البروفسير تشارلز تريب الخبير في سياسة وتاريخ العراق

البروفسير تشارلز تريب الخبير في سياسة وتاريخ العراق

[escenic_image id="5544185"]

 وخلال الحوار، قام تريب بتحليل عدد هائل من القضايا التي من المؤكد أن لها تأثيرًا على سياسة المنطقة .. البروفسير تشارلز تريب، يعمل بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، وهو خبير معروف في مجال سياسة وتاريخ العراق. وباعتباره أحد أعضاء فريق الأكاديميين الذي قدم النصح لرئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، بشأن عواقب الحرب قبل غزو العراق، فإن تريب في موقع فريد يتيح له التعليق على التقصي والاستجواب المستمرين بشأن الحرب. وكتابه الذي تم تحديثه أخيرًا ويحمل عنوان "تاريخ العراق" يعتبره الكثيرون بمثابة عملا مميزا في تناول هذا الموضوع.

  

المجلة: الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، امتدح الانتخابات التي أُجريت هذا الشهر في العراق معتبرًا إياها "نقطة تحول". هل تتفقون معه في موقفه هذا؟

 ـ في الحقيقة هذا يتوقف على نتيجة الانتخابات. فانتخابات عام 2005، وُصفت بأنها نقطة تحول أو نقلة نوعية بسبب الطريقة التي صوّت بها العراقيون، لكن الآثار المترتبة عليها كانت سيئة. ويرجع ذلك جزئيًا إلى مقاطعة طائفة كاملة من العراقيين للإنتخابات. وكان الشعور السائد لدى العراقيين آنذاك أنه مهما كانت نتيجة الانتخابات، فإنها سوف تكون أقل تمثيلاً مما ينبغي. وفي الانتخابات السابقة، بالرغم من تصويت عدد أقل من العراقيين، فإنها مثلت جميع أطياف الشعب العراقي. لذلك فإنني من هذا المنطلق آمل أن تكون الانتخابات التي أجريت أخيرًا نقطة تحول.

 

المجلة: بالرغم من تحسن الأوضاع الأمنية، كانت نسبة الإقبال على الانتخابات أقل إذا ما قورنت بانتخابات عام 2005، فما تفسيركم لذلك؟

ـ انخفاض نسبة الإقبال على الانتخابات يرتبط بسجل إنجازات البرلمان السابق والمجالس المحلية. فالناس لا يقبلون على التصويت إذا شعروا بأن التصويت لا يعني الكثير بالنسبة لهم. أعتقد أن الناس أقبلوا على التصويت في عام 2005، لإظهار التحدي للنظام القديم وتحدي الإرهاب. والأرجح أن العراقيين لا يقبلون على الانتخابات الآن لنفس الأسباب التي تجعل الشعوب الأخرى تحجم عن التصويت؛ إنهم يشعرون بأن الناس الذين انتخبوهم في الماضي لم يفعلوا من أجلهم الكثير.

 

المجلة: على النقيض من ارتفاع نسبة الإقبال العام، كانت مشاركة السُنة في الانتخابات أعلى بكثير مقارنة بانتخابات عام 2005، فما تفسيركم لذلك؟

ـ إنني على يقين من أن هذا له علاقة بحقيقة أن السنة قاطعوا انتخابات 2005، بشكل عام. وهم يشعرون الآن أنه يتعين عليهم أن يجعلوا أصواتهم مؤثرة. ومن المؤكد أن بمقدورهم التأثير على من يتولى زمام الأمور، أعتقد أن مشاعر العجز كانت تمثل مشكلة حقيقية في السابق. لذلك، أرى أن السنة لديهم دافع أكبر للإقبال على التصويت.

 

المجلة: بخلاف المالكي، من هم اللاعبون الرئيسيون في العراق اليوم؟

ـ من الواضح أن اللاعبين الرئيسيين هم قادة الائتلافات الرئيسية. أعتقد أنه في فترة حكم صدام حسين يمكننا القول؛ إنه كانت هناك دائمًا دولةُ ظلٍّ وراء الدولة المعلنة، واعتقد أن الوضع لا يزال على هذه الحال.

