بعد 4 أشهر في الحكم.. سعد يبحث عن طريق لإعادة البناء

بعد 4 أشهر في الحكم.. سعد يبحث عن طريق لإعادة البناء


يؤرخ تولي سعد الحريري رئاسة مجلس الوزراء في لبنان لانتهاء مرحلة من تاريخ هذا البلد ولبداية مرحلة أخرى تتبلور بصعوبة.


 وإذا كان التقليد السائد في لبنان، أن يتم اعتماد نتائج الانتخابات اساساً في تشكيل الحكومات، فإن الاستقواء بالسلاح تمكن من دفن هذا التقليد، وبدا أن الانتخابات التي جرت في حزيران (يونيو) الفائت كانت بلا معني ، فالفائز فيها هو من يمتلك القوة المسلحة على الأرض، اما الأكثرية المنتخبة في صناديق الاقتراع فليست سوى ديكور ..


 كانت انتخابات حزيران محكومة سلفاً بنتائج اتفاق الدوحة في نهاية آيار (مايو) 2008، وبحصيلة اجتياح بيروت عشية ذلك الاتفاق، ورغم فوز التحالف الذي يقوده الحريري بأكثرية نيابية صريحة في الانتخابات (71 من 128 نائباً) فإنه عجز عن إحداث خرق في الجدار الصلب للانقسام. احتمت الأقلية المسلحة وراء شعار الديموقراطية التوافقية، وتمكنت بسبب إمساكها المتين بمجموعة مذهبية (الطائفة الشيعية) من فرض شروطها، عبر منع الحريري من تشكيل حكومته طوال نحو خمسة أشهر (حزيران – تشرين الأول 2009)، ثم عبر فرض شروطها في شكل تركيب تلك الحكومة وحصولها على نسبة الثلث زائد واحداً من تعدادها بما سيتيح لها لاحقاً التحكم في القرارات الأساسية ..


 


 ومع ذلك، تعامل زعيم الأكثرية النيابية بهدوء مع هذه المعطيات الأساسية، ولم يهلع عندما فاجأة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بإعلان ابتعاده عن الأكثرية في 2 آب (اغسطس) الماضي، فهو يعرف أسباب ودوافع الموقف الجنبلاطي، وجنبلاط نفسه لم يقصر في شرحها وتفصيلها، أما نتائجها العملية في تشكيل الحكومة فما كانت إلا إضعافاً لموقف الحريري من جهة ودفعاً إضافياً للأقلية كي تتمسك بمطالبها ..


 تشكلت الحكومة وأقرت مشروعها السياسي والاقتصادي والمالي وضمنته، خصوصاً، قسماً يؤكد على معالجة قضايا المواطنين، وشددت على بناء المؤسسات وحصرية دور الدولة في الأمن والإلتزام بالقرارات الدولية، خصوصاً القرار 1701، وأكدت حق لبنان "جيشاً وشعباً ومقاومة" في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي. كانت هذه النقطة الأخيرة هي ما يهم حزب الله تحديداً، ولم يذكر احد في لبنان حق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال والاعتداء والتهديدات الإسرائيلية، بل ان المشكلة بالنسبة لقسم كبير منهم كانت تجربة ايار 2008 واستعمال السلاح في الخلافات الداخلية، وليس اللجوء إليه في مواجهة الاعتداء الأجنبي، فهذا حق وواجب لا يقتصر فقط على حزب أو طائفة بعينها، بل يشمل جميع اللبنانيين ..


 لم تكن التجربة بين نتائج انتخابات حزيران وتشكيل حكومة الحريري في تشرين الأول (اكتوبر) الماضيين مُحبطة، فزعيم الأغلبية النيابية ومعه هذه الأغلبية المنضوية في تجمع "14 آذار"، يعتبران ان ما تحقق في لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي تصادف ذكراه الخامسة في 14 شباط (فبراير) الجاري، كان مهماً وأساسياً، ويستجيب لمطلب شعبي لبناني ثابت ولمصلحة لبنانية عليا لا يمكن التلاعب بها.


فالمطلب اللبناني بعد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 كان انسحاب الجيش السوري ووقف التدخل اليومي في الشأن اللبناني وهذا ما تحقق في نيسان (ابريل) 2005 وأعقبه في العام الماضي إقرار العلاقات الديبلوماسية وتبادل السفراء بين البلدين، وهذا أمر بقي معلقاً منذ استقلال لبنان وسورية في أربعينات القرن المنصرم.


يلي ذلك من حيث الأهمية والتبعية إقرار القيادات اللبنانية في مؤتمرهم للحوار الوطني إنهاء الانتشار الفلسطيني المسلح خارج المخيمات المعترف بها وتنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات نفسها بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والمنظمات الفلسطينية المنتشرة على الأرض. وقد تقدمت المباحثات في هذا الخصوص بشكل ملموس مع تشكيل الحكومة اللبنانية لجنة عليا للحوار مع الجانب الفلسطيني.


الإنجاز الثالث، وهو كبير الأهمية، إقرار المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجرائم الاغتيال التي تلتها. فهذه المحكمة التي خيضت ضدها صراحة أو مواربة معارك كثيرة في لبنان وخارجه تكرس حضورها بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي وهي تتحول الى ضمانة مادية ومعنوية للبنانيين بأن جرائم الاغتيال لن تبقى خارج المساءلة والمحاسبة.


 يبني اللبنانيون اليوم على ما تحقق ليخوضوا تجربة حُكم أنفسهم بأنفسهم، وإذا كان على سعد الحريري ان يقود السفينة كرئيس لمجلس الوزراء يتعاون مع رئيس للجمهورية جاءت به صفاته التوافقية الى الرئاسة، فإنه يعرف ان القدرات قد لا تكون في حجم الرغبات والأجدى معرفة الوقائع بدقة والبناء عليها.


صحيح ان إدارة الشؤون اللبنانية الداخلية ليست أمراً سهلاً، والحكومة الممثلة لطوائف لبنان تتحول معها الى ما يشبه مجلس إدارة لشركة في القطاع العام، فإنها لا تثير قلق الحريري في انطلاقته الجديدة، كما ان سلاح حزب الله، الذي يفترض ان يكون عامل قوة وتفاوض في يد الدولة اللبنانية، لا يخيف الوضع الداخلي اللبناني الذي يعيش تحت وطأة التهديدات الإسرائيلية، وما يقلق الحريري وغالبية اللبنانيين هو المشهد الإقليمي والدولي الذي يمكن ان يتدهور الى حرب، تجعل من لبنان ساحة صراع إيراني – إسرائيلي، ولذلك لا تبدو حركة الحريري الخارجية بين السعودية وسورية وتركيا وفرنسا ومصر وغيرها، مستغربة، فحزام الأمان الذي يحاول ان يحيط به لبنان، أمر أكثر من ضروري للانصراف الى حل مشاكل اللبنانيين اليومية ومناقشاتهم التي لا تنتهي.

font change