حرمان الأكراد السوريين من حقوقهم.. الحقوق الكردية السياسية والثقافية في سوريا

حرمان الأكراد السوريين من حقوقهم.. الحقوق الكردية السياسية والثقافية في سوريا

[escenic_image id="5531990"]

يشكل الأكراد نحو عشرة في المائة من إجمالي عدد سكان سوريا البالغ عددهم 20 مليون نسمة. لكنهم حسب تقرير منظمة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش)، والذي يتكون من 63 صفحة يتعرضون لتمييز تحت حكم الحكومة السورية ويعانون من ضغوط شديدة إلي درجة أنك إذا استخدمت كلمة "سباس" (والتي تعني شكرًا باللغة الكردية) عندما تمد يدك لأخذ كوب شاي من أحد الأكراد في دمشق، فإنك ستلمس علامات التعجب والدهشة والسرور في عينيه.. 
التقرير الذي صدر تحت عنوان "الأكراد السوريون" ركز تحديدًا على الظلم الذي يتعرض له هؤلاء الأكراد في المجالات السياسية والثقافية في الوقت الذي لا تسلط فيه وسائل الإعلام الكثير من الضوء على مصير الأكراد السوريين في حين تغطي عناوينها الرئيسية أخبار مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تركيا والأكراد في كردستان العراق، الذي يخضع للحكم الذاتي، ولكن تقرير هيومان رايتس ووتش عمد إلى توصيل أصوات أكراد سوريا الذين لم يظهروا استعدادًا كبيرًا للقتال من أجل حقوق الأقليات ولكن مشاكلهم لا حصر لها. ويقدم التقرير رؤية شخصية حول تهميش الأكراد من خلال شهادات الناشطين الأكراد وأفراد أسرهم ونشطاء حقوق الإنسان المحليين. والتقرير يهدف إلى تقديم أدلة ورفع مستوى الوعي بالظلم الذي يعانونه والسجن وفي بعض الأحيان التعذيب بل وحتى القتل على يد السلطات السورية.

التقرير يرصد تطور التجربة الكردية في سوريا منذ منتصف القرن العشرين، ويسرد الأحداث التي وقعت بعد عام 2004، حيث شهدت هذه السنة اشتباكات مع قوات الأمن السورية في مباراة لكرة القدم، مما أسفر عن مقتل مشجعين من الأكراد. وبذلك ظهرت على السطح مشكلات معاناة الأكراد التي ظلت طويلا في الظل.. و خرج الأكراد إلى الشوارع في مظاهرات واسعة النطاق ضد الاضطهاد الذي يعانون منه في ظل النظام السوري. وأسفر ذلك عن مصرع 36 شخصًا، معظمهم من الأكراد واعتقال أكثر من ألفين آخرين. وهنا شعرت الحكومة السورية بتزايد الخطر الكردي، فقررت تضييق الخناق على أي أنشطة تخدم الثقافة الكردية، وكذلك أي أنشطة للمشاركة السياسية الكردية. ويعطي التقرير وثائق تنقل لنا جهود الحكومة السورية لفرض حظر على جميع الاحتفالات الكردية وسحق جميع الفعاليات والتظاهرات التي تهدف لتعزيز حقوق الأكراد.

يعيش الأكراد السوريون أساسًا في الأجزاء الشمالية والشرقية من البلاد على طول الحدود مع تركيا والعراق. وعلى عكس نظرائهم الأتراك والعراقيين، لا تطالب أحزاب الأكراد السورية بالاستقلال والانفصال عن سوريا. فالناشطون الأكراد من السوريين يتبعون منهجًا أكثر مرونة ولينًا. فتظاهراتهم سلمية وهم يطالبون فقط بالاعتراف بهم ومنحهم نفس الحقوق في مجال حرية التعبير الثقافي والسياسي. إلا أن هذه الاحتجاجات السلمية قوبلت بعنف شديد من السلطات السورية. حيث تم وقف الاحتفالات بالعام الكردي الجديد 'نوروز' لعدة سنوات على التوالي. وتوصلت هيومان رايتس ووتش إلى أن السلطات السورية أوقفت  14 احتفالية ثقافية وسياسية كردية منذ عام 2005، بالرغم من أن هذه الاحتفالات لا تشكل أي تهديد لاستقرار سوريا، وهي مجرد تعبير عن التراث الكردي.