 

المجلة: إذن من هم وسطاء السلطة الحقيقيون في المعارضة الوطنية؟

ـ هناك أناس يسعدهم استخدام العنف إذا لزم الأمر، ونحن لا نعرف من هم هؤلاء لأنهم أشخاص غامضون. من الواضح أن هناك قادة في المجتمع العراقي يرأسون الائتلافات، لكن هناك أشخاصًا يمكن أن يزيدوا الحياة صعوبة. وهؤلاء ينبغي أن يتم أخذهم في الحسبان على مستوى أكثر محلية.

 

المجلة: هل تعتقد أن استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية سوف يتوقف في العراق؟

ـ ربما يعتقد البعض أنه في ظل الظروف الحالية، أصبح من غير المجدي كثيرًا استخدام العنف. والكثيرمن الناس يرون سبلًا أخرى للوصول إلى السلطة بدلًا من اللجوء إلى العنف، لكن وللأسف الشديد في ظل الظروف الحالية، لا يزال العنف قوة وأداة فاعلة جدًا.

 

المجلة: بالإضافة إلى طول فترة تشكيل الائتلاف، في رأيكم ما التحديات الرئيسية التي ستواجه الحكومة العراقية الجديدة بعد تشكيلها؟

ـ بالطبع تعد قضية كردستان من أهم التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة. والسؤال المطروح بقوة هو: كيف تستطيع الحكومة الجديدة احتواء الأكراد ودمج المنطقة الكردية في العراق من جديد؟ وبخلاف الصراعات الأخرى، ينبغي ضمان عدم نشوب حرب في كردستان. أما القضية الأخرى فتتمثل ببساطة فيما إذا كانت الحكومة الجديدة ستصبح قادرة على توفير الموارد الأساسية للشعب العراقي ؛ فلا تزال هناك معاناة في الخدمات العامة مثل الصرف الصحي والمياه والكهرباء. والشعور السائد بين الكثير من العراقيين أن قادتهم يتجاهلونهم.

 

أعتقد أن معظم الناس الذين يحتالون من أجل الوصول إلى مناصب السلطة ورئاسة الأحزاب هم أناس أبعد ما يكون عن الشعب العراقي. والواضح أن هناك قلقًا بشأن سجل الإنجازات التي سيتمكن البرلمان والحكومة الجديدة من تحقيقها فيما يتعلق بالرفاهية العامة.

 

المجلة: ما التداعيات المحتملة للنتائج الانتخابية بالنسبة لعلاقات العراق مع جيرانه مثل سوريا والمملكة العربية السعودية؟

ـ سوف تحرص أي حكومة عراقية جديدة على إقامة علاقات جيدة مع جيرانها. بيد أنه من بين المشكلات التي تواجه العراق؛ أن الكثيرين يعتبرون هذا البلد بمثابة مسرح للقوى الإقليمية.. إنني أرى أن من أكبر التحديات التي تنتظر الحكومة العراقية الجديدة. كيف ستحتفظ تلك الحكومة بالسيادة وتنفذ سياسة وطنية في الوقت الذي ترغب فيه قوى إقليمية في التدخل وتشجيع بعض خصومها؟

 

المجلة: ما تصوركم لتطورعلاقات العراق مع إيران مع تكوين الحكومة الجديدة؟

ـ بغض النظر عن نوعية الائتلاف الذي سوف يكون محصلة هذه المساومات، لن يستطيع هذا الائتلاف تحمل النظر إليه على أنه تابع لإيران، فكل من المالكي في وضعه الجديد وعلاوي والصدر، ليسوا تابعين لإيران، وفي الواقع يعدون جميعًا وطنيين عراقيين فيما يتعلق بالكثير المناحي، ويمكن القول إن من مصلحتهم جميعًا أن ينأوا بأنفسهم عن إيران، ليس معنى هذا معاداتها، لكن معناه الوعي بأن مصداقيتهم وسلطتهم سوف تتداعى إذا تم النظر إليهم على أنهم قريبون جدًا من إيران.

