الشركات النفطية الأمريكية تتخلى عن غنيمة الحرب في العراق

الشركات النفطية الأمريكية تتخلى عن غنيمة الحرب في العراق

[escenic_image id="5514917"]

منذ وقت طويل، قامت القوات الأمريكية بغزو العراق للإطاحة بالنظام الديكتاتوري للرئيس صدام حسين، وقد ألمحت قلة إلى أن الدافع وراء الغزو يتمثل في النفط.

وقد أثير جدل واسع حول نظرية المؤامرة حتى في الأوساط الدبلوماسية رفيعة المستوى، مثل الأمم المتحدة. واعتقد الكثيرون أن أمريكا قامت، تحت قيادة صقور النفط في البيت الأبيض بدءًا من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، بتعبئة أقوى جيوش العالم في ظل مزاعم زائفة بتأمين احتياطيات النفط الخام والغاز في العراق.  

وبعد مرور سنوات، توقع حتى أكثر المراقبين اعتدالًا أن يتم توزيع غنائم الحرب خلال أول مزادين على حقول النفط منذ غزو عام 2003، إذا لم يتم التعويض بأي شيء آخر عن مليارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين التي ذهبت لتعزيز بلد مزقته الحرب.

لكن إذا كان هدف بوش تمثل في تمهيد الطريق أمام شركات النفط الأمريكية، فإن هدفه لم يتحقق. فمن بين 15 شركة أجنبية، لم تحظ سوى شركتين أمريكيتين بعطاءات خاصة بالحقول العشرة التي تم منحها.

والسبب أنها ببساطة لم تكترث كثيرًا بالأمر. فلم تهتم سوى شركة أمريكية واحدة بالتقدم بعطاء في الجولة الثانية، والتي أُعلنت نتائجها في ديسمبر/كانون أول. وأما الجولة الأولى فلم تشارك فيها سوى أربع شركات أمريكية. ولا تزال وزارة النفط بصدد توقيع عقود مدتها 20 عامًا مع تمثيل قوي من شركات أوروبية وآسيوية وروسية بل وحتى أفريقية. وسوف تستولي شركة النفط الوطنية العراقية على 25% من جميع الحقول. وليس من المخطط له إجراء جولة ثالثة.    

ويتوقع العراق أن يزيد إنتاجه لأكثر من أربعة أضعاف ليصل إلى إنتاجية تقدر بنحو 11.14 مليون برميل يوميًا خلال سنوات ليقوى على منافسة أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم وهي المملكة العربية السعودية. وهذا تقدير حذِر إذا ما أخذنا في الاعتبار الموارد التي لم يتم اكتشافها بعد.

وعدم مشاركة شركات النفط الأمريكية بقوة في المزادات كان بمثابة قرار إستراتيجي. ويعزو البعض ذلك إلى استعداد الشركات الآسيوية أو المملوكة للدولة لمستوى مرتفع من المخاطر. ولكن بإلقاء نظرة أعمق، يتبين لنا أن الشركات الأوروبية وشركات التداول العام من جميع أرجاء العالم كانت بمثابة الرابح الأكبر، تلك الشركات التي تلتزم بنفس منطق السوق الذي تتمسك به شركات النفط العالمية في أمريكا.

ولنلق نظرة على الحقول العملاقة الأربعة التي تم منحها: حقل مجنون الذي يبلغ احتياطيه نحو 12.6 مليار برميل، كان من نصيب شركة شل الهولندية وهي أكبر شركة تداول عام في أوروبا، حيث بلغت حصتها 45%، وحظيت شركة بيتروناس المملوكة للحكومة الماليزية بنسبة 30%، وكان حقل القورنة ـ المرحلة الثانية ـ باحتياطي يبلغ 12.9 مليار برميل من نصيب الشركة الروسية العملاقة لوكويل، بنحو 64%، وشركة ستيتويلهيدرو النرويجية بنسبة 11%؛ أما حقل القورنة الغربي ـ المرحلة الأولى ـ باحتياطي يبلغ 8.7 مليار برميل، فكان من نصيب إكسون موبيل التي مقرها الولايات المتحدة الأمريكية بنصيب يبلغ 60%، وحصلت شركة شل على نسبة الـ 15% المتبقية، أما حقل الرميلة الذي يبلغ احتياطيه 17 مليار برميل، فقد كان من نصيب شركة بريتيش بيتروليوم بنسبة 38%، وشركة النفط الوطنية الصينية بنسبة 37%.

وبالنسبة للحقول الأخرى، فإن شركة أوكسيدنتال، هي الشركة الأمريكية الوحيدة بخلاف إكسون التي شاركت في المزادات، وقد فازت أوكسيدنتال بحصة ضئيلة ضمن ائتلاف تقوده شركة إيني الإيطالية لتطوير حقل الزبير الذي يبلغ احتياطيه 4.1 مليار برميل. كما حصلت شركة النفط الوطنية الصينية على ما نسبته 37.5% في الحلفاية، باحتياطي يقدر بـ 4.1 مليار برميل، وكانت الشركة الصينية تقود ائتلافًا يضم أيضًا بتروناس وتوتال الفرنسية حيث حصلت كل منهما على 18.75%.

