تحديات كبرى لا يمكن مواجهتها بمجرد إلقاء خطاب

تحديات كبرى لا يمكن مواجهتها بمجرد إلقاء خطاب

[escenic_image id="5514431"]

خلال الشهر الماضي، مر عام على وصول أوباما إلى سدة الحكم. وكما جرت العادة، قام الجميع - بدءًا من الشعب الأمريكي ووصولًا إلى وسائل الإعلام الدولية - بتقييم أداء أوباما بشأن عدد من القضايا مثل إصلاح نظام الرعاية الصحية والموقف في أفغانستان، ورغم الشعور العام بأن أوباما يواجه بالفعل بعض التحديات الضخمة التي لم يواجهها سابقوه، فإن الجميع متفقون على أنه قد حان الوقت لتتحول كلمات الرئيس الأمريكي إلى أفعال .. فبعدما أعطى هذا الكم الهائل من الوعود، حان وقت التنفيذ.

والأمر المدهش أن موروث فترتي الرئاسة اللتين قضاهما جورج دبليو بوش في البيت الأبيض قد تلاشى من ذاكرة الناس، ويمكن إلقاء اللوم على أوباما، لأنه بالغ في الوعود التي أعطاها بشأن تحقيق تغييرات هائلة ليصطدم بأرض الواقع بعد انتخابه. ومع ذلك، يمكننا القول بأنه لو أن أوباما اعتمد، أثناء حملته الانتخابية، على رسالة أكثر حيطة وحذرًا، وبقدر مفرط من البرجماتية، لما كان تم انتخابه من الأساس.. ورغم أن موروث بوش قد لا يمثل عائقًا سياسيًا في طريق أوباما، خصوصًا في الداخل، فإنه ينبغي على الأقل أن يضع سقفًا لما هو متوقع أن تحققه إدارة أوباما.

  في كلمة تنصيبه، أعطى أوباما رسالة أكثر تحفظًا، فقد سلط الضوء بشكل جيد على السيناريو الداخلي بقوله: "فقد الكثيرون منازلهم وتضاءلت الوظائف وأُغلقت الكثير من الأعمال والمشروعات، ونظام الرعاية الصحية في بلادنا مكلف للغاية.. كما أن مستوى التعليم لا يرقى إلى توقعات الكثيرين، ويحمل كل يوم أدلة جديدة على أن الطرق التي نستغل بها طاقتنا تزيد خصومنا وتهدد كوكبنا".. وعلى الأقل، خلال فترة رئاسته الأولى، سوف تتركز مهمة أوباما في إصلاح ما أفسده أسلافه ليس فقط في الداخل ولكن في الخارج أيضًا.

ومذهب الانفراد بالقرار والاعتقاد بأن الولايات المتحدة يمكن أن تحقق أهدافها سواء بمساعدة حلفائها أو بدون مساعدتهم ومذهب الاستباق كل هذا بدأ في اكتساب زخم خلال الأشهر القليلة الأولى من إدارة بوش.. والنتائج التي أعقبت الهجوم الإرهابي في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول كانت تجسيدًا لهذه الأفكار.

وعقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول بأربع وعشرين ساعة، ولأول مرة في تاريخ حلف شمال الأطلسي، فعَّل الحلفاء المادة رقم 8، فقرة الأمن الجماعي من ميثاق الحلف، في بيان بعث إلى العالم برسالة فحواها "اليوم كلنا أمريكيون".. ونتيجة للخلافات المستعصية التي سبقت غزو العراق، سرعان ما أدرك معظم الشركاء الأوروبيين أنهم لن يظلوا داعمين لأمريكا لوقت طويل، وعلى مدى 60 عامًا لم يحدث أبدًا أن بلغت العلاقة بين دول حلف شمال الأطلسي درجة من السوء كتلك التي شهدتها في السنوات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر/أيلول.

وقاد منطق "أهمية التحالف والتعددية والقوة الناعمة" إلى أسوأ فترة في العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة.. وبوجه خاص كان من الطبيعي أن تُواجَه خطة بناء نظام دفاع صاروخي على الحدود الروسية من قبل الحكومة الروسية، التي اعتبرت هذه الخطة سلوكًا عدائيًا، وأصبحت العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو أشبه بعلاقاتهما خلال الحرب الباردة.

وقد كانت "الحرب على الإرهاب" سببًا في غزوين؛ أولهما غزو أفغانستان بهدف الإطاحة بنظام طالبان وملاحقة أعضاء تنظيم القاعدة وحرمانهم من ملاذهم الآمن، وقد كان هذا الغزو مقبولًا بشكل عام، والثاني هو غزو العراق وكان له تبريرات متشابكة ومربكة، بعضها معلن أكثر من غيرها، وشملت أهداف هذين الغزوين الإطاحة بالديكتاتور صدام حسين وتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط إلى جانب مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب والدفاع عن حقوق الإنسان. وكانت أمريكا تظن أن الديمقراطية وحكم القانون يمكن أن يتم تطبيقهما بسهولة في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام، لكن الذي حدث أن واشنطن تورطت في مهمة مجهولة العواقب وهي بناء الدولة.

  والجانب الذي يجمع بين هذين الغزوين، إضافة إلى كونهما إحدى حلقات مسلسل "الحرب على الإرهاب"، أنه لم تكن هناك خطة متوسطة الأجل. ففي حين أن مسألة بناء دولة سرعان ما أصبحت الهدف في العراق، فإن إدارة بوش استغرقت عدة سنوات لإدراك أنه ينبغي اتباع نفس الطريقة في أفغانستان أيضًا. وهذه العمليات الضخمة من بناء أو إعادة بناء الدول أدت إلى استنزاف الموارد

وصرف الاهتمام بعيدًا عن مشكلات خطيرة أخرى؛ مثل الأزمة المالية التي تجاهلتها القوة السياسية إلى أن فات الأوان.

وبدون القيام بأي محاولات للتقارب مع إيران، سرعان ما أدرجت إدارة بوش إيران على قائمة "محور الشر"، ولم تبرز قضية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أجندة بوش سوى بعد عامين من فترة رئاسته الثانية، ويُعتقد أن ذلك كان بهدف تحسين الإدارة الأمريكية صورتها.

كل هذا ليس أمرًا سهلًا يمكن معالجته بمجرد إلقاء خطاب في القاهرة وآخر في برلين أو القيام بزيارة إلى المملكة العربية السعودية ومحاولة تحسين العلاقات مع الروس، فكما قال أوباما في خطاب تنصيبه: "اليوم أقول لكم إن التحديات التي نواجهها حقيقية، وهي خطيرة وكثيرة. وليس من السهولة مواجهتها كما أنها ستستغرق بعض الوقت.. لكن ينبغي أن تعلموا جميعًا أيها الأمريكيون أننا سنتغلب على هذه الصعاب". فهل أوباما محق فيما قال؟

font change