د. آن مارى سلوتر مديرة التخطيط في مجال السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية

د. آن مارى سلوتر
مديرة التخطيط في مجال السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية

[escenic_image id="5516613"]

قبل أن تدخل مجال الخدمة العامة، كانت الدكتورة سلوتر عميدة كلية وودرو ويلسون للشئون العامة والدولية في جامعة برينستون، وأستاذة القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وقامت بتأليف العديد من الكتب حول الشئون الدولية، بما في ذلك كتاب "الفكرة هي أمريكا: الحفاظ على قيمنا في عالم محفوف بالمخاطر".

 ومع انتهاء العام الأول الحافل بالأحداث من حكم الرئيس باراك أوباما، تحدثت الدكتورة سلوتر إلى مجلة "المجلة" عن المهام التي لم تكملها الإدارة الأمريكية بعد في منطقة الشرق الأوسط، وعن تزايد حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين، والتحديات التي تواجه إدارة أمور الحكم في عام الانتخابات.

 المجلة: يشكل الشرق الأوسط تحديا لصانعي السلام، حتى في أفضل الأوقات. ما أهم التوقعات لما يمكن أن تحققه إدارة أوباما خلال عام 2010 بالنظر إلى  الصعوبات الداخلية التي تواجهها ؟

نأمل بالتأكيد في بدء مفاوضات جادة بين إسرائيل والفلسطينيين، وربما بينها وبين أطراف أخرى سيكون وجودها ضروريا للتوصل إلى تسوية أوسع نطاقا بين هذين الجانبين، وعندما أقول مفاوضات جادة أعني أنها تهدف إلى التوصل لحل نهائي للقضايا بدلا من مجرد تحريك عملية التفاوض مرة أخرى.

المجلة: ما الذى سيجبر إسرائيل على العودة إلى طاولة المفاوضات؟ إنها تتمتع باقتصاد مستقر وأدى جدارها الأمني إلى خفض عدد الهجمات الإرهابية على مواطنيها إلى حد كبير، ولا يزال المواطن الإسرائيلي العادي لا يدرك حجم المعاناة التي يعيشها الشعب  الفلسطيني، فمن أين سوف يأتي الضغط؟

 أعتقد أن أحد الدروس المستفادة من العام الأول للإدارة الأمريكية في الحكم هو توضيح أن التعامل مع كل دولة على حدة داخل عملية الشرق الأوسط يهدف إلى توضيح الحوافز والعواقب دون ممارسة ضغط مباشر على أحد الأطراف أو إجباره على اتخاذ موقف ما، وكذلك توضيح الترابط بين القضايا الصعبة، فنحن نعتقد أنه عندما يتم طرح تلك الرؤي بشكل صحيح وعندما يتم فهمها، سيكون هناك اهتمام أقوي من قبل كل الإطراف بالتوصل إلى تسوية نهائية.

المجلة: كان لدي الفلسطينيين أمل كبير في أن تمارس واشنطن ضغوطا كافية على إسرائيل لضمان تجميدها للمستوطنات في الضفة الغربية، وهو ما لم يحدث، فإلى أي مدى ألحق ذلك الضرر بمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة؟

 تعاملت الإدارة السابقة مع هذه القضايا بشكل متقطع ودون استمرارية، ولم تكن الولايات المتحدة متواجدة في بعض الأحيان على الإطلاق، أو كانت حاضرة أحيانا، لكن لم يكن واضحا الإطار الزمني الذي يحتاجه التعامل مع هذا الأمر، أما الإدارة الجديدة فهي ملتزمة  بالتعامل مع هذه القضية، وذلك رغم أن الرئيس نفسه قال إن توقعاتنا كانت أعلى مما ينبغي ، وأعتقد أننا وجدنا أنفسنا في وضع  ينتظر فيه الجميع ليرى ما يمكننا تحقيقه أو فرضه، وذلك رغم أن ما يحدث هو نوع من الوساطة أو المشاركة بطرق من شأنها عرض الخيارات وتوضيح اهتماماتنا، دون فرض أي شروط.

 المجلة: إذن تعتقدين أن الولايات المتحدة لا تزال يُنظر إليها على أنها  وسيطا نزيها في الشرق الأوسط؟

أعتقد أننا كذلك، كما انه لا يوجد طرف آخر في وضع أفضل منا يمكنه لعب هذا الدور.

المجلة: دار نقاش في بعض الأوساط حول الطريقة التي ينبغي بها على الأوروبيين ملء أي فراغ في المنطقة يخلقه الأمريكيون ؟

كنا دائما نشجع على تقاسم المسئولية. ومن المستحيل تصور سلام طويل الأجل ومستقر بين إسرائيل وفلسطين لا يسمح بدور أوروبي اقتصادي كبير. وبالمثل، من غير المرجح، بالنظر إلى القوة السياسية المتزايدة للاتحاد الأوروبي والروابط التاريخية لديه مع مختلف الدول في المنطقة أن نتصور أن الأوروبيين سيلعبون دوراً اقتصادياً فقط دون أن يكون لهم دور سياسي. لذلك لا أرى أن قيام الاتحاد الأوروبي بدور أكبر يهددنا بشكل ما، أو يعد بمثابة عقبة من شأنها أن تخرج الولايات المتحدة من القضية.

