أمريكا التفتت أخيرًا إلى موطن قيادة طالبان الأفغانية

أمريكا التفتت أخيرًا إلى موطن قيادة طالبان الأفغانية

[escenic_image id="5514431"]

بإلقاء نظرة سريعة على خريطة باكستان، سرعان ما سندرك أن إقليم بلوشستان، وهو أحد الأقاليم الأربعة التي تتكون منها باكستان يمثل نصف مساحة الدولة تقريبًا. وبالرغم من حجمه، لا يُعني الغرب كثيرًا بهذا الإقليم الذي يندر فيه السكان، وهو ما يدعو للدهشة على اعتبار أن كويتا عاصمة هذا الإقليم معروفة جيدًا في الغرب باعتبارها موطن قيادة طالبان الأفغانية، المعروفة بـ "الكويتا شورى" على مدار تسع سنوات تقريبًا. وهذه الحقيقة لا تخفى على المنطقة وما حولها أبدًا، الأمر الذي يطرح سؤالًا عن سبب عدم توسيع نطاق الحرب ضد متمردي طالبان لتشمل بلوشستان.

وتتكون منطقة بلوشستان من أجزاء من إيران وأفغانستان وباكستان، وفكرة الانفصال ظلت مطروحة لوقت طويل في كل من الجزءين الإيراني والباكستاني من بلوشستان.

 وفي الواقع، كان التمرد على السلطة المركزية في إسلام أباد قائمًا منذ استقلال باكستان في عام 1947. واليوم، هناك العديد من الجماعات الانفصالية والوطنية التي تقاتل ضد الحكومة الباكستانية. وأسباب استياء البلوشيين من الحكومات المتعاقبة في إسلام أباد معقدة؛ فمن جهة، لا يريد بعض زعماء القبائل أي تدخل حكومي، حتى إذا كان هذا التدخل يأتي في صورة مشروعات تنمية وتطوير، ومن جهة أخرى ينتقد العديد من الوطنيين البلوشيين الإهمال السياسي والمالي لإسلام أباد. ومن بين أكثر القضايا حساسية توزيع الثروة من حقول الغاز البلوشستية التي تصل بالكاد للسكان المحليين. 

وخلال الحكومة العسكرية بقيادة الرئيس مشرف، كان قمع الوطنيين البلوشيين شديدًا. وكان هناك توقع لتحقيق إنجاز في ظل الحكومة المدنية الحالية في زرداري، والتي استطاعت التوصل إلى اتفاق من أجل وقف إطلاق النار.. ولم يدم وقف إطلاق النار هذا لوقت طويل يكفي لإجراء محادثات بناءة.

أحمد رشيد، مؤلف مشهور، عضو سابق في حرب العصابات في بلوشستان، كتب في صحيفة "نيويورك تايمز" يقول: "يخشى الكثيرون أن تصبح باكستان دولة فاشلة، ومع ذلك فإنه لو كان هناك احتمال ولو بعيدًا بحدوث ذلك فإن هذا لن يكون بسبب طالبان ولكن بسبب أزمة طالما تجاهلها الغرب وهي الحركة الانفصالية في بلوشستان"، وإضافة إلى تحذيراته من إهمال الموقف في بلوشستان، كان رشيد بمثابة صوت قوي في انتقاد الحكومة الباكستانية على عدم التعامل مع خطر متطرفي طالبان في بلوشستان.

وهناك عدة تفسيرات لهذا الموقف السلبي الذي تتخذه السلطات الباكستانية إزاء وجود حركة طالبان الأفغانية في بلوشستان. فأولًا هناك فكرة قديمة لدى قادة الجيش الباكستاني ـ لا يزالون يؤمنون بها حتى اليوم ـ وهى أن بإمكانهم أن يستخدموا طالبان كأداة تساعدهم في حربهم ضد الهند، وكوسيلة لممارسة بعض الضغوط فيما يتعلق بمستقبل أفغانستان. ومن ناحية أخرى فإن هناك خوفًا من أن يؤدي التصدي لحركة طالبان في كويتا إلى حدوث تحالف غير متوقع ومفاجئ بين جماعات البلوش القومية والمسلحين من قبائل البشتون. ونظرًا لأن قيادة حركة طالبان الأفغانية لا تقوم بأي عمليات عسكرية داخل الأراضي الباكستانية أو ضد الحكومة الباكستانية، فإن الحكومة في إسلام أباد لا ترى أنهم يشكلون مصدر تهديد لها، فمصدر التهديد الحقيقي، يكمن في المناطق القبلية، حيث تتمركز مجموعات طالبان العدوانية وتنظيم القاعدة.

