قصة نجود علي تكشف الأوضاع المتردية في اليمن 

قصة نجود علي تكشف الأوضاع المتردية في اليمن 

[escenic_image id="5544189"]

.. تميل التغطية الإعلامية في اليمن إلى التركيز على الصراعات الجارية في البلاد ومن ثم فمن الصعب أن تجد أخبارًا سارة في بلد تمزقه الحرب، ولكن هناك امرأة في اليمن، أو بالأحرى طفلة صغيرة، تصدرت عناوين الصحف العالمية نظرا لشجاعتها.


"نجود علي" هي أول عروس صغيرة في اليمن تطلق زوجها بشكل قانوني. وتصرفها الشجاع هذا لم يمكنها فقط من إنقاذ نفسها، بل إنها أرست بذلك سابقة للعرائس الأخريات من الأطفال للدفاع عن حقوقهن في اليمن. وبالإضافة إلى ذلك، فإن نجود، التي لا يتعدى عمرها العشر سنوات، ألفت كتابًا من أفضل الكتب مبيعًا، على المستوى الدولي، حيث تُرجم كتابها، الذي يحمل عنوان "أنا نجود المطلقة التي لا يتعدى عمرها العشر سنوات"، والذي كتب باللغة العربية، إلى أكثر من 18 لغة. وقد سمح لها هذا النجاح الكبير بأن تصبح العائل الرئيسي لأسرتها. ونتيجة لهذه الإنجازات المبهرة التي حققتها نجود، فقد وصفتها هيلاري كلينتون، بأنها واحدة من أعظم النساء اللاتي شاهدتهن في حياتها على الإطلاق.


وقصة نجود ليست مجرد قصة عروس طفلة ، بل إنها تتعدى ذلك بكثير. فقصتها تعطينا رؤية عميقة عن الممارسات الاجتماعية التي تعوق جهود التنمية في اليمن. فمشكلة العرائس من الأطفال، ومشكلة قمع المرأة بشكل عام في اليمن، تتعدى كونها مجرد اختلاف ثقافي عن الدول الغربية، حيث إن التخلف الموجود في اليمن، هو المسئول إلى حد كبير عن الأنواع العديدة من انعدام الأمن التي اعتاد عليها اليمنيون.

وعلى الرغم من النهاية السعيدة لقصة نجود، فإن طفولتها ستظل تذكرنا بالواقع القاسي الذي تعيشه العديد من الفتيات في اليمن حتى يومنا هذا. فقصة نجود تكتسب أهميتها من كونها سلطت الضوء على مشكلة متفشية في البلاد. كما أنها مهمة من ناحية أخرى، لأنها تحكى قصة شائعة في اليمن، وهى قصة الطفلة العروس. وبالتالي، فإن قصة حياتها من القصص التي تستحق أن تُروى.

إن بداية الكابوس الذي تعيشه معظم الفتيات في اليمن، لا تختلف كثيرًا عن البداية التي بدأت بها قصة نجود. فعندما بلغت نجود التاسعة من عمرها، أخبرتها أسرتها بأنها ستتزوج من رجل يبلغ الثلاثين من العمر، ويعمل كموصل للطلبات، بالرغم من أن والد نجود كان قد سبق وأن وعدها بأنه لن يجعلها تتوقف عن الدراسة في المدرسة وأنه لن يجبرها على الزواج، خاصة وأنها كانت متفوقة في مادتي الرياضيات والقرآن. وعلى الرغم من انبهار نجود في البداية بالهدايا التي تلقتها بمناسبة الزواج، والتي تضمنت فساتين وعطور وحجابين وفرشاة للشعر وخاتمًا، فإنها كانت مستاءة جدًا من فكرة الزواج وترك المدرسة. ولكن تم الزواج في نهاية الأمر، على الرغم من اعتراضها بشكل مستمر.

لقد اتفق والد نجود مع زوجها على أنه رغم أن الزواج سوف يتم، ينبغي ألا يقرب الزوج عروسه حتى تصل إلى السن التي تسمح بالمعاشرة الزوجية، وذلك حسب ما يقضي به النظام القانوني اليمني الذي يتسم بالغموض فيما يتعلق بالعروس التي لا تزال في سن الطفولة، إلا أنه وكما هو الحال بالنسبة لحالات أخرى، لم يلتزم زوج نجود السابق بتلك المتطلبات، حيث قام بمجامعتها بالقوة بشكل يومي وبضربها عندما كانت تحاول الفرار منه.

وزادت مخاوف وبؤس نجود بشكل لا يطاق، وبعد شهرين من زفافها هربت إلى العاصمة اليمنية صنعاء، حيث استقلت الفتاة الصغيرة حافلة ثم تاكسيًا بمفردها متوجهة إلى المحكمة الرئيسية في المدينة، حيث ظلت هناك إلى أن حكم قاض بطلاقها، ورغم صدور ذلك الحكم، وُجه أمر لنجود بأن تدفع لزوجها ما يعادل 200 دولار أمريكي، وهو مبلغ ضخم في اليمن الذي يعيش فيه معظم السكان تحت خط الفقر.

ويعد الفقر هو المتسبب في الكثير من جوانب قصة نجود، إلا أنه لا يبرر أيًا من صور الظلم التي تعانيها النساء أمثال نجود بشكل مستمر، ورغم أنه من أول وهلة، يعد من السهولة بمكان اعتبار قصة نجود قصة عداء للمرأة ومن السهل تصنيف أقاربها من الذكور وزوجها ووالدها على وجه الخصوص، على أنهم خصوم ألداء للمرأة، تعد مشكلة عدم المساواة في اليمن، ومشكلة استغلال فتيات مثل نجود أعقد من ذلك بكثير، وتطال ما أهو أكثر من مجرد الرجلين اللذين تسببا في معاناتها.