المجلة: دعينا نتحدث عن حلفاء أمريكا من العرب، وما المطلوب لإعادتهم إلى طاولة المفاوضات، بدءا من المملكة العربية السعودية ؟

 من المهم إدراك أنه يجب على أي إدارة جديدة بناء علاقاتها الخاصة، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط. ويستغرق بناء هذه الصلات وإدراك الاستراتيجيات والأولويات العامة لدى كل طرف بعض الوقت. ونحن نتعامل مع المملكة العربية السعودية في العديد من المجالات المختلفة، سواء كانت تتعلق بأفغانستان أو باكستان أو إيران، أو مع إسرائيل. لذلك توجد الكثير من الأبعاد لهذه العلاقة. وأعتقد أننا كنا مؤيدين كثيرا لمبادرة السلام العربية [في عام 2002]، وهذا أمر مهم ولكن هناك المزيد لنفعله في هذا الشأن. شعار الرئيس أوباما أنه ينبغي على جميع الدول أن تتحمل المسئولية. وبعبارة أخرى، يجب أن تكون عملية جماعية تسهم فيها جميع الأطراف التي لها مصلحة ..

لقد دعمنا مبادرة السلام العربية ولكن هناك أمور نأمل بالتأكيد أن تفعلها المملكة العربية السعودية ردا على ما سوف تقوم به إسرائيل بدلا من انتظار التوصل إلى تسوية نهائية.

المجلة: ربما يقول السعوديون أنهم لم يناضلوا من أجل مبادرة السلام العربية فقط. كان هناك اتفاق الرياض في عام 2007، عندما أثبت الملك عبد الله مصداقيته وتوسط في إبرام اتفاق بين حماس وفتح، وبموجب هذا الاتفاق اعترفت حماس عمليا بإسرائيل من خلال إعطاء حركة فتح ولاية التفاوض من أجل السلام. وتجاهلت كلا من إسرائيل وواشنطن ذلك . إذن لماذا ينبغي عليهم أن يساعدوكم الآن؟

 
أود أن أقول أن كلمة "عمليا" في هذا العالم وفى هذه القضايا ليست جيدة بما فيه الكفاية. وأوضحنا جليا أنه يتحتم على حركة حماس القبول بمبادئ اللجنة الرباعية. ونريد من المملكة العربية السعودية المشاركة، وهو أمر جيد. ولكن هناك خطوط حمراء واضحة جدا فيما يتعلق بقدرتنا على مشاركة حماس.

 المجلة: يقول أحد علماء الأنثروبولوجيا المثقفين إنه في منطقة الشرق الأوسط، يمكن للموقف "العملي" أن يتطور إلى "اعتراف قانوني" إذا تم استغلاله بصبر ؟

في المقام الأول، هناك الكثير من الناس من جميع الأطراف يتمتعون بالثقافة ولدينا مفاوضين ذوي خبرة كبيرة في المنطقة مثل السيناتور جورج ميتشل. وأعتقد أنه من المهم رغم أن هذه العملية مستمرة منذ عدة عقود، وعندما تأتى إدارة جديدة، وفريق جديد، تأخذ بعض الوقت لتطور علاقاتها الشخصية، بالإضافة إلى علاقات دبلوماسية أطول أجلا..

المجلة: وماذا عن مصر؟ هل أنت راضية عن الدور الذي تلعبه القاهرة؟

مصر شاركت بنشاط كبير في العملية السياسية مع حماس وفتح. وأعتقد أن التصور المصري للحاجة الملحة للتحرك قد ازداد، خاصة  فيما تبذله من جهود للتوصل إلى حل. المصريون يعملون بجد، ولكن جهودهم لم تفلح في التوصل لإبرام اتفاق، سواء بين حماس وفتح أو مع الإسرائيليين حول قضية تبادل الأسرى. لقد بذلوا قصارى جهدهم بكل مثابرة.

