صعوبات في طريق نقل المسئولية إلى مؤسسات أفغانية

صعوبات في طريق نقل المسئولية إلى مؤسسات أفغانية

[escenic_image id="5513839"]

كان مؤتمر لندن الدولي الذي انعقد في 28 يناير/كانون ثانٍ 2010، بشأن أفغانستان بمثابة آخر لقاءات الزعماء الدوليين لاستعادة السلام والرخاء في هذا البلد. ومع ذلك، اختلفت هذه الجلسة في تشديدها على الحاجة إلى اضطلاع الحكومة الأفغانية بدور أكبر في سبيل تحقيق هذه الأهداف. وقد أكد البيان الرسمي للمؤتمر أن هذا الاجتماع بمثابة خطوة حاسمة نحو قيادة أفغانية أقوى من أجل تعزيز أمن واستقرار وتنمية أفغانستان".

والسبب واضح وراء هذا التشديد على "انتقال المسئولية" من المؤسسات الأجنبية إلى المؤسسات الأفغانية، وهو أن القوات البريطانية إضافة إلى غيرها من حكومات حلف شمال الأطلسي (الناتو) تسعى إلى تقليص قواتها والتزاماتها الأخرى في أفغانستان دون التخلي عن حلفائهم أو شركائهم الدوليين قبل الأوان.

وقد تجلى هذا التضارب بين الالتزامات الداخلية والخارجية في الطريقة التي أعلنت بها دول حلف شمال الأطلسي في ذات الوقت أمرين متناقضين تمامًا وهما زيادة ورحيل قواتها العسكرية. فمثلًا: أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن زيادة في القوات الأمريكية يصل عددها إلى 30 ألف جندي بحلول صيف عام 2011. وأشارت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى أن "شهر يوليو/تموز من عام 2011 سوف يكون بمثابة مرحلة انتقالية للقوات الأمريكية، بينما ندرس جيدًا ما حققته جهودنا الأمنية". وأضافت كلينتون أنه بحلول هذا الوقت، "سوف نمضي قدمًا في سحب قواتنا لتحل محلها قوى أفغانية مدربة ومؤهلة جيدًا".

وسعت حكومات حلف شمال الأطلسي إلى سد هذه الفجوة من خلال تسريع وزيادة قوات أمن الحكومة الأفغانية التي تم التخطيط لها. ورفع مؤتمر لندن الحجم المستهدف لقوات الجيش الوطني الأفغاني من الـ 102,400 فرد في الوقت الحالي إلى 171,600 فرد بحلول شهر أكتوبر/تشرين أول لعام 2011 . ويوازي ذلك زيادة في عدد ضباط الشرطة الوطنية الأفغانية من 92,600 إلى 134,000 ضابط بحلول شهر أكتوبر/تشرين أول لعام 2011. ويدرس البنتاجون في الوقت الحالي إمكانية زيادة حجم جميع قوات الأمن الأفغانية مجتمعة لتبلغ 400,000 فرد بحلول عام 2013، إذا كان الوضع الأمني لا يزال غير مستقر.

كما اقترح مؤتمر لندن، أيضًا، أن تضطلع القوات الأفغانية بدور قيادي في الحفاظ على أمن بلادها، خاصة مع بداية دخول المحافظات الأفغانية تحت مسئوليتهم بحلول نهاية هذا العام. وقد طمئن الرئيس أوباما، في خطابه عن حالة الاتحاد في الشهر الماضي، أعضاء الكونجرس قائلًا: "نحن نزيد من حجم قواتنا ومن تدريب قوات الأمن الأفغانية حتى تتمكن من البدء في أخذ زمام المبادرة في شهر يوليو/تموز 2011 ، وبعدها يمكن أن تبدأ قواتنا في العودة إلى بلادهم."

