مستقبل سياسة العراق الخارجية

مستقبل سياسة العراق الخارجية

[escenic_image id="5514431"]

خلال سنوات إدارة بوش ذاعت الطرفة التالية في أروقة السياسة: "هل تعرف من هو نائب رئيس جمهورية العراق؟ إنه ديك تشيني". ولا تزال هذه الفكرة موجودة اليوم، وتقضي بأنه بعد انتهاء عصر صدام حسين، تطور المشهد السياسي في العراق سوف تمليه الأطراف والمصالح الأجنبية. ومن ثم، ووفق نفس المنطق، سوف يكون مستقبل السياسة الخارجية للعراق رهينًا بالتدخل الخارجي أيضًا، وتحديدًا من الولايات المتحدة أو إيران.

وفي الوقت الحاضر، لا يزال من الصعب جدًا وصف معالم سياسة العراق الخارجية، ربما لأن حكومته لا تزال تفتقر إلى مذهب لسياستها الخارجية لديه أهداف محددة بوضوح. وهذا أمر طبيعي نظرًا لجميع التحديات التي لا تزال تمنع العراق من تحقيق الاستقرار النسبي. وهناك شواغل رئيسية في البلاد وهى التوترات المصاحبة لمناخ ما قبل الانتخابات – مثل القائمة المثيرة للجدل التي أصدرتها لجنة المساءلة والعدالة، وعدم القدرة على منع التفجيرات الانتحارية واسعة الانتشار، والخطر الماثل من العودة إلى أعمال العنف الطائفية.

والنتيجة الأكثر احتمالًا لانتخابات مارس/آذار المقبل هو تشكيل تحالف آخر. أو كما صرح وزير خارجية العراق هوشيار زيباري أخيرًا لمجلة "المجلة": من المرجح أن تكون الحكومة الائتلافية المقبلة مكونة من ائتلاف واسع. وعلى الأرجح، لن تتمكن كتلة واحدة من تشكيل الحكومة، وسوف تكون الكتل البرلمانية كثيرة." ويعنى تشكيل مثل هذه الحكومة الانتقائية أن أي دولة تسعى للتأثير على السياسة الخارجية للعراق، سواء كانت الولايات المتحدة أو إيران، سوف تواجه مشاكل كبيرة في القيام بذلك بشكل حاسم.

إذن، ما التوقعات التي يمكن طرحها حول التوجهات المستقبلية لسياسة العراق الخارجية، لاسيما فيما يتعلق بجيرانه الأقوى؟ حين نتطلع نحو الشمال، نجد أن تركيا هي أكبر شريك تجاري للعراق، ويعد العراق واحدًا من بين العديد من دول المنطقة التي تتودد إليها سياسة أردوجان الخارجية المجددة. ورغم أنه حدثت توترات أخيرًا بشأن عمليات اقتحام الجيش التركي للأراضي العراقية للتعامل مع المتمردين الأكراد، يبدو أن تركيا يمكن أن تصبح شريكًا وثيقًا للعراق. وبالإضافة إلى ذلك، تعد تركيا معارضًا قويًا لإقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد، بل وتعارض إقامة دولة كردية مستقلة معارضة أشد، وبالتالي تعتبر حليفًا مهمًا للحكومة في بغداد في هذا الصدد أيضًا.

وحين ننظر إلى الغرب نحو سوريا، تبدو الأمور أكثر تعقيدًا. فكما أظهرت مقالة نشرت أخيرًا في مجلة "المجلة"، تعد العلاقة بين البلدين نوعًا من التناقض. فمن ناحية، هناك ترابط اقتصادي وثقافي متزايد بين سوريا والعراق، يحقق منافع كبيرة لكلا الجانبين. ومن ناحية أخرى، شهدت هذه العلاقة الثنائية توترات سياسية خطيرة. وعلى وجه الخصوص، تشعر الحكومة العراقية بانعدام ثقة عميق تجاه ما تعتبره أداء سوريا الضعيف في احتواء أنشطة المسلحين والبعثيين السابقين المزعزعة للاستقرار والذين يجدون ملجأ في الأراضي السورية. في العام الماضي، عندما طلبت حكومة المالكي من سوريا ترحيل بعض البعثيين، رفضت سوريا وقالت إن البعثيين لو أرادوا فعل ذلك، لقاموا بترحيل المالكي في الماضي [في إشارة إلى طلب صدام حسين ذلك]. وليس غريبًا أن نرى علاقات ثنائية تتسم بعلاقات سياسية متوترة وعلاقات اقتصادية قوية، وربما يكون هذا حال العلاقات في المستقبل القريب بين العراق وسوريا.

وإذا اتجهنا أكثر نحو الجنوب، نجد أن العلاقة بين حكومة المالكي والمملكة العربية السعودية قد توترت. وزاد هذا التوتر نتيجة حادثة أخذت بعدًا أكبر مما ينبغي، عندما وصف رجل الدين الوهابي في المملكة العربية السعودية آية اللـه السيستاني في العراق "بالملحد" و"الفاسق"، ضمن اتهامات أخرى موجهة للشيعة في العراق. ورغم أن هذا التصريح لاقى انتقادات شديدة داخل المملكة العربية السعودية، لكن رد المالكي بشكل قاسي، متهمًا المؤسسات الدينية السعودية باتخاذها موقفًا عدائيًا تجاه المسلمين الشيعة.. ولا تزال المملكة العربية السعودية ليس لديها سفارة في العراق، خلافًا لمصر وعدة دول عربية أخرى.

وأخيرًا، إذا نظرنا نحو الشرق، نجد الجار الإيراني القوي والفضولي. وكما أوضح وزير خارجية العراق لمجلة "المجلة": "إيران لديها نفوذ واسع وتحتفظ بوجود دبلوماسي وقنصلي واسع في العراق وتتمتع بعلاقات واسعة مع جميع الأطراف العراقية. وهناك إصرار إيراني على الحفاظ على وجودها في العراق، على عكس الدول العربية التي ليس لديها هذا الإصرار". ولكن الافتراض بأن الجانب الشيعي يجعل من المحتم أن إيران سوف تحدد السلوك الخارجي المستقبلي للحكومة العراقية هو افتراض مضلل. فبوجه خاص، يقضي هذا الافتراض بأن جميع الأطراف الشيعية العراقية، وخصوصًا حزب الدعوة الإسلامي والمجلس الأعلى، يتشاركان نفس الآراء حول ما يجب أن تكون عليه طبيعة الوجود الإيراني في العراق. إلا أن العلاقة الوثيقة بين البلدين، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية بين العراق وإيران أمر حتمي ويعتبر من مصلحة الدولتين والمنطقة أن تنجح هذه العلاقة.
 
وسوف يعتمد مستقبل سياسة العراق الخارجية وطبيعة تحالفاتها أساسًا على ما ستكشف عنه اللعبة السياسية الداخلية في العراق. وإذا استطاعت هوية البلاد الوطنية ومشروعها الوطني الشامل للجميع أن تكتسب زخمًا، ليس هناك سبب لأن تقتصر علاقات العراق الخارجية على ما تسعى التدخلات أجنبية إلى إملائه.

 

font change