وفي عام 2009 اعترفت الحكومة الباكستانية رسميًا فقط بوجود "الكويتا شورى"، وصرح  وزير الدفاع، أحمد مختار، في ديسمبر/كانون أول من العام الماضي إلى قناة "دون نيوز" التليفزيونية الباكستانية أن قوات الأمن الباكستانية قد اشتبكت مع "الكويتا شورى" وألحقت بها أضرارًا بالغة بحيث أصبحت لا تمثل أي تهديد"، ولم يتم بعد رصد الآثار الفعلية التي أحدثها هذا الاشتباك.

وقد لاحظ قادة الولايات المتحدة، منذ وقت طويل، أن كويتا هي القاعدة التي يصدر منها الملا عمر وأعوانه معظم الخطط والقرارات المتعلقة بإستراتيجية طالبان في أفغانستان. وكان هذا واضحًا في تقرير الجنرال ماكريستال في العام الماضي. ولكن مع ذلك فإن العمليات التي تقوم بها الولايات المتحدة في بلوشستان قد اقتصرت على استخدام القواعد العسكرية في المنطقة لأغراض لوجيستية تتعلق بعمليات أمريكا في أفغانستان.

ويبدو أن الولايات المتحدة، وبعد تسع سنوات من الحرب في أفغانستان كانت خلالها كويتا ملاذًا آمنًا لقيادة طالبان، قد تحول اهتمامها إلى هذه المدينة التي تعتبر عاصمة بلوشستان. وقد نقلت صحيفة واشنطن بوست عن السفيرة الأمريكية لدى باكستان آن دبليو باترسون قولها أخيرًا: "في الماضي، ركزنا على تنظيم القاعدة لأنه كان يشكل تهديدًا لنا. وكانت أهمية مجلس الكويتا شورى أقل بالنسبة لنا لأننا لم يكن لدينا قوات في المنطقة، أما الآن فتوجد قواتنا هناك على الجانب الآخر من الحدود، لذا يشغل مجلس "الكويتا شورى" مكانة مرتفعة في اهتمامات واشنطن"، وهناك دليل آخر على هذا الاهتمام الجديد بكويتا وهو النقاش بين المسئولين الأمريكيين حول مواصلة أو عدم مواصلة هجمات الطائرات بدون طيار من المناطق القبلية ذات الإدارة الفيدرالية في بلوشستان.

 ومن الواضح أنه من مصلحة الولايات المتحدة التعامل مع مسألة وجود قيادة طالبان في كويتا، لكن توجيه الانتباه لهذا الهدف جاء متأخرًا جدًا، لكن أراضي بلوشستان تقع ضمن السيادة الباكستانية، وذلك رغم أن باكستان تواجه بعض المشكلات  في ممارسة سيادتها هناك، وسوف يتسبب التدخل الأمريكي المباشر، سواء كان من خلال القوات أو الهجمات الجوية بدون طيار، في ضرر أكثر من النفع، وهذا يصح فيما يتعلق بالآثار الضارة المحتملة للصورة غير الجيدة بالفعل للولايات المتحدة في باكستان، كما يصح بالنسبة للحكومة الباكستانية في حد ذاتها، والتي قد تواجه تمردًا أقوى في بلوشستان كرد فعل على التدخل الأمريكي.

ويجب على الولايات المتحدة أن تسمح لباكستان بالتعامل مع هذه القضية، مع ممارسة بعض الضغوط من خلال القنوات الدبلوماسية السليمة، لكي تضمن أن باكستان سوف تطارد ـ فعلًا ـ الملا عمر وأقرانه، أخيرًا، وفي حالة قيام باكستان بذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تقدم تعهدًا واضحًا لباكستان مضمونه أنها برغم مغادرتها أفغانستان يومًا ما، فإنها لن تتخلى عن المنطقةـ كما فعلت في الماضي.

font change