تسوية إيران قد تخرج المالكي وعلاوي من اللعبة

تسوية إيران قد تخرج المالكي وعلاوي من اللعبة


وبعد سنوات من الشقاء وانسداد أفق الحل الوطني الشامل، يجد العراقيون أن خروج العراق من مأزقه لن يكون ممكنًا دون وجود قوى قادرة على صياغة هذا الخيار على أساس شعبي، أي على أساس صياغة أسس جديدة للتعايش التاريخي، يجري من خلالها إسقاط ثقافة المحاصصة الطائفية، وتمكين المجتمع العراقي من العودة إلى مبدأ المواطنة الدستوري. على هذا النحو بدا، أن شعار التغيير كان يلامس وجدان العراقي وعقله.


 بيد أن الجموع التي أقبلت على صناديق الاقتراع، بحماسة وأمل من أجل (حكومة خامسة) قادرة على  تحقيق الانعطافة التاريخية، وكانت تحت تأثير هذا الشعار لوقت طويل، سرعان ما اكتشفت استحالة إنجاز أي تحول حقيقي في هذا الاتجاه تحت ظل الاحتلال.
وقراءة موضوعية ونزيهة لنتائج الانتخابات يجب أن تلاحظ أنها رسمت ملامح الحقبة القادمة وحددت، تقريبًا– مستقبل الشخصيات والقوى المتنافسة، في ضوء عدة حقائق.


أولها : إن معركة التغيير لم تحسم، والقوى التي خاضتها (وبشكل أخص القائمة العراقية بقيادة علاوي) فشلت في تحقيق وعودها بخوض معركة مصير حاسمة. وهذا يعني أنها أخفقت في إنجاز الهدف من معركتها الانتخابية بالصورة التي وعدت بها، وبالتالي؛ فإن العراقيين الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع متحدون الموت، لن يحصلوا على أي انعطافة كبرى في  حياتهم. كما أن القوى التي رفعت هذا الشعار باتت أمام معادلات سياسية جديدة أكثر تعقيدًا.


ويرتبط بهذه الحقيقة أن : الانتخابات أدت فعليًا إلى نوع من تقاسم (تحاصص) جديد بين القوى المتنازعة والمتنافسة، وهذه المرة على أساس جغرافي. وبكلام آخر، سوف تفرض النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات على الطبقة السياسية أن تتجه نحو  خيار (إعادة إنتاج نفسها) لا في الخريطة السياسية، وإنما كذلك في الخريطة الجغرافية. وليس دون معنى أن ائتلافي المالكي والحكيم وحلفائهما تمكنوا من الاحتفاظ بالنفوذ في المناطق الشيعية، بينما انتصر ائتلاف علاوي والبولاني (وزير الداخلية) في المناطق ذات الأغلبية السنية مثل الموصل وديالي وصلاح الدين والأنبار. أما الأكراد، فقد بسطوا نفوذهم رسميًا على كركوك.


الحقيقة الثالثه: إن الصراع الأمريكي- الإيراني في العراق بات يتحكم بصورة وثيقة في قواعد اللعبة السياسية ومسارها، والقوى المتنافسة التي وجدت نفسها في قلب هذا الصراع، سوف تتغذى منه في المرحلة المقبلة وتصبح جزءًا منه؛ بل وقد تغدو تعبيرًا من تعبيراته، وهو ما يعني أن هدف التغيير سوف يصبح ضربًا من الخيال. وحين يستمر الصراع الداخلي كتعبير عن صراع قوى خارجية، فإن الأمل بالتغيير المنشود سوف يتلاشى ويتبدد.


الرابعه:  إن لعبة التسوية التقليدية (التوافق الوطني) والتي طبعت بطابعها كامل الحياة السياسية طوال السنوات المنصرمة من الاحتلال، قد تغيرت هي الأخرى، ولم يعد بالإمكان اعتمادها كإستراتيجية لإيجاد مخرج من الأزمة، وهذا يعني أن التحالفات القادمة بين القوى ستكون نوعًا من إعادة إنتاج (المحاصصة الطائفية) وهذه المرة على أساس مناطق النفوذ الجغرافي. ولذلك، فمن المتوقع أن تتخذ أي تسوية بين  القائمة العراقية والائتلافين الشيعيين (المالكي والحكيم) مثلا، طابع تسوية على أساس مراكز النفوذ الجغرافي الجديد، وليس تسوية على أساس الحجم السياسي، وهذا وضع شبيه ومماثل للحالة في كردستان، فهي لا تقوم على أساس التوافق السياسي التقليدي؛ بل على أساس النفوذ الجغرافي للحزبين الكرديين في كردستان، بوصفه أمرًا واقعًا لا فكاك منه.


حقيقه مهمه خامسه: إن المتغيّر الأهم يكمن في ظهور قوى جديدة، ولدت من (رحم القوى القديمة) وهي قادرة على مواصلة الصراع والتنافس في مناطق النفوذ الجغرافي، مثلا: إن قائمة التغيير التي يقودها القيادي الكردي نوشيروان مصطفى، تستطيع أن تنقل صراعها مع الاتحاد الوطني الكردستاني إلى قلب السليمانية معقل جلال الطالباني، فهي تسيطر تقريبًا على المدينة، بينما سيكتفي الطالباني بنفوذه في الريف الكردي. وإذا ما أضفنا إلى هذه المعادلات الجديدة، حقيقة أن كل القوى العربية (الشيعية والسنية) سوف تطرح مرشحها العربي لرئاسة الجمهورية في إطار مواصلة التنافس على بغداد؛ فإن هذا سيعني ببساطة، أن الأكراد باتوا على أعتاب مرحلة من الصراع المركب، فهم سوف يصارعون المركز على منصب الرئاسة، بينما سيتصارعون فيما بينهم على مراكز النفوذ الجغرافي داخل الإقليم. وهذا يعني أن الانتخابات قادت العراقيين (العرب والأكراد) إلى إعادة صياغة علاقاتهم انطلاقًا من (فيدراليات الأمر الواقع).


  أخر الحقائق : إن أي تسوية بين القوى المنتصرة في هذه الانتخابات لن تكون ممكنة إلا في ظل شروط جديدة. مثلا، لن يوافق ائتلاف دولة القانون وحليفه الائتلاف الوطني، مهما كان الثمن، بإسناد منصب رئيس الوزراء لعلاوي، بينما لن يوافق علاوي وحلفاؤه، ومهما كان الثمن على عودة المالكي رئيسًا للوزراء. وفي هذه الحالة، سوف يكون المخرج الوحيد إيجاد مرشحي تسوية، وإبعاد المالكي وعلاوي نهائيًا  من الساحة السياسيةً. وليس دون معنى أن طهران وقبيل الإعلان عن النتائج الرسمية، سارعت إلى طرح مرشح تسوية هو جعفر باقر الصدر. وهو ابن المرجع الشيعي الصدر، وكان طفلا صغيرًا عندما  قتل والده في نهاية السبعينيات، وتم تهريبه إلى إيران. لقد أدخلت نتائج الانتخابات، العراق في حقبة جديدة من التقسيم. ولنتذكر أن خطة جوزيف بايدن، تربط بين الانسحاب الأمريكي وبين الحرب الطائفية ونشوء الفيدراليات. ترى، هل سيكون من قبيل التشاؤم، القول إن العراق يتجه نحو صراعات عنيفة تؤدي إلى الفيدراليات؟.
تأملوا في النتائج وسترون أن الطوائف أعادت، عبر قواها السياسية، إنتاج المحاصصة، وهذه المرة بنقلها من حيز السياسة إلى حيز الجغرافيا.

font change