عقبات في طريق التفاوض بين العرب والإتحاد الأوربي

عقبات في طريق التفاوض بين العرب والإتحاد الأوربي

[escenic_image id="5514426"]

سُلطت الأضواء من جديد على العلاقات بين العرب والاتحاد الأوروبي، يحدث ذلك دائمًا كلما تولت إحدى دول الاتحاد الأوروبي الرئاسة الدولية للاتحاد. وخلال النصف الأول من عام 2010، نجد إسبانيا التي تتولى الرئاسة الحالية للاتحاد، ترغب في تعزيز الشراكة الأورو-متوسطية ودفعها خطوات للأمام. وقد تم تأسيس هذه الشراكة في عام 2008، بمبادرة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لإحياء العلاقات الأورومتوسطية التي كانت قد أوشكت على الاحتضار. وتضمنت مبادرة ساركوزي إنشاء منطقة تجارية حرة بين الاتحاد الأوروبي ودول حوض البحر المتوسط. ولم يتم الوفاء بشكل تام بالموعد النهائي في عام 2010، فيما يتصل بهذه المنطقة التجارية الحرة. كما أن المحادثات الخليجية التي تم إطلاقها في فترة التسعينيات ذهبت أدراج الرياح. وليست هناك دلائل على أن اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي سوف ترى النور قريبًا.

إذن ما الذي يزيد من صعوبة التفاوض بشأن تحقيق تكامل أكبر بين اقتصادات دول حوض البحر المتوسط والخليج العربي - ومن ثم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باستثناء إسرائيل وتركيا - والاتحاد الأوروبي؟

والسبب الأول لتعثر المفاوضات التجارية، يكمن في هيكل العلاقات التجارية الحالية نفسها، حيث إن معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتبر مصدِّرة للطاقة. والهيدروكربونات تدخل الاتحاد الأوروبي وهي معفاة من الضرائب ودون تحديد حد أقصى لمقاديرها. ولذلك، لا تشعر حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنها مضطرة لأن تتقارب مع أوروبا. وعلاوة على ذلك، تستفيد معظم الدول المطلة على البحر المتوسط من دخول سوق الاتحاد الأوروبي. وأسواق منطقة شمال أفريقيا ذات التعريفات الجمركية المرتفعة لا تمثل مقصدًا تصديريًا كبيرًا بالنسبة لأوروبا، إذا ما أخذنا في الحسبان مستويات دخولها المنخفضة بشكل عام. وتتجه أنظار أوروبا إلى آسيا. وفي حين أن الاقتصادات الخليجية الأكثر ثراءً بمثابة أسواق تصديرية أكثر ربحية، تعتبر معظم دول الخليج موانئ شبه حرة من الناحية العملية؛ فالتعريفات الجمركية المطبقة منخفضة جدًا. ويرغب الاتحاد الأوروبي في استثمار المزيد في مجالات التصنيع والخدمات. ولكن الاتحاد الأوروبي لم يسمح لبروكسيل إلى الآن بالتفاوض بشأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة نيابة عن الدول الأعضاء. وفي قطاع الخدمات، الذي يشمل الاتصالات والطاقة والمصارف والخدمات العملية...إلخ، يرغب الاتحاد الأوروبي في تحسين دخوله الأسواق. لكنه يواجه غالبًا إعراضًا كبيرًا من معظم اقتصادات الشرق الأوسط. وإذا ما أخذنا في الاعتبار حقيقة أن الاتحاد الأوروبي نفسه يظل حمائيًا في نفس هذه القطاعات، فإن مفاوضي بروكسيل ليسوا بالضرورة قادرين على تقديم مقابل مكافئ ومثير للاهتمام. 

وهناك سبب آخر مهم وراء تعثر المحادثات التجارية، وهو يتمثل في التنافس على المنتجات الزراعية بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودول الاتحاد الأوروبي. فمنطقة التجارة الحرة الأورو- متوسطية المزعومة تنتج كميات كبيرة من الفاكهة والخضراوات والأغذية المحفوظة التي لها أهمية كبيرة بالنسبة لمنتجي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي أفضل الأحوال، نجد أن بعض أنظمة التحصيص بدول الاتحاد الأوروبي تسمح بدخول منتجات شمال أفريقيا إلى أسواقها. وهناك دول مثل إسبانيا وفرنسا تنافس دول البحر المتوسط بشراسة في إنتاج الفاكهة والخضراوات وزيت الزيتون والحبوب. وتلك الدول لن تفتح أسواقها دون مقاومة شرسة. ويسود موقف مشابه في قطاع المزارع السمكية في دول الاتحاد الأوروبي الذي يتسم بالحمائية الشديدة والدعم المكثف. والتزامًا بالشروط الصارمة والمتطلبات الصحية المكلفة، لا يقبل الاتحاد الأوروبي أي معايير أخرى بخلاف معاييره حتى ولو في منطقة تجارية حرة.  

