ضرب إيران في مقتل

ضرب إيران في مقتل

[escenic_image id="5511133"]

كتب الكثيرون عن مدى فعالية العقوبات الاقتصادية الدولية، فبعد الحرب العالمية الثانية، أدت سياسة التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا إلى زيادة العزل الدولي لذلك النظام العنصري. وبحلول أوائل الستينيات، فرضت الجمعية العمومية، التابعة للأمم المتحدة عقوبات اقتصادية، تتمثل في مقاطعة بضائع جنوب إفريقيا والامتناع عن التصدير لها – إضافة إلى حظر الأسلحة المفروض عليها من قبل مجلس الأمن ضد حكومة جنوب إفريقيا. وأعقب ذلك المزيد من العقوبات في فترة السبعينيات والثمانينيات من الأمم المتحدة والولايات المتحدة ثم المجتمع الاقتصادي الأوروبي و"الكومنولث" والدول الإفريقية المتحررة والبنوك الدولية إضافة إلى حملة ضخمة للتحريض على سحب أموال الاستثمار من جنوب إفريقيا، وقد أدت هذه الضغوط الدولية إضافة إلى زيادة العزلة السياسية والاقتصادية لجنوب إفريقيا إلى نتيجتين؛

أولاهما إصلاح السياسات العنصرية للحزب القومي في البلاد.

 وثانيهما: فتح باب التفاوض مع مجتمع السود وتخليص البلاد من كابوس العنصرية في نهاية المطاف.

وتعد جنوب إفريقيا مثالًا فريدًا من نوعه على الإجماع الدولي فيما يتعلق بتبرير فرض عقوبات أكثر صرامة. وهو أيضًا مثال مميز للعقوبات التي حققت الهدف منها؛ وهو الضغط على حكومة جنوب إفريقيا لتغيير سياستها العنصرية. وبوجه عام، يُعتقد أن العقوبات الاقتصادية يكون لها تأثير سلبي، حيث إنها من المحتمل أن تلحق ضررًا بالسكان المدنيين بدلًا من إلحاق الضرر بالنظام الذي تستهدفه في الأساس. 

 

هناك إجماع في الرأي الآن على أن برنامج إيران النووي ليس مخصصًا للأغراض المدنية وحدها. فقد أصدر أحمدي نجاد أوامره للعلماء الإيرانيين في مجال الطاقة النووية أن يقوموا بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20% وفتح 10 وحدات أخرى للتخصيب إضافة إلى تعزيز نظام الدفاع الجوي. كل هذا لا يدع مجالًا للشك في نوايا إيران الخبيثة. وبما أن الولايات المتحدة هي التي تقود الجهود الرامية إلى فرض نظام جديد من العقوبات على إيران، فإن قرارها يواجه الجدل المعتاد الذي يستند إلى فكرة أن العقوبات لن تجدي وأنها لن تكون فعالة. فالعقوبات ضد إيران تعتبر غير فعالة لأنها تزود النظام الإيراني بحجة أن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة هي المتسببة في الوضع السيئ للبلاد. ومن ثم، فإن إيران تجد تبريرًا لموقف حكومتها العدائي من الولايات المتحدة ورفضها المشاركة في الحوار.

ويثير الادعاء بأن العقوبات ضد إيران لن تحقق أي نتيجة مسألتان في غاية الأهمية:

أولًا: من المهم أن تحديد نوع العقوبات التي نتحدث عنها، والشخص أو الجهة التي سنوقع عليها هذه العقوبات.

وثانيًا: ما الذي تهدف هذه العقوبات إلى تحقيقه. ويبدو أن عصر العقوبات الثقيلة قد انقضى، وأن الحديث الآن يدور حول ما يسمى بـ"العقوبات الذكية"، وهذه العقوبات المحددة تستهدف الأفراد وأعمالهم، خاصة الحرس الثوري الإيراني، الذي يستغل أعضاؤه مناصبهم الكبيرة، حيث أصبحوا يسيطرون على الاقتصاد الإيراني. كما تستهدف وزارة الخزانة الأمريكية أيضًا بشكل خاص الحرس الثوري الإيراني بسبب دعم شركاته لبرنامج الانتشار النووي.