كان والد نجود، علي محمد الأهدل، يعمل عامل نظافة في السابق، ولديه 16 ابنًا وابنة وزوجتان، وهو الآن عاطل عن العمل، وقد انتهى الأهدل إلى أن تزويج ابنته التي تبلغ من العمر تسع سنوات حل لمشكلتين من مشكلاته، الأولى مشكلة غياب الأمن، والثانية مشكلة الفقر، فالأهدل كان قد هاجر إلى صنعاء بأسرته للبحث عن عمل بها، لكنه أصبح أكثر فقرًا من ذي قبل، ولعدم قدرته على توفير احتياجات أسرته، اعتبر تزويج ابنته حلًا جزئيًا لمشكلته، حيث إمكانية الحصول على مهر نظير ذلك، وحيث إمكانية التخلص من أحد الأفواه التي تحتاج إلى إطعامها، وربما ما أقنعه للقيام بذلك أن إحدى شقيقات نجود تعرضت بالفعل للاختطاف، وتعرضت أخرى للاغتصاب، وهو ما يعني أن تزويج نجود يمكن أن ينقذها من العار ومن التعرض للاختطاف والاغتصاب مثل الفتيات الأخريات.

إنه في مثل هذه الظروف يمكن أن يقوم بعض اليمنيين بتفسير زواج الأطفال على أنه حل لصور عدم الشعور بالأمن والتي يواجهنها بشكل متكرر، لكن وكما أظهرت نجود للعالم، يزداد غياب الأمن الذي تعانيه الفتيات نتيجة للزواج المبكر بشكل مستمر، واللافت للنظر بدرجة أكبر هو أنه ولأن نهاية قصتها كانت سعيدة حيث انتهاء هذه الزيجة، لم تُظهر تلك القصة مدى التأثير السلبي لتلك الممارسات على هذا البلد الذي يعاني من الانخفاض الشديد في معدلات التنمية ويعاني من النزاعات، وذلك في حالة استمرار الزيجات التي يكون الأطفال طرفًا فيها.

وفي هذا الصدد، يوضح نيكولاس كريستوف في نيويورك تايمز أنه "ليس من قبيل المصادفة أن اليمن مليء بالفتيات اللاتي  يتم تزويجهن وبالإرهابيين  في الوقت ذاته، فالمجتمعات التي تضطهد المرأة تعد عرضة للعنف"، وهذا يمكن أن يكون تفسيرًا شاملًا لتلك المشكلة المعقدة، خاصة وأن مختلف منظمات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية تؤيد هذه الرؤية.

وطبقًا لتلك المنظمات، فإن السبب في إمكانية عدم استقرار الدول ذات المعدلات المرتفعة لزواج الفتيات صغيرات السن، هو أن مثل تلك الظروف تؤدي إلى معدلات مواليد مرتفعة بشكل غير عادي، هو ما يؤدي إلى زيادة كبيرة جدًا في نسبة الشباب بين السكان، حيث يزيد ارتفاع نسبة الذكور بين سن الخامسة عشرة والرابعة والعشرين من احتمالات العنف، وهذا الاحتمال يزيد برجة أكبر في دولة مثل اليمن، حيث النقص الشديد في الفرص الاقتصادية، ففي الواقع يعد 70% من الرجال في تلك المرحلة العمرية عاطلين عن العمل.

ومما يفاقم من الوضع؛ أن ظاهرة تعدد الزوجات وزواج الأطفال في اليمن يعدان عاملين يؤديان إلى معدلات أعلى في وفيات النساء، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة احتمالية أن يكون الرجل بدون زوجة، وهو عامل آخر يزيد من احتمال ميل الرجال إلى المشاركة في النزاعات، حيث يسهل على المتطرفين تجنيد "غير المتزوجين الذين يشعرون الإحباط"، وفي الواقع تؤيد إستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب هذه الرؤية، حيث يتم تشجيع الكثير من المتطرفين الذين تم إبعادهم عن صفوف الإرهابيين على الزواج وعلى إقامة أسر جديدة لمنع عودتهم إلى الجماعات المتعصبة.

لقد كتبت راشيل كوك، في صحفية  الجارديان؛ أن اليمن هو أسوأ مكان في العالم بالنسبة للمرأة، وأوضحت، مستشهدة بتقرير مؤشر التنمية البشرية، أن 71% من النساء في اليمن أميات، مقارنة بنسبة 31% بين الرجال، ونسبة 35% في معظم الدول الشرق أوسطية الأخرى، كما أن هناك إمكانية لوفاة واحدة من بين كل 39 سيدة  أثناء الحمل أو الولادة، ولأن القانون في اليمن لا ينص على حد أدنى لسن الزواج، تعد نسبة أكبر من الفتيات المتزوجات عرضة للوفاة بسبب الحمل والولادة ومضاعفاتهما الصحية.

وتقول شذى نصار، وهي محامية نجود، إن "المرأة اليمنية لا تتمتع سوى بالقليل من الحقوق، بل لا تعرف حتى الحقوق المتاحة لها"، ورغم أن محاولات رفع سن زواج الفتيات في اليمن إلى 18 عامًا مُنيت بالفشل، كان ما قامت به نجود ومحاميتها عامل تشجيع لفتيات صغيرات أخريات للمطالبة بالطلاق، فالنساء من أمثال نجود ومحاميتها قمن بمهمة عظيمة تتمثل في النجاح في فتح الباب للمساواة بين الجنسين في اليمن، فقضيتهما تزيد الوعي بمشكلات زواج الأطفال والمشكلات التي يؤدي إليها قمع المرأة، ليس فقط للمرأة بل لمستقبل اليمن ككل.

font change