والمشكلة أن هذه الجداول الزمنية لا تتماشى مع الواقع الأفغاني بشكل جيد. وأكد الرئيس الأفغاني حامد كرزاي للحاضرين في المؤتمر أن "تطلعات ومطالب الشعب في أفغانستان اليوم يمكن تلخيصها في أربع كلمات بسيطة: القيادة الأفغانية، والملكية الأفغانية." ومع ذلك، وباعترافه الشخصي، لا تزال المؤسسات الأفغانية غير قادرة على أخذ زمام المبادرة في مجالات عديدة نظرًا لمواردها المحدودة وأوجه القصور الأخرى. وفي حين يؤكد قادة حلف الناتو علنًا أن التزاماتهم العسكرية  ستدوم لمدة عام آخر أو اثنين فقط، يصر كرزاي على أن حكومته سوف تحتاج إلى ما بين 10 و 15 عامًا من التمويل الغربي المستمر، والتدريب، والمساعدة العسكرية قبل أن يصبح الجيش الأفغاني وقوات الشرطة قادرين على مواجهة مقاتلي حركة طالبان دون دعم قتالي مباشر من حلف الناتو.

كما يسود الغموض حول الوقت الذي سوف تنجز فيه الحكومة الأفغانية ومساندوها الأجانب ما وصفه الأمين العام لحلف الناتو أندرس فوج راسموسن قبل انعقاد المؤتمر "بخارطة الطريق السياسية" لتحقيق السلام والأمن في أفغانستان. وتشمل عناصر الخارطة الأساسية تحسين نظام الحكم وسيادة القانون وتعزيز التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل ومكافحة الفساد ومواجهة الاتجار بالمخدرات وكذلك إعادة إدماج أعضاء حركة طالبان في المجتمع الأفغاني المسالم.

وشكا كاي إيدي، الممثل الخاص المتقاعد للأمم المتحدة في أفغانستان، من أن المجتمع الدولي يحول دون تنفيذ خارطة الطريق السياسية من خلال اتباعه نهجًا عسكريًا مفرطًا تجاه أفغانستان. وقال المسئول لصحيفة التايمز (لندن) "للأسف الشديد أصبحت الإستراتيجية السياسية ملحقة  بالإستراتيجية العسكرية. ويجب أن تكون الإستراتيجية سياسية ذات عنصر عسكري". وقال إيدي: إن أحد أسباب انتشار تمرد حركة طالبان في جميع أنحاء أفغانستان هو أن الأولويات العسكرية حددت جهود التنمية الدولية، مما أدى إلى تدفق المساعدات إلى الأقاليم الجنوبية العنيفة، مما ولد استياء في أماكن أخرى، بدلًا من أن تكون المساعدات موزعة بصورة متساوية في جميع أنحاء البلاد.

وسعى المشاركون في المؤتمر إلى معالجة هذه القضية من خلال الاتفاق على أن تزيد حصة مساعدات التنمية الخارجية التي تديرها الحكومة الأفغانية على النسبة الحالية وهي 20 ٪ لتصل إلى 50 ٪ بحلول عام 2012، بشرط أن تحرز المؤسسات الأفغانية مزيدًا من التقدم، بدعم دولي، في تحسين ممارساتها المالية وقدراتها. ويعتبر تحقيق هذه الأهداف المدنية أمرًا ضروريًا لاستمالة المتمردين، حيث إن جدول أعمال الحكومة، إذا ما تحقق، يقدم للشعب الأفغاني برنامجًا أكثر جاذبية بكثير من رؤية طالبان الرجعية.

وأعاد بيان لندن ذكر خطط عقد مؤتمر دولي في كابول في ربيع هذا العام. وسوف يقيم المؤتمر التقدم المتحقق ويضع معايير محددة وخططًا لتنفيذ أهداف أفغنة البلاد المعلنة في لندن، بما فيها خطط "انتقال تدريجي إلى قيادة أفغانية للأمن إقليمًا تلو الآخر... بأسرع وقت ممكن." وبحلول ذلك الوقت، سوف يصبح أكثر وضوحًا ما إذا كانت الحكومة الأفغانية ومساندوها الأجانب سوف ينجحون في تحويل تطلعات لندن إلى نتائج ملموسة.

دكتور ريتشارد ويز،  زميل ومدير في مركز التحليل السياسي- العسكري في معهد هدسون بواشنطن العاصمة

font change