد نجار، الذي كان يرافق الرئيس محمود أحمدي نجاد في جولة في إقليم خراسان المحاذي لإقليم سيستان بلوشستان، حيث ينتمي ريجي، فقد  ذكر أن اعتقال زعيم " جند اللـه"، تم خارج الأراضي الإيرانية.


وتؤكد طهران أن العملية تمت برمتها دون الاستعانة بالغير، لكن  جماعة " جند اللـه " المتهمة أصلًا بالتعاطي مع أجهزة مخابرات أمريكية وغربية، ومع مخابرات الجيش الباكستاني، اتهمت هذه الأجهزة بالتواطؤ مع إيران لاعتقال زعيمها، وذهب متحدث باسمها " عبد الرؤوف " إلى القول إن القوات الأمريكية اعتقلت ريجي في أفغانستان وسلمته لإيران في إطار صفقة لم يذكر شيئًا من تفاصيلها.وينفي هذه الفرضية الكثير من المشتغلين بالعمل السياسي المعارض لإيران في شأن أدائها مع القوميات، وتحديدًا البلوشية.


ويتحدث هؤلاء عن دور المال الإيراني في شراء ذمم ضباط في مخابرات الجيش الباكستاني، الداعم الأساسي لريجي بحسب طهران، والحصول بالتالي على معلومات عن تحركاته، ساعدت بالتالي في اعتقاله، فيما ترى فرضية أخرى أن تكون إسلام آباد اعتقلت ريجي وسلمته لطهران، كما فعلت مع شقيقه" عبد الحميد" من قبل، ولكنها فضلت ألا تكون في الصورة لأسباب لها صلة بملف القوميات، والإرهاب المعقد في هذه المنطقة، وترجح مصادر أن تكون باكستان هي التي سلمت ريجي بعد ضغوط مارستها إيران، خاصة فيما يتعلق بخط الغاز الذي يمر عبر أراضي باكستان إلى الهند، حيث وعد السفير الباكستاني في طهران، محمد عباسي بأن تكشف الأيام المقبلة المزيد عن " تعاون إيراني باكستاني " لاعتقال ريجي.


ويرى خبراء أن ريجي الذي تحول  إلى معضلة أمنية طوال السنوات الخمس الماضية، لن يُخمد اعتقاله نشاط حركته المزعج لإيران والذي تندد به الفاعليات السنية في المنطقة، وعموم البلوش الإيرانيين، مادام الحرمان والفقر، يسيطران على منطقة تصنفها  السلطات نفسها وبعد مرور ثلاثين عامًا على انتصار الثورة في خانة المناطق المحرومة.


وإذا صحت رواية الكاتب الأمريكي سيمور هرش في مجلة " نيويوكر" وما جاء في مقاله يوم 29 يونيه/حزيران 2008، بشأن أمر من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش للاستخبارات الأمريكية بدعم جماعة " جند اللـه"، وهو كلام  دعمته  صحيفة " نيويورك تايمز"، التي نقلت عن أحد كبار المسئولين السابقين في وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA  روبرت باير، أن " جند اللـه" واحد من التنظيمات الإيرانية المعارضة التي تحظى بدعم وكالة المخابرات المركزية من خلال قواعدها الخاصة بها، التي يستغلها أيضًا جنود من قوات العمليات الخاصة الأمريكية في ممارسة  مايسمى بـ" حروب الظل " على إيران، فإن العارفين  لا يشكّون أبدًا  أن إيران، ستظل تواجه المزيد من حركات التمرد على شاكلة ريجي، إذا لم تعمد إلى حل مشكلة القوميات بعيدًا عن النظرة الأمنية الضيقة، والتي تجعل كل من يطالب بحقوقه القومية، في منظومة العملاء والخونة ..والمرتدين..المحاربين للـه وللرسول .

font change