المجلة : دعونا نبتعد عن منطقة الشرق الأوسط و نركز على العلاقات بين أمريكا والصين ، فالعلاقات الصينية الأمريكية أصبحت متوترة في الآونة الأخيرة، بسبب الخلاف بين جوجل وبكين حول الرقابة على مواقع الانترنت، ومبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان، واللقاء المقرر للرئيس أوباما مع الدالاي لاما. إلي أي مدي  يمكن أن تسوء هذه العلاقات؟

قضايا الدالاي لاما ومبيعات الأسلحة صعبة للغاية. وعلى الرغم من أننا نعتبر الصين شريكاً هاماً في الكثير من المجالات، وقوة ناشئة نريد أن نتعاون معها، إلا أن هذا ليس معناه أننا دائما نتفق على كل شيء ولا يمكن أن نقوم دائما بتكييف سياساتنا للحفاظ على حالة من الانسجام مع الصين في كل وقت. إن هذه القضايا تظهر بانتظام مع كل إدارة. لذا فهي قضايا شائكة ولكن في نفس الوقت كان مكتبي [في بكين] طوال الأسبوع الماضي يقوم بعمل  ترتيبات للحوار الاقتصادي الاستراتيجي القادم [بين الولايات المتحدة والصين.]

ولكن حتى الحلفاء المقربين لديهم خلافات. فإذا نظرنا إلى علاقتنا مع أوروبا، فسنجد أننا مررنا معها بأزمات. وعندما يمر الحلفاء المقربون بمشكلات، تكون هناك أحداث. فالصين بلد تربطنا بها شراكة ولكننا يمكن أن نختلف أيضاً في بعض الأحيان.

المجلة: الصحافة تنفخ في الأزمة كما لو كان هناك تغيير نوعي في العلاقة بين أمريكا والصين . هل تعتقدين أن هناك مبالغة في الأمر؟

نعم أعتقد ذلك وأري  أن الأزمة المالية العالمية قد أثرت علي التصور الذاتي للعديد من الدول وخرجت الصين من الأزمة بقوة، على الرغم من أنني لا أعتقد أن نهاية القصة كتبت بعد . من الواضح أن الولايات المتحدة لديها الكثير من العمل للقيام به، وذلك أعطي الكثير من الصينيين تصوراً مختلفاً عن صعودهم. ولكن مرة أخرى، وعلى المدى الطويل، أصبحت الحكومة الصينية تدرك جيداً مدى حاجتها إلى الاستمرار في التنمية لأنها تحتاج إلى استمرار النمو حتى تخرج مئات الملايين من البشر من براثن الفقر. وكما أوضح الرئيس في خطابه الذي ألقاه عن حالة الاتحاد، فإن الولايات المتحدة تدرك جيدا ما يتعين عليها القيام به. ولذلك لا اعتقد أن الأمور الأساسية قد تغيرت.

المجلة: وماذا عن تهديد الصين بفرض عقوبات على الشركات الأمريكية الكبرى التي تبيع الأسلحة لتايوان؟

إذا بدأت الصين بفرض عقوبات على الشركات التي تعتمد عليها أسواقها التصديرية، فإن ذلك قد لن يكون تصرفا حكيما على المدى الطويل.

المجلة: قد يقول البعض إنه ليس من الحكمة أن تعادي المصرف الذي تتعامل معه، وهو الدور الذي تلعبه الصين مع الحكومة الأمريكية المدينة ؟

الاقتصاد العالمي متداخل جدا، ومن الصعب أن نرى هذه العلاقات تسير في اتجاه واحد.

المجلة: ما هي أهدافك الشخصية لعام 2010؟

طموحاتي هي تلبية رغبة وزيرة الخارجية الأمريكية من خلال قيامنا ببناء قدراتنا في كل المجالات، ولكن قبل كل شيء أتطلع إلى تعزيز عملية التنمية وربطها بما نقوم به على الجانب الدبلوماسي، وبذلك تكون التنمية والدبلوماسية هما الركيزتين الأساسيتين للجانب المدني في سياستنا الخارجية.

المجلة: هذا العام هو عام انتخابات في أمريكا. إلى أي مدى تؤثر مطالب السياسة الداخلية على قدرتك على تحقيق أهدافك في الخارج؟

أوضحت الإدارة أنها لا تريد عملية السلام من أجل عملية السلام في حد ذاتها. إنها تريد المفاوضات من أجل السلام. وفي الوقت نفسه، تدرك أنه حتى لو حدثت تلك المفاوضات وكانت جادة تماما، فإنها لن تؤدي إلي تسوية شاملة بين عشية وضحاها. سوف نتحدث شهوراً وربما سنوات. في الواقع أنا لا اعتقد أنهم سيصلون إلى  تسوية سلمية قبل انتخابات التجديد النصفي [في نوفمبر].

الجانب الآخر هو أنني لا أعتقد أن هذه هي الانتخابات التي سيتم تحديدها بناءً على قضايا السياسة الخارجية. هناك الكثير من الأولويات الداخلية، والاقتصاد له الأولوية رقم 1، ولكن أيضا فرص العمل والرعاية الصحية والتنظيم المالي من شأنها أن تزاحم الاهتمام بالشؤون الخارجية.  إن خطاب حالة الاتحاد كان دليلاً علي ذلك. فالرئيس لم يشر إلى السياسة الخارجية لمدة ساعة تقريباً، ولم أعهد ذلك في الرؤساء طيلة حياتي.

font change