فريد محمدي كبير خبراء اقتصاد النفط

فريد محمدي كبير خبراء اقتصاد النفط

[escenic_image id="5514421"]

فهْم أسواق الطاقة العالمية، وفهْم الاقتصاد العالمي وجهان لعملة واحدة، وفريد محمدي خير من يُسأل عن هذا بصفته رئيسًا لتحليل السوق النفطية والمخاطر بشركة بي إف سي للطاقة، وهي شركة استشارية رائدة مقرها واشنطن، كما يعتبر محمدي خبيرًا في تقييم البيئة الاستثمارية لشركات النفط العالمية والعوامل السياسية والاقتصادية التي تؤثر على أسعار الطاقة وإنتاجها.

في حواره مع مجلة "المجلة" تحدث محمدي عن مستقبل النفط وصعود نجم الصين وارتباطها الاقتصادي المتنامي بالخليج العربي والتوقعات الخاصة بزيادة مديونية الاقتصاد الأمريكي. 

المجلة: كيف تتأقلم شركة بي إف سي للطاقة مع سوق الطاقة المتقلب؟

ما فعلناه هو؛ أننا ساعدنا شركات النفط الوطنية مثل أرامكو وبيتروبراس البرازيلية على الخروج بإستراتيجيات للشراكة مع آخرين، وهم يستمعون إلينا جيدًا. وفي نفس الوقت فإن شركات النفط الدولية مثل البريطانية للنفط وإكسون موبايل تريد أن تعرف كل شيء عن شركات النفط الوطنية. فهم يريدون أن يعرفوا مع مَن سيدخلون في شراكة؟ وما الفرص المتاحة؟ لقد كنا دائمًا ندخل إلى الدول النفطية من مدخل المخاطرة والكيفية التي تتعامل بها شركات النفط الأجنبية. والآن فإنني أحاول جذب اهتمام الدول إلى ما وراء النفط. ولنضرب مثالًا ببيونج يانج التي تبيع كثيرًا من منتجاتها إلى الإمارات. حيث يمكن أن يحتاج أحد التنفيذيين في بيونج يانج أن يعرف المزيد عن المنطقة أكثر مما يحدثه به مدراء تطوير الأعمال. إننا نحتاج إلى تنويع منتجنا بما يتجاوز النفط.

 المجلة: هل تستجيبون للاتجاهات الدورية أم الاتجاهات الأساسية وطويلة الأمد؟

نحن نستجيب للاتجاه الأطول أمدًا بالرغم من أن هذا الاتجاه يتفاقم نتيجة للاتجاه الدوري. ومستقبل شركات النفط الدولية مثار جدل واسع، فحوالي 75% من احتياطي الطاقة يتم التحكم فيه بواسطة شركات النفط الوطنية. ومن جانب آخر، نجد معدلات التراجع تصبح أشد انحدارًا، وتتضاءل قيمة الأصول خصوصًا تلك المملوكة للشركات الكبرى. فبإمكانها استبدال الغاز الطبيعي، لكنها لا تحقق نجاحًا كبيرًا في استبدال النفط، فما لديها ينفد. دعنا نتأمل معدلات التراجع بدءًا من عام 2000. لقد لاحظنا أن تلك الأصول كانت تتراجع بمعدل من 3 إلى 5% سنويًا أو ما شابه، لكنها الآن تتسارع بمعدل 7 إلى 9%، وهذا يعني أنه خلال عشر سنوات سوف ينفد ما لدينا من نفط في تلك الأصول.  

المجلة: هل معنى ذلك أن ما لدينا من نفط بدأ في النفاد؟

لم ينفد بعد ما لدينا من نفط، لأننا نكتشف المزيد من الحقول. ومع ذلك، فقد أصبحت المنافسة أكثر حدة لتجنب نفاد النفط، لأن القاعدة التي نقف عليها أصبحت أقل استقرارًا. ولكن أقصى مستوى لإنتاجنا لن يتجاوز مستوى (95-100) مليون برميل يوميًا، ونحن الآن عند مستوى ( 85-87) مليونًا. 

المجلة: وماذا يقول السعوديون عن هذا؟

لسان حال السعوديين يقول: "انظروا، لقد استثمرنا مليارات الدولارات في البحث والتنقيب عن النفط وتطوير حقوله وإنتاجه، وسوف نضخ ما بين 12 إلى 13 مليون برميل يوميًا. نحن بحاجة إلى المال من أجل توزيعه على الأجيال المختلفة، أي ادخاره أو توزيعه على القطاعات بما يجعل الاقتصاد أكثر تنوعًا. لا يمكننا أن نعطي أكثر من هذا. ربما نبحث مسألة زيادة الطاقة الإنتاجية اليومية لتصل إلى 15 مليون برميل لكننا الآن لا نريد أن نتجاوز 13 مليون برميل يوميًا. وانظروا إلى ما حدث في السوق. تقولون إنكم تشعرون بعدم الأمان بشأن تزويدكم بالنفط، ونحن نشعر بعدم الاستقرار فيما يتعلق بالطلب. نحن قمنا بتزويدكم بهذه الطاقة الإنتاجية الإضافية، وقد اضطررنا إلى خفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميًا. نحن نقوم بضبطه من أجلكم. وهناك أيضًا تغير في المناخ ومصادر بديلة للوقود ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار. لقد أعطيناكم، ولا تطلبوا منا المزيد".