ومن ضمن الفائزين الآخرين في الحقول الأخرى الأصغر حجمًا، جابكس وشركة جازبروم الروسية وشركة تابو التركية. كما فازت شركة بتروناس بأربع حصص في العديد من الحقول، من بينها اثنان من الحقول الكبيرة.

وعزا الكثيرون اللامبالاة الأمريكية إلى انعدام الأمن وعدم الاستقرار وهشاشة الإطار التنظيمي والفساد، والشروط غير الجذابة التي تقدمها بغداد في شكل عقود خدمية بدلا من صفقات تقاسم الإنتاج التي تفضلها هذه الشركات. ولكن جميع الشركات المطروحة للتداول العام قد خضعت لهذه الشروط، بما في ذلك الشركات الفائزة.

وليس هناك شك في أن الشركات الأمريكية تميل إلى النفور من تحمل المخاطر الكبيرة. ولكن من الصحيح أيضًا أنها ببساطة تستخدم النماذج الكلاسيكية الاقتصادية الخاصة بالتنقيب والإنتاج. وفي حالة العراق، فإن العائد المنخفض وعدم الاستقرار معا قد قللا من جاذبية الصفقات. فشركة بريتيش بيتروليوم، على سبيل المثال، ستحصل بالكاد على نسبة 20 في المئة كعائد على الاستثمار من وراء الصفقة التي أبرمتها، في حين أن الشركات الأمريكية تستهدف عادة ما لا يقل عن 25 في المئة كعائد على استثماراتها.

كما تخشى الشركات الأمريكية أيضًا أن يتم اعتبار مشاركتها سابقة أولى تمهد الطريق للمزيد من الصفقات المجحفة. أو بمعنى أخر لا يبرر تحقيق فوز كبير في العراق المخاطرة بحدوث موجة من عمليات إعادة التفاوض بشأن العقود والصفقات التي أبرمتها هذه الشركات في أي مكان آخر في العالم. وقد سبق أن رفضت شركات النفط العالمية في الولايات المتحدة الاستثمار في فنزويلا من قبل عندما قامت فنزويلا بتغيير القواعد، بينما وافقت الشركات الأوروبية على الشروط الجديدة.

ومن المؤكد أن الشركات الأوروبية والآسيوية قبلت هذه الخطوة بالفعل، ولكن الأمريكيين ليسوا مستعدين بعد على الأقل، لأن عقود الخدمة لا تحتسب في حجز الاحتياطي، وهو الحافز الأكثر جاذبية للمساهمين.

وليس هذا بالضرورة أمرًا سيئًا. ولم تتعرض شركات النفط العالمية الأمريكية لعقوبات نتيجة قرار إداراتها بالبقاء بعيدًا، مما يشير إلى دعم المساهمين لها لكونها من المساومين الأقوياء.

من الناحية المالية، كانت الشركات الأمريكية ستواجه أيضًا مسئوليات أكبر، وبالتالي تتطلب عوائد أفضل من نظيراتها الأوروبية والآسيوية. وربما يكون السبب أن الشركات الأمريكية تفضل الدخول من الباب الخلفي، وتدع الفائزين بالمناقصات يتعاملون مع جميع المشاكل الأولية ومخاطر البداية حتى يشتروا لأنفسهم حصة أقلية فيما بعد.

على أية حال، تسمح عقود الخدمات للشركات بالانسحاب بسهولة، على النقيض من عقود تقاسم الإنتاج والتي تتطلب التزامات أطول أجلا. وتفضل شركات النفط العالمية الأمريكية الانتظار لحين الانتخابات الرئاسية المقبلة وصدور قانون للنفط، بالإضافة إلى صدور قرار حول المأزق الكردي الخطير والمستمر مع الحكومة المركزية. وقد يثمر هذا الفعل نظرًا لأنه لا تزال هناك سبعة حقول تم عرضها في الجولتين الأوليين، والتي لم تتلق عروضًا. وعلاوة على ذلك، لا يزال العراق غير مستكشف إلى حد كبير وسوف يكون هناك المزيد من الفرص في المستقبل بالتأكيد.

ولا يعنى هذا أن الشروط الاقتصادية ستكون أفضل، ولكن على الأقل ستكون المخاطرة أقل.
ومع ذلك، تتنازل معظم شركات النفط العالمية الأمريكية عن ميزة الدخول المبكر. وإذا سارت الأمور كما يخطط العراقيون، فسوف تشتد المنافسة فقط، وكذلك الشروط. إلا أنه إذا لم يتمكن العراقيون من تدعيم طريقهم نحو الاستقرار، فإن أول الوافدين سيطرقون الأبواب الأمريكية ساعين وراء المزيد من الأموال لتلبية عقودهم.

غير أنه في كلتا الحالتين فإن مليارات الدولارات التي أنفقها العم سام وآلاف الأرواح الأمريكية التي أُزهقت لتأمين العراق، لن تترجم إلى ما يتوقعه الكثيرون من غنائم الحرب الضخمة. وهذا الأمر أفضل للجميع.

font change