دروس ما بعد الأرقام القياسية

دروس ما بعد الأرقام القياسية

[escenic_image id="5513439"]

لقد شاهد العالم كله الافتتاح الأسطوري للبرج الذي حضره عشرات الآلاف من سكان دبي والإمارات والخليج العربي ومئات من الأجانب، لقد شعر الجميع بأنه يوم مميز بكل معنى الكلمة.

دعنا نقول إن كل هذا يعد طبيعيًا وفي تصوري لم يكن مفاجئًا لأنه باختصار يتناسب مع حجم التحدي في اتخاذ قرار بناء البرج قبل 5 سنوات ومن يعرف شخصية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، يدرك تمامًا أن السؤال الذي يدور في ذهنه هو : ماذا بعد هذا الإنجاز؟

الدرس الأول : هو الخبرة الكبيرة التي اكتسبتها الشركات المحلية التي أسهمت في تنفيذ المشروع العملاق، والتي استخدمت تقنيات جديدة لأول مرة،  بعض هذه الشركات قدمت عروضها لبناء برج جدة في المملكة العربية السعودية والذي من المتوقع أن يكون البرج الأعلى بارتفاع 100 متر بعد بضع سنوات من الآن، هذه الخبرة انتقلت إلى مئات الأفراد من المنطقة وبعشرات الاختصاصات الفنية  والهندسية أيضًا.

الدرس الثاني : هو خلق مَعلًم سياحي من الطراز الأول  يسهم في تعزيز السياحة في دبي والإمارات بشكل عام .. لا يوجد سائح اليوم يزور دبي أو فوج سياحي إلا ويرغب بزيارة البرج، والصعود إلى شرفة البرج في الطابق 124 بمبلغ 200 درهم للشخص ( 54.5 دولار تقريبًا) ونظرًا لطول طوابير الانتظار يمكن أن يدفع ضعف المبلغ ليختصر فترة الانتظار.

الدرس الثالث : تعزيز مفهوم المدينة العمودية متنوعة الأنشطة، مدينة تضم 12000 ساكن تشمل مكاتب تجارية وشققًا سكنية وفنادق ومطاعم وأماكن ترفيه وخدمات والقدرة على إدارة وإدامة الخدمات المصاحبة من ماء وكهرباء وتكييف، بالإضافة إلى إجراءات السلامة بما في ذلك خدمات الـ 57 مصعدًا التي يحويها البرج.

أما الدرس الرابع : فهو الحالة النفسية العامة السائدة في السوق حيث أعطى افتتاح البرج دفعة نفسية إيجابية كبيرة وثقة أكبر في اقتصاد الإمارات واقتصاد دبي على وجه خاص.

في دراسة، نشرت قبل أيام، شملت 24000 مستهلك في الشرق الأوسط إشارات إلى تحسن ثقة المستهلك في الإمارات من 29.6 % إلى 86.1% مقارنة بالمسح الأخير، الذي تم في النصف الثاني من عام 2009، لقد كانت هذه أكبر قفزة في ثقة المستهلك قياسًا بكل الدول المحيطة  بالإمارات، أما على المستوى العام فقد حل مستوى ثقة المستهلك ثالثًا على صعيد العالم بعد فيتنام وقطر.

وكما هو معروف أن قياس مستوى الثقة يتضمن معايير مهمة منها أداء الاقتصاد والعمالة والدخل وجودة المعيشة.

وأخيرًا وليس آخرًا إن أهم الدروس هو "درس لحظة الافتتاح" المتعلق بتغيير اسم البرج من ( برج دبي إلى برج خليفة)هذا التغيير هو رسالة واضحة جدًا للجميع مضمونها أن دولة الإمارات واحدة وليس هناك من مساومة أو شك في علاقة دبي وأبو ظبي .. فالجميع في زورق واحد والجميع يسعى لتجاوز الأزمة، ومن شهد الافتتاح بدا واضحًا له من كلمات حاكم دبي أن الإمارات واحدة ولا يجوز النظر إليها كأجزاء أيًا كانت التحديات.

من المهم الإشارة أيضًا إلى أن الإفراط في التفاؤل لا يدل على قراءة معمقة لواقع القطاع العقاري في دبي على وجه الخصوص.. فدخول برج خليفة الخدمة لا يعني بالضرورة تحسن القطاع العقاري .. فلا تزال العوامل الضاغطة على هذا القطاع فاعلة ومؤثرة وتحتاج إلى وقت أطول مما يتوقع البعض خصوصًا مع بطء إجراءات التصحيح وتباطؤ كبار المطورين عن إيجاد حلول فعالة لإعادة مبالغ المستثمرين في المشاريع الملغاة وشح مصادر التمويل..وقراءة السوق العقارية في دبي بواقعية وموضوعية هي البداية لتعجيل الخروج من الأزمة في هذا القطاع.

إن التركيز على إيجاد حلول  خلاقة وعملية، يجب أن تكون ضمن أولويات الجهات الاقتصادية المسئولة لأن قطاع العقارات والإنشاءات يسهم بشكل مهم في اقتصاد الإمارة، إذ يشكل 23.3% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) والعمالة في هذا القطاع تشكل 41.1% حسب إحصاءات عام 2006، وهذه الأرقام نمت نموًا كبيرًا في السنوات من 2001 – 2007 لقد بلغت نسبة متوسط النمو المركب" CAGR" خلال 2001 -2006 معدل  12%، وهو من أعلى معدلات النمو في هذا القطاع بالعالم. كما شكل قطاع البناء 34.6% من إجمالي رأس المال الثابت.

الإصلاحات المطلوبة في قطاع العقار والإنشاءات يجب أن تتم خلال 2010، وإلا سيكون من الصعب استعادة المستثمرين  الذين قد يتوجهون إلى أسواق لا تزال جذابة وتتمتع بهيكلة قانونية.

 

font change