ذكرى الثورة الإيرانية تجدد الجدل حول هويتها

ذكرى الثورة الإيرانية تجدد الجدل حول هويتها

[escenic_image id="5511133"]

تحتفل إيران في الحادي عشر من فبراير/شباط من كل عام بعيد انتصار الثورة الإيرانية. وهذا العام هو أكثر الأعوام اضطرابًا في الجمهورية الإسلامية على مدار العقود الثلاثة الماضية.. ورغم ذلك ظل هذا التقليد قائمًا بالرغم من الاحتجاجات التي لا تزال مستمرة منذ انتخابات يونيه حزيران 2009. وقد أدت هذه الاحتجاجات الضخمة خلال الفترة الأخيرة إلى عقد مقارنات مع الأحداث التي وضعت نهاية لنظام الشاه منذ 31 عامًا. وهناك الكثير والكثير الذي يمكن أن يقال عن الثورة الإيرانية، التي اندلعت في عام 1979، باعتبارها نقلة في التاريخ الحديث وثمة جدل واسع النطاق حول ما إذا كانت هذه الثورة إسلامية بالفعل أم لا. وكما ذكر ديفيد باترياكاراكوس في فبراير/شباط العام الماضي في صحيفة الفاينانشال تايمز أنه فيما يتعلق بسقوط نظام الشاه، فإن "الأسباب أكثر وضوحًا من الآليات".

لقد حولت رغبة الشاه في تحديث إيران في فترة الستينيات والسبعينيات مجتمعًا زراعيًا في المقام الأول إلى مجتمع صناعي. وكان المستفيدون الرئيسيون من هذه الخطوة أسرة بهلوي وعدد قليل من رجال الصناعة الإيرانيين. وهؤلاء العمال الذين انتقلوا من الريف إلى المدن الإيرانية الرئيسية بحثًا عن فرص عمل هم الذين عانوا من الآثار السلبية للإيقاع المضطرب لبرنامج التحديث. وعلاوة على ذلك، تم استثمار إيرادات النفط التي تبلغ مليارات الدولارات الأمريكية بشكل أساسي في مشروعات تحديث البنية الأساسية لنظام النقل والجيش. والانتساب إلى أسرة بهلوي كان بمثابة المعيار الذي من خلاله يتم منح عقود هذه المشروعات. وإضافة إلى استشراء الفساد وإهدار الموارد، ارتفع معدل التضخم بشكل مستمر. وزادت عسكرة نظام الشاه كما زاد قمعه لحرية التعبير وحرية الصحافة.. وكان يُنظر إلى الشاه داخل البلاد باعتباره دمية تتلاعب بها المصالح الأجنبية وتحديدًا في يد الولايات المتحدة الأمريكية.  

وفي ظل هذه الحكومة المضطربة، لم يكن هناك أي قطاع من قطاعات المجتمع الإيراني - سواء الطبقة العليا أو الوسطى أو الطبقة العاملة المنبوذة - لا يشعر بعميق السخط حيال حكم الشاه. وكانت أبرز الأصوات الاحتجاجية أصوات الطلاب العاطلين الذين اضطر الكثيرون منهم إلى الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحوا دعاة للحرية. وقد حدث تصادم أيضًا بين نظام الشاه وعلماء إيران الذين كانوا حتى ذلك الوقت مستقلين عن السلطات الحكومية، نتيجة لتدخل الحكومة في التعليم والقانون. وكان رد فعل الشاه أن قام بإغلاق العديد من المدارس الدينية ومحاولة فرض اتجاه شيعي بعيد عن السياسة وموالٍ للحكومة. وهكذا أصبحت المؤسسة الدينية الإيرانية والخميني بشكل خاص - الذي تم نفيه منذ عام 1964 لاتهامه الشاه بالاستخفاف بالسيادة الوطنية - بمثابة جزء نشط من الجبهة المعارضة لحكم الشاه.    

