البروفسير يوجين روجان: رئيس مركز الشرق الأوسط بجامعة أوكسفورد

البروفسير يوجين روجان: رئيس مركز الشرق الأوسط بجامعة أوكسفورد

[escenic_image id="5519563"]

البروفسير يوجين روجان، أستاذ جامعي متخصص في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، وهو أيضًا زميل في كلية سانت أنتوني بجامعة أوكسفورد، حيث يحتل منصب مدير مركز الشرق الأوسط. وقد نشر أخيرًا كتابًا في التاريخ الحديث للعالم العربي نال استحسان النقاد بعنوان "العرب". كما وصفت رابطة دراسات الشرق الأوسط كتابه السابق الذي يحمل عنوان "حدود الدولة في ظل الإمبراطورية العثمانية السابقة" بأنه أفضل كتاب صدر حول منطقة الشرق الأوسط في عام 2000، كما حصل الكتاب أيضًا على جائزة ألبرت حوراني. وفي هذه المقابلة التي أجرتها معه مجلة "المجلة" يقدم البروفسير روجان رؤيته العميقة والمتميزة كمؤرخ حول بعض القضايا الملحة التي تواجه العالم العربي اليوم.

المجلة : ذكرت في كتابك، الأخير أنه لو تم "إجراء انتخابات حرة ونزيهة في العالم العربي اليوم، فإنه من المؤكد أن العناصر الإسلامية ستفوز بأغلبية ساحقة"، هل يمكن أن توضح لنا رأيك في هذا الأمر بشكل أكثر تفصيلًا؟

 ـ أعتقد أن الكثير من دعاة الديمقراطية في الغرب يرون الإسلام والديمقراطية باعتبارهما على طرفي نقيض. فهم يأملون في تعزيز الديمقراطية في المنطقة، معتقدين أن ذلك سيأتي بالليبراليين والعلمانيين إلى السلطة. ولكنني أعتقد أن التاريخ الحديث قد أظهر لنا أنه إذا ما تم إجراء انتخابات حرة في المنطقة، فإن الناخبين سيعطون أصواتهم للأحزاب التي يحمل خطابها الصبغة الإسلامية.

وهذه ليست محاولة للتنبؤ بما يخبئه المستقبل، بقدر ما هي مسألة بحث وقراءة لما حدث في الماضي القريب. فعندما تم إجراء انتخابات حرة ونزيهة في الأردن في عام 1989، حققت جبهة العمل الإسلامي فوزًا كاسحًا. كما حاولت السلطات المصرية بشتى الطرق أن تقضي على شعبية جماعة الإخوان المسلمين، من خلال إجبارهم على خوْض المعارك الانتخابية كمستقلين، ولكنهم بالرغم من ذلك يحققون الفوز في الانتخابات. وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك أمثلة عديدة على شعبية التيار الإسلامي، مثل فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، ونجاح حزب اللـه في استطلاعات الرأي التي أجريت في لبنان.

وهناك أمثلة كثيرة تعزز فرضية انجذاب الناخبين إلى الأحزاب الإسلامية، حيث تتمسك تلك الأحزاب بالقيم الدينية، ولا تكتفي بذلك ولكنها أيضًا تدين التدخل والسيطرة الخارجية. وهذه الرسالة لها صدى طيب لدى الناخبين العرب.

المجلة: هل لذلك الوضع دور في الانتخابات العراقية القادمة؟

ـ العراق يعد بالفعل مثالًا واضحًا على فوز الأحزاب ذات المظهر الإسلامي بالمناصب الرئيسية في الدولة من خلال الانتخابات، والمشكلة الحقيقية التي تحدث في العراق اليوم هي؛ استبعاد المنتمين لحزب البعث، وكيف يتسبب هذا في استعداء شريحة معينة من الناخبين السُّنة. فالصراع الدائر اليوم في العراق هو صراع بين القوميين العلمانيين والأحزاب الإسلامية، وأيضًا صراع حول تطهير العراق من ماضيها البعثي. وشعوري الشخصي هو؛ أن شوكة العلمانيين لا تزال قوية في العراق، ومن الممكن أن يكون رد فعلها عنيفًا إذا ما تم استبعادها من قِبل القوى الإسلامية.