وأما الجانب الثالث من جوانب الخلاف، فيتمثل في حقيقة أن الاتفاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي تجلب معها كمًا هائلًا من القوانين والتنظيمات الخاصة بالاتحاد مثل المنافسة والشروط الحكومية والمطالب التي تزداد صرامة فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية. وهذه القوانين معقدة وغالبًا ما تكون مكلفة في تطبيقها. كما يروّج الاتحاد الأوروبي، وإن كان بقدر محدود من النجاح فكرة التكامل الإقليمي بغض النظر عما إذا كان هذا يتناسب مع الظروف المحلية أم لا. وعلاوة على ذلك، يطالب الاتحاد الأوروبي بالالتزام بالمعايير السياسية والاجتماعية والبيئية والمعايير الخاصة بالعمالة؛ تلك المعايير التي تجدها بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير مستساغة. وفيما يتصل بالعمالة والبيئة، يعتبر الكثير من الاقتصاديين تلك المعايير غير ملائمة للمستويات المحلية للتنمية.

ومن نافلة القول؛ إن تعميق الروابط الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة لكلا الطرفين. ففتح أسواق زراعية للاتحاد الأوروبي يمكن أن يحقق المزيد من التنوع وتحسين الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين، إضافة إلى فرص مذهلة بالنسبة لمزارعي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكلا الطرفين سوف يستفيد بشكل كبير إذا تم تحرير التجارة الخدمية والاستثمار. ويمكن أن تستفيد منطقة شمال أفريقيا أكثر بكثير مما عليها الحال الآن من فرص التوسع في مراكز الاتصالات والتصنيع الخفيف إذا ما أخذنا في الاعتبار التقارب الجغرافي بين تلك المنطقة والاتحاد الأوروبي. وفي العالم المثالي، فإن فرص هجرة المزيد من العمالة – رغم أن هذا لا يعد جانبًا للتفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية – سوف تحسن من مستقبل عدد هائل من الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتساعد الاتحاد الأوروبي على سد العجز الكبير في المعاشات. غير أننا لا نعيش في عالم مثالي. 

إذن ما الذي يمكن أن تفعله دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لكي تستفيد استفادة قصوى من روابطها بالاتحاد الأوروبي دون الاضطرار إلى انتظار نتائج المفاوضات المتعثرة؟ والإجابة عن هذا السؤال هي أن تبادر تلك الدول بالانفتاح. فكثير من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال منغلقة جدًا على الاقتصاد العالمي. وتحتاج الجزائر وليبيا وسوريا إلى الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. كما لا تزال التعريفات الجمركية في كثير من اقتصادات شمال أفريقيا مرتفعة وفقًا للمعايير الدولية. وقد فتحت تونس أسواقها بشكل كبير أمام الاتحاد الأوروبي واستفادت استفادة هائلة من الروابط التجارية مع الاتحاد. ويعد تخفيض أو إلغاء التعريفات الجمركية بمثابة إحدى الخطوات الأولى التي ينبغي اتخاذها إذا أراد أي بلد جذب الاستثمارات إليه. فهذا يؤدي إلى خفض سعر مدخلات الإنتاج، ويدفع الشركات إلى التنافس في الأسواق العالمية. لكن الفجوة الكبيرة بين التعريفات التي تطبقها تونس على واردات الاتحاد الأوروبي والواردات الأخرى تشوه الهيكل الاقتصادي، وتجعل اقتصادها مفرطًا في اعتماده على الاتحاد الأوروبي. وفي عالم تلعب فيه الأسواق الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية والدول المجاورة في الشرق الأوسط دورًا أكبر بانفتاحها، يعتبر النظام التجاري والاستثماري المنفتح بمثابة السياسة الحكيمة التي ينبغي تطبيقها. ويمكن لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تفرض شروطها وألّا ترضخ لشروط الاتحاد الأوروبي. فالتقارب الجغرافي مع الاتحاد الأوروبي يمكن أن يظل بمثابة عامل إيجابي لجذب الاستثمارات. وبمجرد أن يبدأ بلد في رفع دخله، يمكن أن يصبح الاتحاد الأوروبي على استعداد للتفاوض حول صفقات للتجارة الحرة أكثر شمولية بشروط أفضل لتحسين مجال الزراعة والخدمات، مثلما بدأ الاتحاد في تحقيق ذلك خلال اتفاقيات التجارة الحرة الأخيرة التي أبرمها مع دول البحر الكاريبي وكوريا الجنوبية.

ويمكن أن يعيد الانفتاح التجاري العرب إلى ساحة التجارة الدولية من جديد. وقد بدأ هذا بالفعل في دول عديدة بمنطقة الخليج وحقق نتائج مذهلة، ومن ثم فإنه حريٌّ بالدول الأخرى أن تحذو حذوها. فلماذا إذن انتظار أوروبا؟

إيانا درير، محللة في مجال السياسة التجارية، بالمركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي

font change