 

المجلة: ما رؤيتكم فيما يتعلق بالتأثير المحتمل لانسحاب القوات الأمريكية من العراق في أغسطس/آب؟

ـ يرى الكثير من السياسيين العراقيين أن المهم هو أن تكون القوات العراقية قادرة على القيام بمهمة حفظ الأمن، وهو ما يبدو أن القوات العراقية تقوم به الآن بطريقتها الخاصة، فالمهم هو إظهار أن القوات العراقية لا تعتمد بشكل كامل على الأمريكيين وهناك عامل قلق فيما يتعلق بما إذا كان انسحاب الأمريكيين سوف يجعل الأكراد أكثر حدة، وهو ما سوف يزيد من حدة مشكلة كبرى أخرى، هي مستقبل كردستان العراق.

 

المجلة: ما رؤيتكم فيما يتعلق بمستقبل كردستان العراق؟

ـ أعتقد أنه مستقبل غير مؤكد بدرجة كبيرة، فهناك جيل شاب من الأكراد لا يتحدث العربية ولا يعتبر العراق جزءًا من حياته، لكن في نفس الوقت هناك سياسيون أكبر سنًا يعون جيدًا أن الاتجاه نحو الاستقلال سوف تكون عواقبه وخيمة، وهناك أيضًا مسألة ما إذا كان أتباع برزاني أو طلباني سوف تكون لديهم سلطة التعامل مع التوتر الواضح الذي قد يقع في كردستان إذا بدأت الحكومة العراقية في القيام باعتداءات على الإقليم، فهناك الكثير من النقاط الخلافية، منها وضع كركوك ووضع مدينة الموصل ومحافظة الموصل، ومسألة التعاقدات النفطية والمسألة السكانية، وقضية نوعية التوازن الذي يجب أن يكون قائمًا بين المنطقة الكردية في العراق وبين العراق بشكله الأوسع، ومن الممكن أن يتوصلوا إلى حل فيما يتعلق بهذه الأمور، لكن هناك الكثير من البؤر المحتملة العنف.

 

المجلة: مَن الأقدر في رأيكم على الحد من تلك البؤر للعنف؟

ـ سوف يتحتم أن تقوم القيادات الكردية بذلك، لأنه سوف يكون عليها السيطرة على مناطقها، وإذا اختارت القيادات الكردية اللعب بالورقة القومية بشكل قوي، فإن ذلك يحدث عندما يشعر أتباع طالباني بأنهم مهددون من حركة التغيير الديمقراطي وحركة الإصلاح، وذلك فيما يتعلق بالسياسة في كردستان، وفي هذه الحالة سوف يكون هناك خطر أن يميل الناس إلى المبالغة في أخذ حقوقهم بأيديهم، خاصة عندما يشعرون بأنهم مهددون أو أن وضعهم عرضة للتهديد.

 

إلا أنه يمكن الجدل أيضًا بأن هناك سياسيين عراقيين مثل علاوي وربما المالكي لديهم اهتمام أكبر باللعب بالورقة القومية العراقية، وسوف يكون هناك خطر إذا اعتقدوا أن مصلحتهم تتحقق بشكل أفضل باللعب بورقة القومية العربية، لكن على المستوى البراجماتي، يمكن القول: إن القيادات الكردية والقيادات العلمانية العراقية لديها مصلحة في كبح التوترات، ومن ناحية أخرى تتسم القيادات على الجانبين بالطموح وتشعر بعدم الأمان ..

 

المجلة: لقد زعم وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند، أن دور بريطانيا في العراق أتى لها بالاحترام في الشرق الأوسط، فهل تعتقدون أنه يمكن تقديم ما يبرر هذا الرأي؟

ـ أعتقد أن مثل هذا السؤال يجب أن يوجه لشعوب دول الشرق الأوسط، ومن المؤكد أن ميليباند يقول هذا لأنه أيّد الحرب، لكن رد الفعل في الكثير من المناطق في الشرق الأوسط هو أن بريطانيا كانت تابعة للولايات المتحدة، وأن البريطانيين لم يكونوا سوى دمية في أيدي الأمريكيين، وأنا أعتقد بالفعل أن هناك خيبة أمل في الشرق الأوسط تجاه ما يتم وصفه بـ "الخبرة البريطانية" الجيدة بشئون الشرق الأوسط، حيث إنها لم تكن ذات جدوى في إدارتهم لشئون العراق.