المجلة: كيف ترى القومية العربية اليوم في الشرق الأوسط؟

ـ أعتقد أن القومية العربية قد ظلت تحت الركام لفترة طويلة، بحيث أصبحت على وشك أن تفقد جاذبيتها للأبد. وفي بعض الأحيان ندرك أن فكرة عظيمة قد ماتت من خلال حدوث مجموعة من الأمور الصغيرة. فقد صدمني حقًا ما حدث في مباراة كرة القدم بين الجزائر ومصر. فطوال القرن العشرين، كانت مصر والجزائر تقفان دائمًا جنبًا إلى جنب إزاء الكثير من القضايا السياسية الرئيسية، مثل الوقوف ضد الإمبريالية والحفاظ على المصالح العربية والغايات المشتركة. وهم بتصرفهم هذا أول من أعلن عن موت القومية العربية. وأنا أصدقهم تماما في ذلك.

إن القومية العربية قد قتلت بحثًا وعانت من الانقسام والتمزق والتشرذم حتى أصبح أشد المتحمسين لتأييدها يجدون صعوبة في وضع أجندة سياسيه حقيقية مبنية على الاهتمامات العربية المشتركة. ونجد الدليل على ذلك مرة أخرى في التاريخ الحديث، حيث حطم الغزو العراقي للكويت وحدة الصف العربي تمامًا. ولا يعود هذا فقط لأن العراق قد غزا دولة عربية، ولكن لأن الدول العربية تعاملت مع هذا الحدث بطرق شديدة التباين والاختلاف. كما أن التحالف الذي تقوده أمريكا أدى لإحداث الفرقة والانقسام بين الدول العربية، بحيث أصبح هناك معسكر لحلفاء أمريكا من الدول العربية يضم دولًا عربية ، مما دفع دولًا أخرى إلى الوقوف ضد الدول العربية الأخرى. وقد أدى هذا الانقسام إلى تحطيم القومية العربية تمامًا.

المجلة: هل ترى أي قوة أخرى متماسكة في المنطقة تشجع على وحدة الصف العربي؟

ـ أعتقد أن الإسلام سوف يلعب دائمًا على وتر التعاطف بين المسلمين. وأظن أن المسلمين سوف يكونون مهتمين دائمًا برفاهية بعضهم البعض، لذلك حينما ترى المسلمين يعانون في فلسطين، سوف ينزعج المسلمون في المملكة العربية السعودية أو في سلطنة عمان.. ولا أظن أن الناس في جزء من العالم العربي يشعرون بالارتياح إذا وقع شعب آخر في العالم العربي ضحية أو تم استعماره. ولكن ما حدث فعلا منذ عقد الأربعينيات -  منذ أخرجت حركات الاستقلال العالم العربي الاستعمار، وإلى أن أصبحت دولًا ذات سيادة - تحول الشرق الأوسط إلى منظومة من الدول المستقلة، ولكل منها مصالحها الخاصة. وعلى نحو متزايد، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، تحولت مصالح تلك الدول لتصبح أكثر أهمية من علاقاتها المشتركة. الآن، ربما يكون أكثر صدقًا أن نرى العالم العربي كمجتمع من الدول التي تشترك في لغة وثقافة معينة، ولكن ليس بالضرورة أن تشترك في جدول أعمال سياسي أعم. وأعتقد أن هذا ما ينتظر العالم العربي في القرن الحادي والعشرين.