وقد أوضح لي أفشين مولاي، من مؤسسة أمريكا الجديدة، أخيرًا، أنه قد أصبح من الصعب القيام بأعمال تجارية في إيران، وذلك يعود، إلى حد كبير، نتيجة للعقوبات الحالية المفروضة على إيران. وشركات الحرس الثوري الإيراني ليست هي وحدها التي تتعرض لضغوط في إيران. فالمؤسسات التجارية بصفة عامة تواجه الآن صعوبات جمة، خاصة في الحصول على الائتمان اللازم للقيام بالصفقات التجارية الصغيرة أو الكبيرة. كما تباطأ النمو التجاري في إيران بشكل كبير، نتيجة الدور الذي تلعبه العقوبات. وبالنسبة للادعاء القائل بأن الشعب الإيراني سوف يقف على جانب النظام، فإن رجال الأعمال الإيرانيين يدركون تمامًا أن الحكومة هي المخطئة. وبالرغم من أن العقوبات لن تسقط النظام الإيراني، فإن الأمريكيين لا يتوقعون هذه النتيجة. ولكن العقوبات الذكية لن تقف فقط عند حد إلحاق الضرر بالأهداف المقصودة، ولكنها أيضًا توجه رسالة قوية مفادها معارضة نوايا إيران النووية، وبالتالي فهي أداة لا غنى عنها في ممارسة الضغوط الدبلوماسية على إيران.

وكما ذكر لي مولافي "لا تزال نتائج النظام الحالي للعقوبات محدودة. الأفضل هو استهداف النقط، فالنفط هو القطاع الهش بشكل حقيقي، وبما أن الصين هي التي تشتري جانبًا كبيرًا  من النفط الإيراني..فإنها تعد مهمة" فيما يتعلق بفرض العقوبات، وأضاف أن "60% من صادرات إيران من النفط الخام تذهب إلى آسيا"، ولا تكمن أهمية الصين في أنها تعد أكبر ملتقى لصادرات النفط الإيراني فقط، بل هناك أيضًا حقيقة أن إيران تعد في حاجة ماسة لإصلاح بنيتها التحتية النفطية، وإلا خاطرت بفقدان قدرتها على تصدير النفط، والذي يعد شريان الحياة للاقتصاد الإيراني، وقد كتب  "كينيث بولاك" و "راي تاكيه" في مجلة "فورين أفيرز" أنه "بموجب تقديرات شركة النفط الوطنية الإيرانية، هناك حاجة إلى 70 مليار دولار خلال العشر سنوات المقبلة لتحديث البنية التحتية المهللة للبلاد، وتسعى إيران من أجل توفير نحو ثلاثة أرباع هذه الاستثمارات الضخمة عن طريق شركات النفط الأجنبية والأسواق المالية الدولية"، ومنذ ذلك الوقت لم تحقق إيران أي تقدم في هذا التوجه الحاسم.

إذن هل تفيد العقوبات؟ لقد أثبتت العقوبات الذكية ضد إيران جدواها، إلى درجة ما على الأقل، وقد تم إقناع روسيا بأن العقوبات هو المسار الذي يجب اتخاذه، وذلك بعد جولة جديدة من المفاوضات، التي باءت بالفشل، وبعد إعلان نجاد عن تحدٍ جديد تمثل في تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20%، ولكي يتم فرض عزلة اقتصادية عاملة على إيران مثل تلك التي فرضت على جنوب إفريقيا في حقبة الفصل العنصري، يعد من المهم قيام الولايات المتحدة بإقناع الصين بالمشاركة في نظام العقوبات وبالبحث عن مصادر أخرى للنفط، وإمكانات حدوث ذلك ليس قاتمة كما قد يبدو، حيث جاء في تقرير أخير لمجموعة الأزمات الدولية أنه "بينما تقاوم الصين فرض مجلس الأمن لعقوبات أشد على إيران، من المرجح انضمامها لنظام العقوبات، لكنها سوف تسعى إلى تأجيل أو إضعاف الإجراءات التي يرغب فيها الغرب".

font change