 

المجلة: ما رأيكم في مجريات التحقيق البريطاني في حرب العراق حتى الآن؟

ـ  ما أنجز حتى الآن هو توفير منبر عام للحديث عن أشياء يعرفها الناس بالفعل، ولا أعتقد أن التحقيق كشف عن أي شيء مهم حتى الآن، وبالطبع لم يكن هذا هو المستهدف من التحقيق، فقد كان من المفترض، على سبيل المثال، قيام التحقيق بتوضيح كيف يمكن أن تتعلم المؤسسة السياسية البريطانية دروسًا من خبرة التدخل في العراق، والمشكلة هي أن التحقيق يُنظر إليه من الجماهير بشكل مختلف تمامًا، فالواضح أن الكثير من الانتقاد الذي وجه للتحقيق انصب على ضعف جانب الاستجواب القضائي فيه، لكن فريق التحقيق قال مرات عديدة: "إن هذا لا يدخل في نطاق التحقيق"، وتم إلى حد ما إسقاط أسئلة كان يمكن أن تكشف عن أشياء مهمة، لذا أعتقد أن إحدى المشكلات فيما يتعلق بنتائج التحقيق أن الناس سوف يعتبرونها غير ذات أهمية ..

 

المجلة: لقد برر توني بلير غزو العراق أمام لجنة التحقيق بالإطاحة بصدام حسين، فهل تتفقون أم تختلفون مع هذا الرأي، بأن الغاية تبرر الوسيلة؟

ـ لقد تحققت الغاية سريعًا بالإطاحة بالديكتاتور، لكن المشكلة هي أن مئات الآلاف من الأشخاص قتلوا، وكانت الغاية مروعة، فهل تلك الغاية مبررة إذا وضع في الاعتبار تسببها في الدمار وفي مقتل مئات الآلاف من العراقيين؟ قد تكون هناك مبررات لذلك، لأنه كلما سئل توني بلير عن ذلك، كان يقول إن صدام حسين قتل مئات الآلاف من العراقيين، وقد قام صدام بالفعل بذلك، وهذا يعني أن هناك تعادلًا بين صورتين للشر يتم في إطارهما تقييم الوضع في ضوء المحصلة المروعة التي تتمثل في عدد القتلى، فلو أن صدام استمر في الحكم، ما حجم مئات الآلاف من العراقيين الذين كان يمكن أن يقتلوا؟ وما حجم مئات الآلاف من العراقيين الذين قتلوا نتيجة للحرب؟ إن مثل هذا السؤال يعد حقل ألغام على المستوى الأخلاقي، وبموجب القانون الدولي ليس من الشرعي القيام بغزو دولة بحجة أن حكومتها لا تحظى بالقبول، وهذا هو ما حدث مع العراق، وفي هذا الإطار لا تعد الحرب مبررة على الإطلاق ..

 

المجلة: وأخيرًا، إذا ما أخذنا في الاعتبار توجيهكم النصح لتوني بلير قبل غزو العراق في عام 2003، في رأيكم، كيف سيتم الحكم على قرار الإطاحة بصدام حسين خلال الـ 20 عامًا القادمة؟

ـ أعتقد أن هذا يتوقف على من يسجلون التاريخ. وبالنسبة لبلير شخصيًا، فإنه يأمل أن يبرئه التاريخ. وأرى أن هناك حقيقة تاريخية مرعبة وهي؛ أنه عادة ما يتلاشى من ذاكرة الناس مقتل مئات الآلاف من الفقراء. لكن هذا لم يتلاش بعد من الذاكرة العراقية، وخلال سنوات عديدة سوف يظل ذلك الأمر عالقًا في أذهانهم حتى وإن كانت العواقب الفعلية المرعبة للحرب سوف تُحفظ في سجلات التاريخ خلال عشرين عامًا. وهناك حقيقة أخرى هي أن بريطانيا وأمريكا وغيرهما لديهم القدرة على الإفلات من العقاب على غزوهم دولة أخرى فقط لمجرد أنهم لم يحبوا حكومتها، وهو اتجاه في غاية الخطورة، وستكون له تداعيات خطيرة مستقبلًا حال استمراره.

font change