المجلة: ما مسئولية المستعمرين السابقين في العالم العربي تجاه مستعمراتهم السابقة؟

ـ تُظهر القوى الأوروبية خلال سياساتها أن لديها وعيًا تاريخيًا بالمسئولية تجاه الدول العربية في شرق البحر الأبيض المتوسط. ولا تزال هناك علاقات خاصة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، وبدرجة أقل بين بريطانيا ومستعمراتها السابقة. وسوف يكون من السهل جدًا بالنسبة لبريطانيا وفرنسا اليوم لأن يقولا إن أخطاء الحكومتين الفرنسية والبريطانية منذ 40 إلى 70 عامًا مضت لم تعد مسئوليتهما. ولكني لا أراهما يفعلان ذلك. وربما يرغبان في لعب دور أكبر من الذي تسمح لهما به أهميتهما الجغرافية-الإستراتيجية المحدودة. وربما تود بريطانيا وفرنسا موازنة السياسات الأمريكية التي لا تتفق مع السياسات الأوروبية، ولكنهما تشعران بأنهما مقيدتان حين تواجهان القوة العظمى الحقيقية الأخيرة. كما أنهما لا تتمتعان بالنفوذ لمحاولة صياغة السياسات الأمريكية. إذن بهذه الطريقة، أعتقد أن كلًا من بريطانيا وفرنسا تميلان إلى احترام السياسات الأمريكية بشكل أكبر، وهذا يضع حاجزًا على الفور بينهما وبين المشاركة الفاعلة مع الدول العربية. ولكنني أندهش دائمًا حين تتدخل فرنسا أو بريطانيا في مرات عديدة نيابة عن مستعمراتها السابقة، لذلك أعتقد أن هذا الأمر لا يزال لديه بعض الصدى عند القوى الأوروبية.

المجلة: هل تسعى تركيا لأن يكون لديها نفوذ في المنطقة؟

ـ تعتبر تركيا دولة بالغة الأهمية باعتبارها مفترق طرق بين أوروبا وآسيا. وفق هذا المفهوم، تقع تركيا بين العالم العربي والاتحاد الأوروبي. وأعتقد أنها تلعب دورًا مهمًا جدًا في المنطقة، وتشهد سياساتها تجاه المنطقة بعض التغييرات المهمة جدًا. وتمتعت تركيا دائمًا بعلاقات ودية مع إسرائيل، ولكن هذا يتغير. صحيح أن الدولتين لن تقوما بقطع علاقاتهما ولكنهما تعيدان تشكيل علاقاتهما بطرق تشير إلى أن تركيا تسعى لتوجيه المزيد من التركيز على بناء علاقاتها في العالم العربي ومع إيران. وترسل تركيا إلى إسرائيل رسالة مفادها؛ أن الأمور التي تقوم بها الأخيرة وتهدد مصالح دولة مثل سوريا أو إيران تسبب توترًا في علاقات إسرائيل مع تركيا.

أعتقد أن اللغة والثقافة والتاريخ تمثل حاجزًا حقيقيًا أمام العلاقات القوية بين تركيا والعالم العربي. ولم يتبق لديهم بالفعل سوى ورقة واحدة وهي المصالح الإسلامية المشتركة، والتي سوف تشكل العلاقات مع إيران في حدود معينة، لأن تركيا تمثل قوة سنية، وتعتبر ثقافة إيران الشيعية مختلفة تمامًا. وهناك حدود لمدى تبنِّى تركيا وإيران قضية مشتركة حول القضايا الإسلامية. وبالنسبة لكثير من الدول العربية، رغم أن الأحزاب الإسلامية تحظى بقبول كبير بين الجمهور، لا تزال حكوماتها علمانية جدًا. لذلك لن يرغب السوريون في أن يتخذوا نهجًا إسلاميًا زائدًا في سياساتهم أيضًا. وهم يبحثون عن مزيد من الأسباب الجغرافية- الإستراتيجية لبناء علاقات مع تركيا. وبشكل واضح، هناك تغيرات مهمة في دور تركيا في المنطقة وهى قصة تستحق متابعتها بالتأكيد.

 المجلة: كيف أثرت مبادرات الرئيس أوباما نحو العالم العربي على التحديات التي تواجهها  الولايات المتحدة في التعامل مع المنطقة؟

ـ قطع أوباما أشواطًا مهمة في بداية رئاسته في تغيير السياسات الأمريكية تجاه المنطقة بعيدًا عن "الحرب على الإرهاب" والتي شكلت تعامل بوش مع المنطقة إلى حد كبير. وكان هذا أمرًا ضخمًا، ومن المهم جدًا القول؛ إن كل ما كانت تفعله أمريكا زاد من حدة التوتر في العالم العربي. من خلال تعهداته بإغلاق معتقل جوانتانامو، والدخول في علاقة جديدة مع دول المنطقة على أساس الاحترام المتبادل، وفتح حوار أو نقاش مع الدول التي رفضت أمريكا التعامل معها في الماضي، كان أوباما يخطو خطوات ذات مغزى نحو تقليل التوترات بين الولايات المتحدة والعالم العربي.

