هل ينبغي التدخل في الصومال و أفغانستان لحرمان الإرهابيين من ملاذهم؟


هل ينبغي التدخل في الصومال و أفغانستان لحرمان الإرهابيين من ملاذهم؟

[escenic_image id="5514431"]

في نوفمبر/تشرين ثانٍ من العام الماضي، تم إلقاء القبض على مجموعة تضم نحو عشرين شابًا في مينيابوليس، ووجهت إليهم تهمة الانتماء إلى جماعة الشباب المتطرفة التي سيطرت على نصف الإقليم الصومالي على أقل تقدير والتي تربطها بالقاعدة روابط وثيقة. ووصفت صحيفة نيويورك تايمز هذه القضية بأنها واحدة من أكثر التحقيقات كثافة حول الإرهاب المحلي منذ هجوم الحادي عشر من سبتمبر أيلول. ومن بين الأدلة على أن هذه الجماعة تمثل تهديدًا خطيرًا جدًا ما فعله شيروة أحمد أحد أعضاء الجماعة السابقين حيث قام بتفجير نفسه في هجوم انتحاري في عام 2008، شمال الصومال. وفي النهاية، فإن أكثر ما أزعج المسئولين الأمريكيين هم المشتبه فيهم الذين يحملون جوازات سفر أمريكية وجميعهم كانوا مواطنين أمريكيين.

ثمة جدل دائر حول ما إذا كان ينبغي التدخل في دول مثل الصومال وأفغانستان لحرمان الجماعات الإرهابية من ملاذها الآمن. وقد أثير هذا الجدل بطريقة تجعل الموقفين متعارضين. ويدعي أحد الأطراف أنه إذا لم يتم إعاقة وصول الإرهابيين بسهولة إلى ملاذهم الآمن في الصومال أو أفغانستان مثلًا في ظل حكم طالبان، فإن هذا التهديد سيخرج عن نطاق السيطرة. والموقف الآخر يفند هذا الادعاء من خلال تذكيرنا بأن خطر الإرهاب يمكن أن يأتي من الداخل بصورة أكثر تدميرًا وأن مشروعات بناء حكومة وطنية في بلدان مثل أفغانستان محكوم عليها بالفشل. 

ووضع أطر حول هذا النقاش بتلك الطريقة بمثابة أمر مفرط في التبسيط. وكما كتب أحد الفلاسفة البريطانيين: "أي تمييز بين أمرين يتم وضعه لغرض معين وذلك بهدف إقناع الناس بأن نوعية ما من الأشياء أفضل من الأخرى". والجدل الدائر حول الإرهاب والدول الفاشلة – تلك العلاقة التي ذاع خبرها في أعقاب أحداث 11 سبتمبر  /أيلول– تجسد هذا الوصف.

وبالرغم من أنه يمكن وضع خطة إرهابية وتنفيذها إما في دولة متقدمة أو في دولة فاشلة، تحتاج المنظمات الإرهابية أيضًا إلى قواعد ومعسكرات تدريب حتى وإن كانت تلك القواعد موجودة في مناطق يصعب العيش فيها مثل كهوف أفغانستان. ويمكن لأعضاء التنظيمات الإرهابية أن يؤسسوا جماعاتهم في أي دولة، لكن التنظيم الإرهابي لن يكون قادرًا على بناء معسكرات يتم فيها تدريب كوادرهم ومجنديهم على الأسلحة وتفجير القنابل في دولة تسيطر على حدودها وتهيمن على أقاليمها بفعالية.

والتنظيمات الإرهابية مثل عصابات المافيا تستغل عدم شرعية الدول الفاشلة اليوم في الاختطاف والابتزاز وتمويل أنشطتها مع الأنشطة غير القانونية الأخرى وكذلك تجنيد أعضاء جدد. وبالتأكيد، فإنه من الأسهل القيام بكل هذا في بلد مثل الصومال التي تبلغ فيها حدة الأسباب الجذرية للإرهاب حدتها مثل الفقر والظلم في حين يكون الأمر صعبًا في دولة مثل ألمانيا. والادعاء بأن الدولة المنهارة بشكل بالغ ليست بمثابة مرتع خصب حتى للتنظيمات الإرهابية يدحضه الوضع الحالي للصومال تلك الدولة المنهارة التي سرعان ما أصبحت ملاذًا للمتشددين.

وقد نجح التدخل العسكري في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة إلى حد كبير في حرمان تنظيم القاعدة من ملاذه الآمن. ولكن المشكلة هي أن تنظيم القاعدة سرعان ما وجد أماكن أخرى أقل خطرًا ليستقر فيها. حيث كان من السهل على الجهاديين الذين لم يعد لهم مكان في أفغانستان أن يتوجهوا إلى الدول المجاورة مثل باكستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، والصومال، واليمن، وأيضًا إلى غينيا بيساو التي تقع على الساحل الغربي لإفريقيا، والتي حذر بعض المحللين من ذهابهم إليها.

وبالرغم من خطاب تنظيم القاعدة - والمجموعات التابعة لها – الذي يناهض بقوة المدنية الحديثة، فإن التقنيات التي يستخدمها التنظيم تعتمد اعتمادًا كبيرًا على شبكة الإنترنت، وجميع وسائل الاتصال والأجهزة المحمولة التي تسهل السفر أو الاتصال عبر مسافات بعيدة. فهم يستخدمون الهواتف النقالة، وبطاقات الائتمان، والتليفزيونات، والطائرات، سواء أكانوا في قندهار أو في لندن. كما أثبتت السنوات الأخيرة أيضا، أن الخطر الأكبر ربما يأتي من الداخل. فتلقين الإرهابيين المزروعين داخل المجتمعات المحلية يمكن أن يتم في أي وقت سواء أثناء سفرهم إلى الصومال أو باكستان، أو ببساطة عن طريق دخولهم على المواقع الجهادية على شبكة الإنترنت من داخل شققهم في نيويورك.

وتتعلق القضية الأهم بالتجنيد، مما يضيف دليلًا جديدًا على أن هذا النقاش لا يمكن أن يقتصر على النواحي الجغرافية فقط. ففي "حرب الأفكار" هذه، التي تهدف إلى السيطرة على عقول الناس الذين يسهل التأثير عليهم، ومع استخدام الإنترنت لتحويل الناس إلى التطرف، تقل أهمية المفهوم التقليدي للمكان، حيث أن جميع الأماكن والبلاد قد أصبحت مهمة.

والخطر الذي تواجهه الدول القوية من داخلها، والخطر الذي تواجهه الدول الضعيفة من تحولها لملاذ آمن للإرهابيين، هما وجهان لعملة واحدة. ومن ثم فمن الضروري أن تقوم الشرطة والاستخبارات بعملهما، وأن يتم القضاء على الفقر - على الرغم من انتماء العديد من الإرهابيين للطبقة المتوسطة وتمتعهم بدرجة عالية من التعليم ـ والتصدي للتطرف. كما ينبغي أيضًا أن يتم القضاء على الملاذات الآمنة للإرهابيين في الدول الضعيفة والفاشلة سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل. و تبقى التساؤلات حول هذا الخطر الأخير إذا كان النهج المتبع نهجًا مستدامًا، وإذا ما كان ضرره أقل من نفعه.

font change