وكانت المؤسسة الدينية الإيرانية من بين قطاعات المجتمع التي تحررت من الخديعة وأكثرها مهارة في حل المشكلات واتخاذ القرارات بشكل مستقل. واحتشدت هذه الجماعات لتشكل جبهة معارضة موحدة ضد نظام الشاه، والتفت حول هدف مشترك وهو تشكيل دولة جديدة. وكما يسلط باترياكاراكوس الضوء على احتجاجات عام 1978 في طهران، قام الناس بمسيرة ثم صلوا صلاة جماعية. لكن 90% منهم لم يكونوا يعرفون طريقة الصلاة، كل ما هنالك أنهم قلدوا شيوخهم. في الواقع، من بين شعارات الثورة ذلك الشعار الشامل "الحرية والاستقلال والحكومة الإسلامية". بيد أنه بعد عزل الشاه، اتضحت جليًا الخلافات داخل التحالف نفسه خصوصًا بين الجماعات العلمانية والدينية. وبعودة الخميني، قام بتعزيز سلطته ونفوذه بين الجماعات الدينية، وأقصى الجماعات العلمانية فاتحًا الطريق أمام قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفي الاستفتاء الذي تم إجراؤه للتصويت على تشكيل جمهورية إسلامية، صوت 98% من السكان الإيرانيين لصالح تشكيل الجمهورية الإسلامية.

ويمكن النظر إلى هذه الثورة على أنها إسلامية في ضوء حقيقة أن الدين لعب دورًا مهمًا في حشد التمرد ضد الشاه، كما كانت المؤسسة الدينية واحدة من أهم جماعات المعارضة، وملأ الخميني وجمهوريته الإسلامية الفراغ السياسي الذي نجم عن الإطاحة بالشاه؛ وفي دفاعه عن القيم الإسلامية، أتى الخميني ليجسد قائدًا يبشر بمستقبل أفضل للشعب الإيراني.

وبالانتقال إلى الوقت الحالي، يمكن عقد بعض المقارنات بين فقدان الشاه للشرعية بشكل كامل وبين حجم الاحتجاجات الحالية التي تقول ليس فقط بعدم مشروعية الرئيس محمود أحمدي نجاد، بل أيضًا بعدم مشروعية خامنئي نفسه، فهناك في الواقع أوجه شبه بين الوضعين تتمثل في غياب الحريات المدنية  ووحشية قوات الأمن وعدم وصول عوائد النفط لغالبية السكان وتتمثل في ارتفاع التضخم، كما أن هناك استشراء في الفساد، والذي يعد الحرس الثوري الإيراني متورطًا فيه بشدة، فكما ذكر كريم سادجابور أخيرًا في مجلة "المجلة "لم تعد إيران في عهد خامنئي جمهورية إسلامية، بل أصبحت عبارة عن مجموعة من رجال الدين المتشددين ومجموعة من الحرس الثوري محدثي النعمة".

ورغم أوجه التشابه هذه، يبدو أن الكثير من المراقبين يبالغون في تصوير حجم الاحتجاجات الحالية لدرجة أنهم يتجاهلون النسبة الكبيرة من السكان الإيرانيين الذين لا يزالون يؤيدون أحمدي نجاد، والأهم أنه، ورغم شعارات مثل "الموت لخامنئي"، لا تهدف الاحتجاجات الحالية إلى تحدي هوية جمهورية إيران الإسلامية، بل تستهدف مشروعية الحكومة الحالية، فكما كتب نجاح محمد على في مجلة"المجلة" "يقول سياسيون من داخل المؤسسة الحاكمة إن الوضع الحالي عبارة عن ثورة داخل الجمهورية الإسلامية نفسها"، فما نشهده الآن هو "صراع" بين مؤيدي "الجمهورية الإسلامية" بكل مؤسساتها وآلياتها الانتخابية، وبين الداعين إلى تحويلها إلى "حكومة إسلامية".

إذن هل ما نشهده اليوم من احتجاجات ضخمة في شوارع مدن إيران الكبرى يعد ثورة ضد المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران؟ يبدو أن الوضع ليس كذلك، فالمشكلة الرئيسية، وكما كان الحال في عهد الشاه، هي سوء الحكم، ولا تمثل الاحتجاجات المستمرة ثورة ضد جمهورية إيران الإسلامية، بل ضد طريقة حكم تلك الجمهورية.

font change