وقبيل وصوله إلى القاهرة، قام أوباما بالفعل باتخاذ مبادرات مهمة نحو العالم العربي والرأي العام الإسلامي، وأعتقد أن خطابه في القاهرة زاد التطلعات إلى مستويات لم يسبق لها مثيل بأن أمريكا سوف تعود إلى "دور الوسيط النزيه" والذي لم تسمع عنه العديد من الدول العربية منذ عهد "وودرو ويلسون". فمنذ ذلك الحين، ظهر أوباما بمثابة خيبة أمل كبيرة للمنطقة، لأن فصاحته الجذابة لم تضاهها أفعال على أرض الواقع، وأخشى أن يظل الوضع كذلك في المستقبل المنظور.

لقد خسر أوباما ثلاثة انتخابات منذ فوزه بانتخابات الرئاسة. كانت الأولى الانتخابات الإسرائيلية. فليس هناك شك في أن البيت الأبيض كان يأمل في وجود حزب وسط مثل حزب كاديما برئاسة ليفني، وأن يشكل الحكومة المقبلة في إسرائيل. وكان البيت الأبيض حقق بالفعل تقدمًا في التعامل مع إدارة محمود عباس في محاولة التوصل إلى معايير لاستئناف مفاوضات الأرض مقابل السلام للتوصل إلى تسوية نهائية في مفاوضات السلام. ورأت إدارة أوباما في حكومة برئاسة ليفني إمكانية إحراز تقدم حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبدلا من ذلك، وجدت إدارة أوباما نتنياهو الذي اضطر لإقامة تحالف مع قوى إسرائيلية محافظة جدا، ومن بينهم مؤيدون متحمسون لحركة الاستيطان، وهو ما يعني أن الخط الأحمر الذي وضعه أوباما ليبني مصداقية أمريكا مع العالم العربي، ولكي يجتذب العرب إلى المشاركة الإيجابية مع إسرائيل لم يستطيع الحفاظ عليه. ووضع هذا الأمر حاجزًا في الطريق أمام سياساته العربية-الإسرائيلية.

وكانت الانتخابات الثانية التي خسرها هي إيران. ولا يساورني شك في أن إدارة أوباما اعتقدت أن أحد المرشحين الإصلاحيين سوف يصل إلى السلطة. فقد اعتدنا على رؤية الإيرانيين يقومون باختيارات مفاجئة عند التصويت، وينتخبون إصلاحيين في مواجهة معارضة من المتشددين. ولا يتقن الإيرانيون أبدًا تزوير نتائج الانتخابات، وكانوا فاشلين جدًا في تزوير الانتخابات الأخيرة. وكان هذا يعني أن الأمر لم يقتصر على عودة أحمدي نجاد رئيسًا للبلاد، ولكنه عاد كرئيس فقد مصداقيته. والشيء الوحيد الذي يستطيع فعله ليكسب تأييدًا شعبيًا في إيران هو؛ الوقوف أمام الضغوط الخارجية على القضية النووية. وفي كل مرة يثير القضية النووية، يبعد أكثر الاحتمال بأن تمتثل إيران لمعاهدة عدم الانتشار النووي، مما يقوِّض موقف أمريكا أيضًا مع إسرائيل حين يحاول إقناعهم بالحضور إلى طاولة المفاوضات. ولا تزال أولوية إسرائيل الأولى هي الأمن في مواجهة إيران.

كما أن أوباما خسر انتخابات ثالثة في ولاية ماساشوستس. فعندما فاز براون بمقعد مجلس الشيوخ عن الجمهوريين، كان هذا يعني أن أوباما لن يستطيع النجاح في مجال الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وهى أهم قضية داخلية لديه. وقد غيّر هذا الأمر خطط إدارة أوباما تمامًا في عامها الثاني في السلطة. ويتعين على أوباما الآن في الفترة ما بين يناير/كانون ثان، نوفمبر/تشرين ثان، إقناع الناخبين الأمريكيين بأن الديمقراطيين، في الكونجرس وفي البيت الأبيض على حد سواء، يستطيعون تحقيق مزايا للشعب الأمريكي في الاقتصاد. وإذا استطاع أوباما تحقيق بعض المكاسب في مجال الرعاية الصحية فأشعر أنه ربما يكتفي بذلك وسوف يقتصر مجهوده على الوظائف والاقتصاد. وهذا يعني أنه سيكون هناك القليل جدًا من الوقت والجهد ليبذلهما في الشئون الخارجية، بما في ذلك الشرق الأوسط.

