الحريري يتسلّق جبل التحديات بدعم سعودي سوري

الحريري يتسلّق جبل التحديات بدعم سعودي سوري


خاض الحريري تجربة ناجحة قبل أيام، عندما تمكن من أن يجمع قادة قوى "14 آذار" في فندق البريستول، وقدّم مداخلة عكست الاعتدال والواقعيّة، وخاطب البيان الختامي الصادر عن المجتمعين سوريا مطالبًا بقيام أفضل العلاقات معها، وتوجّه إلى "حزب اللـه" مؤكدًا أن الدولة القوية القادرة هي ضمان للجميع،  وتحمي الجميع، وأنه لا سلاح إلا سلاح القوى الأمنيّة الشرعيّة، وخاطب جمهور الأكثرييّن: " إننا على العهد باقون، وإن ثورة الأرز باقية بمبادئها وشعاراتها، ولكن لابدّ من التعاطي مع المستجدات في ضوء ما تفرضه المصلحة الوطنيّة العليا".




لم يشارك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط  في لقاء البريستول، لأنه قررّ أن يبقى خارج الاصطفافات، وكان الحريري متفهمًا لموقفه، لأنه يعرف الأسباب والدوافع، وتجمعه مع جنبلاط وحدة هدف ذلك أن الاثنين يجدّان السعي لفتح صفحة جديدة مع دمشق، ويتعاونان على هدم جدار الخصومة الذي ارتفع شاهقًا منذ تاريخ اغتيال الحريري الأب في 14 فبراير / شباط  عام 2005.
وكانت المملكة العربية السعوديّة قد مهّدت الطريق أمام الرئيس الحريري، وجاءت زيارة الملك عبد اللـه بن عبد العزيز إلى العاصمة السورية قبل أشهر، لتفعّل معادلة "س. س" وهي التي بنى عليها رئيس المجلس النيابي، نبيه بريّ، الكثير من الآمال، وكان يؤكد في كلّ المناسبات أن التفاهم السعودي – السوري يساعد اللبنانييّن على معالجة مشكلاتهم المعقّدة.




وصدق بريّ في رهانه، وشهد لبنان انتخابات نيابيّة هادئة في 7 يونيو/ حزيران بفضل الرعاية السوريّة – السعوديّة، وكلّف سعد الحريري بتشكيل الحكومة بدعم سعودي -  سوري، وألّف حكومة الوفاق الوطني بمساعدة كلّ من الرياض ودمشق، وعندما يحظى رئيس الوزراء اللبناني بمثل هذا الدعم من دولتين عربيتين نافذتين، فمعنى ذلك أنه يملك رصيدًا لا يضاهي يمكن الرهان عليه لمعالجة الكثير من الملفات الداخلية العالقة، والخارجيّة الضاغطة.




ويعرف رئيس الحكومة الشاب دوره وحجمه تمامًا. إنه الأصغر سنًا في نادي رؤساء الحكومات في لبنان، ويدخل مبنى السرايا - الذي رممه والده - من المدخل الرئيسي وقد زيّنته عبارة منقوشة على لوحة رخاميّة " لو دامت لغيرك لما انتهت إليك".




بدأ مشواره في الحكم، أبّا لثروتين: ماديّة، وتقدّر بمليارات الدولارات، وإنسانيّة  أهم وأبقى  وتقتصر على مجموعة من الشخصيات في الداخل والخارج تكن له الاحترام، وتبدي الاستعداد للمساعدة على تسهيل مهمته في الحكم.. ورث عن والده مشروعًا طموحًا للنهوض بلبنان وتحويله عمليًّا إلى سويسرا الشرق، كما ورث  ملفًا من التعقيدات والتحديات الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.


وتبقى الأولويات كثيرة وقد رتّبها بصورة منتظمة في البيان الوزاري الذي نالت حكومته الثقة على أساسه بأكثريّة 117 نائبًا من أصل 128، وفي صدارة الاهتمامات مكافحة الإرهاب، واكتشاف شبكات التجسس، وتوفير مستلزمات الأمن والاستقرار، وتحقيق المصالحات بين اللبنانييّن لتكريس الوحدة الوطنيّة الداخليّة، والانكباب على اتفاق الطائف لوضعه موضع التنفيذ بكامل مندرجاته، بما فيها إلغاء الطائفيّة السياسيّة، ومكافحة الرشوة والفساد، وتحديث الإدارة، وإنجاز التعيّينات على مستوى موظفي الفئة الأولى في الدولة، وملء الشواغر، والانصراف إلى معالجة مشاكل الكهرباء والطاقة، وتنفيذ مقررات " باريس – 3"، وإنجاز مشاريع الخصخصة، ومعالجة مشاكل قطاع النقل، والتصدي للمديونيّة العامة، وقد تجاوزت سقف الـ50 مليار دولار، وأيضًا لسائر التحديات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة، وتوفير فرص العمل للشباب، ومحاربة البطالة، ومواجهة التهديدات الإسرائيليّة، وتحصين الوضع الأمني في الجنوب من خلال الإصرار على تنفيذ القرار الدولي رقم 1701 .


وعندما زار القاهرة مؤخراً خرج من لقائه مع الرئيس حسني مبارك منشرحًا ليعلن على الملأ وبصوت عالي النبرة " لا نريد أن نهدد أحدًا أو نتوعد أحدًا، ولكننا نرفض وبقوة أن يهددنا أحد". جاء إلى الحكم بابتسامة مشرقة، ومنكبين عريضين، وهمة عالية تفتت جبال التحديات.. وتبقى العبرة في التنفيذ!

font change