والناشطون الرئيسيون من الأكراد السوريين مدرجون في الأحزاب التي تدافع عن حقوق الأقلية الكردية. وكشف التقرير أن قادة بارزين من مختلف الأحزاب الكردية لم يعد لديهم حصانة من الملاحقة والاعتقال.. وتم القبض على أكثر من عشرة من كبار الشخصيات الذين ينتمون إلى أحزاب كردية تقاتل من أجل الحريات منذ عام 2005.

ويكشف التقرير القمع الذي تمارسه الحكومة السورية على جميع سكانها. فالنظام السياسي السوري لا يتيح أي مساحة لانتقاد حزب البعث الحاكم. وقانون الطوارئ المعمول به منذ عام 1963، يعلق الحريات الأساسية من خلال حظر أي شكل من أشكال المعارضة للحكومة. وهناك أحكام قانون العقوبات التي تتعامل مع "أي تجمع لأكثر من سبعة أشخاص بهدف الاحتجاج على قرار أو تدبير اتخذته السلطات العامة" على أنه من أعمال الشغب التي يُعاقَب عليها بالسجن".

وأجرت هيومن رايتس ووتش حوارًا مع عدد يقترب من نصف عدد المعتقلين السابقين بقليل فأكدوا أنهم تعرضوا للتعذيب على أيدي قوات الأمن السورية. ويتضمن التقرير معلومات عن الأجهزة الأمنية السورية المعنية باعتقال وتعذيب النشطاء. وأورد التقرير أماكن وأسماء المجموعات الأمنية المختلفة المتورطة في عمليات الاعتقال والتعذيب مما سلط بعض الضوء على العالم الضبابي لوكالات الاستخبارات السورية. وترسم روايات هؤلاء السجناء صورة قاتمة لحقوق الإنسان داخل جدران السجون في سوريا. فكل المعتقلين السابقين وعددهم 30 حُرموا من الاتصال بالعالم الخارجي عندما تم إلقاؤهم في السجن. والانتهاكات التي تعرضوا لها عبارة عن  سلسلة من الأهوال تضرب بحقوق الإنسان عرض الحائط وبتصديق من الحكومة السورية. وبجانب التعذيب الجسدي، كان هناك تعذيب نفسي وتهكم وإهانة وعنصرية. يقول أحد المحققين السوريين: "جميع الأكراد خونة وهم بمثابة ضيف ثقيل على سوريا ".

وقد وجهت هيومان رايتس ووتش نداءً إلى المجتمع الدولي لإدانة قمع الأكراد السوريين. وقالت إن  الحكومة السورية وقعت العديد من المعاهدات الدولية التي تصون حقوق الإنسان ولكن من الواضح أنها لا تلتزم بهذه القوانين. ويخلص التقرير إلى أن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ينبغي أن تراقب الحكومة السورية وأن تحملها مسئولية خرق هذه الحقوق.

ومن جوانب تميز التقرير أنه استطاع أن يعرض القضية بعمق، ولكنه اتبع نهجًا ضيق الأفق. فقد كان من المفيد أن يسرد المزيد من التفاصيل عن التمييز الذي يواجهه الأكراد في حياتهم اليومية وفي أماكن العمل وفي السوق وليس فقط في المجالات العامة مثل الثقافة أو المعارضة، وركزت قنوات الدراسة فقط على هؤلاء الأكراد الذين يناضلون من أجل حقوقهم. ومع ذلك، من الواضح أن الكاتب قد اختار ما سيركز عليه ولم يكن لديه نية في تقديم تحقيقات شاملة عن الحقوق الكردية في سوريا.

ولا يمكن تجنب هذا النهج ضيق الأفق، وهو يسير جنبا إلى جنب مع المشكلة التي تأتي مع إجراء البحوث في دولة استبدادية. ومن جانبها، قامت الحكومة السورية بمنع هيومان رايتس ووتش من إجراء المزيد من  البحوث داخل البلاد. والأدلة التي تم جمعها في هذه الدراسة، تغطي فقط حالات فردية، ومعظم هذه المعلومات تم جمعها من خلال حوارات هاتفية. وليس هناك الكثير من الأدلة الملموسة التي قدمتها الحالات التي تمت دراستها. والأدلة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان لن تكون كافية كما يوضح هذا التقرير لإظهار حقيقة الوضع الإنساني السيء للأكراد في سوريا ..

font change