ومنذ أن زادت الآمال في منطقة الشرق الأوسط مع خطاب أوباما الذي ألقاه في القاهرة، فإن المخطط الذي كان يأمل أن يعمل وفْقه في الشرق الأوسط لم يتحقق، والآن يعاني أوباما إخفاقًا كبيرًا على المستوى الداخلي. ولن نرى أوباما يعود مرة أخرى إلى الشرق الأوسط بأي شكل ملموس من خلال مبادرة أمريكية. وعندما تزيد التوقعات ثم تخيب آمال الناس فأنت تطلق حركة التغيير، حتى لو كان التغيير مدمرًا. وأخاف أن تزيد خيبة الأمل هذه حدة التوتر بين العالم العربي والولايات المتحدة بشكل ما عندما يكون لدينا الرئيس الأكثر احتمالًا لأن يكون بمثابة جسر يربط بين هذين الجزءين المتباعدين من العالم. هذه هي المشكلة، وهي أمر مؤسف.

المجلة: ما تقييمكم للجنة التحقيق في العراق؟

ـ هذا التحقيق مختلف جدًا عن سابقيه. فالقوة التي تمتع بها شيلكوت في استدعاء الوثائق التي لم تكن متاحة للجمهور لا تماثلها أي قوة سابقة. كما كان اتساع نطاق الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات لم يسبق له مثيل. وتتوفر فرصة هنا لتحقيق نهاية إلى حد ما لمرحلة أفسدت العلاقات الخارجية لبريطانيا، وكانت قضية سببت الانقسام الداخلي. وتعرضت لجنة التحقيق لانتقادات بسبب قلة جرأتها في ملاحقة صناع القرار، وانتزاع اعترافاتهم على الأخطاء التي ارتكبوها، وسوف أؤجل الحكم عليها حتى أرى التقرير. وإذا قرروا استخدام عبارات التقرير لإجراء تقييمات مهمة للطريقة التي اتخذوا بها قرار الحرب، فحينئذ سوف ينجحون في إنهاء هذه القضية.

المجلة: يبدو تاريخ العالم العربي كما لو كان تاريخ صراع. كيف يمكن للعالم العربي تعزيز الاستقرار عندما لا يبدو أبدًا أن هناك ما يكفي من الوقت لتجاوز الصراع الأخير؟

ـ كان هناك الكثير من الأسس لبناء شرق أوسط مستقر، وأعتقد أنه من المهم حقًا أن نطرح تلك الأسس بكثير من التركيز مثلما نفعل مع مصادر عدم الاستقرار. وتعتبر الحياة الثقافية في العالم العربي أساسًا ضخمًا لدى الناس لكي يعالجوا الصدمات، ويناقشوا المحرمات، ويعثروا على نهاية لانقساماتهم. وهناك مؤلفون يتحلون بشجاعة فائقة في العالم العربي، صحيح أن كثيرين منهم غير معروفين من قبل القراء غير العرب، لكنني أعتقد أننا نستطيع أن نبذل المزيد في هذا الشأن. وينطبق الشيء نفسه إذا ألقينا نظرة على الفنون التشكيلية. ويوجد تنوع ثقافي مذهل في هذا السياق، ليس فقط في المواقع التقليدية للثقافة العربية. ففي العراق، وخلال ذروة العقوبات، لا تزال تستطيع رؤية نماذج من الفن العراقي في أماكن مثل الأردن. وبالنسبة لي، كان أمرًا ملهمًا أن أذهب إلى صالات عرض في عمّان، وأرى ماذا كان الفنانون في العراق يفعلون لتسجيل تلك اللحظة من تاريخهم. وكانوا يرسمون المعاناة من العقوبات في طلاقة لا يمكن أن تجدها مطبوعة في أي مكان.

font change