شبح القاعدة صناعة غربية بسبب أطماع النفط

شبح القاعدة صناعة غربية بسبب أطماع النفط


يستطيع كل مراقب للحالة الجزائرية أن يرصد وبسهولة كيف تمكنت هذه الدولة العتية من توديع زمن العنف المسلح بعد فترة طالت لأكثر من عشر سنوات، ارتبط خلالها اسم الجزائر عالميًا بعمليات العنف والإرهاب، التي راح ضحيتها نحو مائتي ألف جزائري. لكن رغم هذا انتهي العنف المسلح على غير ما كان يتوقع كثيرون ممن كانوا يرون أن الإرهاب سرطان خبيث إذا تمكن من جسد دولة لم يفارقه حتى الموت، لكن الجزائر أثبتت عدم صحة هذه النظرية وتمكنت من إنهاء حالة العنف، بفضل صلابة المجتمع قبل الحكومة، فقد تعلم الجزائريون الدرس جيدًا وصاروا يحبذون ثقافة السلام. ولكن الغريب أن الاتهامات مازالت تلاحق الجزائر بأن القاعدة في المغرب العربي تسيطر عليها رغم أن الحقائق تؤكد أن هذا ربما كان في وقت مضى وان القاعدة حاليًا لا وجود لها على أرض الجزائر، فقد كان تواجدها مرتبطًا بظرف معين ساد فيه حب وإعجاب الجزائريين بهذا التنظيم العنكبوتي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، التي دمرت مركز التجارة العالمي ومبني البنتاجون بأمريكا، فقد رأى الجزائريون وقتها أن هذا انتقام من السياسات الأمريكية الظالمة، التي أضرت شعوب المنطقة العربية وأضاعت القضية الفلسطينية بفضل تراخيها. ولكن سرعان ما تراجعت شعبية القاعدة لدى الجزائريين، وخاصة بعد قبولها بانضمام جماعة "الدعوة والقتال" لها، والتي ساهمت في تعكير صفو الجزائريين بقيامها بدعم وتبرير العديد من العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء دون ذنب جنوه أو إثم اقترفوه.


ثم جاءت مبادرة الوفاق، التي طرحها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لتكمل مسيرة  القضاء نهائيًا على شبح الإرهاب بل وتسهم في خلق ثقافة المقاومة على المستوى الدولي، خاصة أن ذلك يعد حماية وتأمينًا ليس للجزائر وحدها أو منطقة المغرب العربي، وإنما لأوروبا بأسرها وكذلك أمريكا.وقد يرى البعض أن القاعدة مثلما عادت في اليمن يمكن أن تعود في الجزائر، وهذا أيضًا افتراض لا يدعمه أي سند فشتان الفارق بين الحالتين الجزائرية واليمنية، فعلى صعيد الجزائر لا توجد قاعدة بالمعنى الحقيقي، ولكن تحاول القوى العظمى خلق حالة من الوهم لدى الرأي العام بوجود قاعدة على أرض الجزائر لتكون ذريعة فيما بعد للتدخل في شئونها وتحديدًا التواجد في الصحراء الكبرى، التي تشترك فيها مالي والمغرب وليبيا والجزائر لأمور تتعلق بالطاقة والحصول على النفط.


ومن هنا فإن الطرح الغربي باستفحال القاعدة على بلادنا يعلم الجزائريون جيدًا الهدف منه وتزيد شكوكهم حول النوايا الخبيثة التي تحركه. وربما يكون ما حدث مع اليمن أخيرًا يثبت صحة هذه الشكوك، فقد ظل الغرب يلاحق صنعاء بتهمة وجود قاعدة إلى أن انتهى الأمر بعقد مؤتمر دولي في لندن، وصف اليمن بالدولة الفاشلة والعاجزة  عن القيام بدورها، وهو ما يعني، وفق منهجهم، حتمية التدخل الدولي على أراضيها لحمايتها من مخاطر القاعدة، إذن الغرب يحاول التدخل في شئون الدول بحجة المطالبة بتفعيل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن الهدف أكبر من ذلك حيث سيسعون إلى خلق أنظمة عربية تابعة لهم وليست تحقيق سياسة دولية أو ديمقراطية حقيقية على أرض الواقع تخدم مصالح الشعوب.


لكن هذه الألاعيب  الغربية أصبحت مفضوحة، فعصر القاعدة انتهى في المغرب العربي وتحديدًا الجزائر وما التفجيرات التي تشهدها البلاد ما بين وقت وآخر إلا أعمال فردية وغير تنظيمية تشهد مثلها بلاد عديدة بسبب تفشي حالات البطالة والفقر وغياب دور الدولة، فكل هذا يدفع بعض الأفراد العاديين للقيام بأعمال تفجيرية احتجاجًا على الوضع القائم، لكن هؤلاء لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بتنظيم القاعدة وإن كانت وسائل الإعلام الغربية تلعب دورًا في تضخيم الموضوع وربطه بالقاعدة لخلق حالة من الهلع لدى أبناء الشعب الجزائري باستخدام شبح القاعدة.


ولكن الكثيرين أيقنوا تلك اللعبة ولم تعد تشغل أذهانهم وقد يظن البعض أن ربط التفجيرات بالجماعة السلفية دليل على أنها تنفيذ لمخطط تنظيم القاعدة، لكن من يتابع تطور الأحداث جيدًا في الجزائر يتأكد أن الجماعة السلفية أصبح دورها محدودًا للغاية في أحداث العنف التي تندلع من وقت لآخر وأن كانت تتبني أفكارًا خارجية سواء كانت على باطل أو حق وهم في النهاية أشخاص جزائريون، ربما يحاولون الاعتراض على سياسة الحكومة بشكل أو بآخر، ولكن يبقى في النهاية أن التجربة الجزائرية لا يمكن أن ترجع للوراء بعدما ذاقت الأمرين من جراء عمليات العنف والإرهاب في فترات سابقة كما أن ثقافة السلم والأمن اعتمدها الشعب ولا مكان بينهم للدخلاء سواء القاعدة أو الجماعات المتشددة.


 وأخيرًا يبقى ما هو أخطر على الجزائر من العنف المسلح؛ إنه العنف غير المصحوب بالدماء الذي يستهدف تدمير مؤسسات الدولة بسبب ما شهدته الفترة الأخيرة من تحالف جماعات مختلفة وصلت لمواقع قيادية بالتعاون مع تيارات دينية وتسعى إلى الهيمنة على مقدرات الوطن، مما أدى إلى تفشي الفساد لدرجة تزكم الأنوف وتحول الأمر إلى ثقافة عامة، حيث طغت الرشوة والمحسوبية في معظم قطاعات الدولة. وهذا يشير إلى أن الدولة مقبلة على مرحلة عنف من نوع جديد يحتاج إلى وقفة من الشعب والحكومة مثلما حدث ضد الإرهاب المسلح

font change