غياب التغطية الإعلامية جعل الصومال بقعة منسية

غياب التغطية الإعلامية جعل الصومال بقعة منسية

[escenic_image id="5530670"]

تحدث رئيس الحكومة الانتقالية في الصومال أخيرًا، شيخ شريف شيخ أحمد، في لقاء نظمته مؤسسة تشاتام هاوس، وهى مؤسسة بحثية يقع مقرها الرئيسي في لندن، مجيبًا عن سؤال وجه له حول المجالات المحددة في الاقتصاد الصومالي ـ التي تعد مناسبة للتعاون مع الشركات الأجنبيةـ قائلا: "إن الصومال لديها ثروة حيوانية وسمكية كبيرة، بالإضافة إلى الكثير من الجمال". كما أضاف الرئيس مازحًا "لدينا العديد من الماعز والأغنام، وإن كنت لا أعرف عددها بالضبط، ولكن الأهم من ذلك أن 75 ٪ من الأراضي الصومالية صالحة للزراعة". والجانب الجيد في هذا الأمر هو أن الصومال تملك موارد طبيعية، أما الجانب السيئ، فهو أن الرئيس لم يكن قادرًا على تحديد قطاع معين في الاقتصاد مناسب للاستثمار الأجنبي، وذلك يعود ببساطة لعدم وجود قطاع مناسب - من الناحية القانونية والشرعية على الأقل.

والوضع في الصومال أسوأ كثيرًا، بجميع المقاييس، مما هو عليه في العراق أو أفغانستان. ولكنها تعتبر أقل أهمية من الناحية الإستراتيجية. فأحد الاتجاهات القوية التي يمكن أن نستشفها، من خلال مجموعة من مقالات الرأي التي نشرت في مجلة "المجلة" في الأشهر القليلة الماضية، هي كيف تلعب التغطية الإعلامية دورًا مهمًا في تحديد الأهمية السياسية، حيث  كتب مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، الذي يقع في واشنطن العاصمة، الدكتور جون الترمان، في مقال نشر له في مجلة "المجلة" في أكتوبر/تشرين أول 2009، قائلا "من الصعب أن تكسب حربًا لا أحد يعرف أنك تخوضها". والحرب التي يشير إليها الدكتور الترمان هي حرب العراق، وكيف أدى حدوث أزمة في تمويل وكالات الأنباء، بالإضافة إلى زهد الجمهور في متابعة التطورات في العراق، إلى غياب التغطية الإعلامية هناك، كما أن واحدة من النتائج السلبية التي يتسبب فيها ما يعرف بـ "تأثير سي إن إن"، وهى دورة إخبارية تسلط الضوء على قضايا سياسية لم يكن يلاحظها أحد لولا هذه الدورة، هي أنه إذا لم تكن هناك تغطية إعلامية لحدث معين، فإن هذا الحدث يفقد أهميته بالكلية.

وبالعودة إلى خطاب شيخ شريف أحمد، سنلاحظ أن عنوان خطاب الرئيس كان " مفترق طرق الذي تقف فيه الصومال، وواجب المجتمع الدولي تجاهه". فهذا العنوان يعبر عن مدى السوء الذي وصلت إليه الأوضاع في الصومال، ومدى حاجة الحكومة الصومالية إلى المساعدة الخارجية، بكل أنواعها. والرسالة الأساسية الموجودة في هذا الخطاب، هي أن مطالبة الصومال بالتعامل مع مشكلة التطرف بمفردها، مطلب غير عادل، بالإضافة إلى كونه مطلبًا غير واقعي. كما شدد الخطاب على حاجة الصومال الملحة للمساعدة الإنسانية، وقد بينت الأسئلة التي وجهت للرئيس الصومالي، خلال اللقاء، مدى التدهور الحادث في الوضع الأمني في العاصمة مقديشو، حيث وجه مواطن صومالي سؤالا إلى الرئيس قائلا :"لماذا تظل الطائرة الرئاسية مستهدفة دائمًا من قبل متشددين مسلحين بقذائف الهاون، في كل مرة تذهبون فيها في رحلة رئاسية في الخارج"؟

ولا أحد، باستثناء تنظيم القاعدة، يرغب في رؤية الصومال دولة ضعيفة. بل إن جيرانها أنفسهم، مثل إثيوبيا وكينيا، لا يرغبون في ذلك. ولكن مع ذلك فإن هذه الرغبة لم تترجم إلى جهود موحدة لمنع البلاد من الانهيار. فالجهود المبذولة أخيرًا، من قبل الولايات المتحدة وإثيوبيا والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، كانت كلها جهودًا محدودة من ناحية النطاق والمدة الزمنية. ولا يصل إلى الصومال اليوم سوى القليل من المساعدات، بينما لا تصل أي مساعدات تقريبًا إلى المواطن الصومالي العادي، وكما ذكرت أخيرًا صحيفة نيويورك تايمز، فهناك تقرير سيتم رفعه في الأيام القليلة المقبلة لمجلس الأمن الدولي، يوضح أن نحو 50 ٪ من المساعدات الغذائية يتم نهبها وبيعها لجهات غير مشروعة، تشمل المتشددين. والسيناريو الذي يطرحه التقريرـ شديد التجهم بمكان ـ بحيث يوصي التقرير مجلس الأمن الدولي بتعليق كل جهود الإغاثة التابعة للأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي. وبالإضافة إلى الفساد فيما يتعلق بالمساعدات، يتهم التقرير السلطات الصومالية بالتعاون مع القراصنة وبيع تأشيرات دبلوماسية للقراصنة والمسلحين للقيام برحلات إلى أوروبا. وقد تم توسيع نطاق التحقيقات التي يجريها مجلس الأمن الدولي لتعقب انتهاكات حظر تداول السلاح المفروض على الصومال من قبل الأمم المتحدة، ليشمل تعقب أي تهديد للاستقرار والأمن في الصومال. ومن ضمن الحالات الواردة في التقرير، حالة اختفاء شحنة كاملة من المواد الغذائية، حيث قام المقاول نفسه بترتيب عملية سرقة الشاحنات الخاصة به، والتي كانت تحمل الشحنة، وبيع ما تحويه من أغذية.

ومع توجه اهتمام المجتمع الدولي ناحية قضايا أخرى في أماكن أخرى من العالم، لا يتم بذل جهد كبير للتصدي لحالة الفوضى الناجمة عن انهيار الدولة الصومالية؛ فالأمم المتحدة تنظر حاليًا في مسألة تعليق جهود الإغاثة الغذائية، والولايات المتحدة – نظرًا للقضايا العديدة التي تستنزف طاقتها – لا تقوم سوى بعمليات محدودة لمكافحة الإرهاب في المنطقة، بينما يقوم الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بدوريات أمنية لمحاربة القرصنة البحرية، ولكن رقعة المياه الواسعة المطلوب من هذه الدوريات تغطيتها، تجعلها غير فعالة. وفى نهاية المطاف، فإن كل هذه الجهود لا تسعى سوى إلى احتواء الفوضى الناشئة عن انهيار الدولة الصومالية، دون أن تحاول معالجة الأسباب الحقيقية للمشكلة. ومن المؤكد أنه بدون الدعم الدولي اللازم لتوفير الحد الأدنى من الأمن للحكومة ولخلق حياة طبيعية، فإن الأمور ستزداد سوءًا، بشكل أكبر بكثير مما هي عليه الآن. وكما يقول شيخ شريف أحمد: "ما أسهل أن نذكر المناطق التي لا تحتاج لمساعدة في الصومال، من أن نذكر تلك التي بحاجة ماسة إلى المساعدة".

font change