المجلة: بالطبع سوف يستمر معدل الطلب في التزايد طالما أن الاقتصاد الصيني مستمر في نموه؟

نحن متفائلون وواثقون بالصين. فقد أصلح الحزب من نفسه وقام بتطبيق ديمقراطية الجدارة. وهذا أمر مهم. والأمر الثاني أن هناك تناقضًا صارخًا بين الهند والصين. فهناك سكين مشهر في وجه الصين اسمه الشعب الصيني. فلسان حال الشعب الصيني يقول لحكومته: "حسنًا، أنتم تريدون حرماننا من الديمقراطية وأن تقرروا كل شيء، إذن الأفضل أن تقرروا وأن تنفذوا ما تقررونه". وفي غضون ذلك، تمضي الصفوة الهندية في طريقها قدمًا تفعل ما تفعله وتقول لساكني الأكواخ: "ليس لديكم ماء تشربونه؟ حسنًا اذهبوا للتصويت". لكن ما الذي يحصلون عليه مقابل الإدلاء بأصواتهم؟ إنهم يخوضون هذه العملية الشاقة ليصلوا في نهاية الأمر إلى صنبور واحد فقط للماء.

 المجلة: هل تتوقعون رفع قيمة العملة الصينية في العام المقبل؟

لقد رفعت بكين قيمة عملتها بنسبة 20 في المئة منذ عام 2006. وهذا لم يؤد إلى انخفاض الصادرات، ولكنهم  ينتظرون ليروا ما سيحدث للصادرات خلال العام المقبل. إنهم سيفعلون هذه الأشياء، ولكن في الوقت الذي يناسبهم وبالكيفية التي يرونها ملائمة. إنهم تعلموا الدرس من اليابانيين. فعندما رفعت اليابان قيمة الين بشكل سريع ومفاجئ، أدى ذلك إلى حدوث فقاعة اقتصادية بالإضافة إلى انهيار اقتصادي. فما أسهل القيام برفع قيمة العملة. كما أن رفع قيمة العملة يجعل الناس يشعرون بأنهم أكثر ثراء وأن أموالهم قد ازدادت بشكل كبير. ولكن ينبغي إدارة الأمور بعناية وحذر لتجنب حدوث فقاعة اقتصادية. وينبغي عليهم أولا تلبية احتياجات أسواقهم الاستهلاكية.

المجلة: كيف ستؤثر قيمة العملة الصينية على العالم المتقدم؟

لقد تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن دورها الصناعي، بحيث أصبحت دولة مستهلكة بينما تحولت الصين إلى دولة منتجة. ومن ثم فقد أصبحنا الآن بحاجة إلى إعادة التوازن مرة أخرى. ولكن ما النموذج الذي سنتبعه لكي تصبح أمريكا دولة صناعية من جديد؟ حيث إن هذا الأمر لم يحدث من قبل، ولا توجد تجارب سابقة في هذا الشأن. فالمملكة المتحدة ركزت جهودها بالكامل في مجال الخدمات، حيث قالت ماجي "تاتشر": "نحن سنقوم بثورة في جانب العرض من خلال تحفيز الناس على زيادة الإنتاج". ولكن ما حدث كان شيئًا غير متوقع. فقد حدثت ثورة في جانب العرض بالفعل، ولكنها حدثت في الشرق. كما أن الثورة التي حدثت في جانب الطلب كانت مبنية على الائتمان. ولم تتمكن مانشستر وبرمنجهام من إعادة بناء نفسيهما. فهل تتمكن ديترويت من ذلك؟ أعتقد أن أي بلد يبلغ عدد سكانه 300 مليون نسمة، لا يمكن أن يعيش بدون وجود قطاع صناعي. فالخدمات تلتهم الاقتصاد. كما يجب على الصين أيضًا أن تزيد من استهلاكها. والنموذج الذي يمكن اتباعه في هذا الشأن هو اليابان، ولكن اليابان لم تصل إلى شيء. فالاقتصاد الياباني لا يزال يعتمد في جزء كبير منه على البناء ومد الجسور ولكن بلا غاية محددة.

المجلة: وماذا عن كوريا الجنوبية؟ فهي من ضمن البلدان التي قامت بتنويع الخدمات وتعزيز الاستهلاك؟

 هذا صحيح، ولكنهم فعلوا ذلك عن طريق الائتمان. وكذلك فعلت الصين أيضًا، ولكن إلى حد معين، من خلال خطة التحفيز التي طبقتها أخيرًا. وقد مُنيت كوريا في البداية بزيادة في حجم ديون الشركات في التسعينيات، ثم بعد ذلك بزيادة في  حجم الديون الاستهلاكية في عام 2000، مما أدى إلى حدوث انهيار اقتصادي في النهاية.

ويعد النموذج الآسيوي للنمو نموذجًا شديد الفاعلية بشكل لا يُصدق. فقد نجح في انتشال مئات الملايين من البشر من براثن الفقر، ولكن نقطة الضعف الوحيدة فيه هي التمويل. فهم يلتفون حول مشكلة التمويل بدون أن يحاولوا حلها. وبدلًا من ذلك فإنهم قاموا بدعم القروض، من خلال الاتفاقات التي تم عقدها بين البنوك والشركات. وبالتالي فهم يلقون جزاءهم نتيجة لما يقومون به من خداع والتفاف. كما يركز الآسيويون بشكل كبير على الصادرات بدلًا من خلق اقتصاد أكثر توازنًا، ويعتبرون الطلب الشديد على الوظائف نموذجًا ناجحًا للتوظيف. وهناك مقولة شهيرة لرئيس الوزراء الماليزي الأسبق، مهاتير محمد، حول الكيفية التي يشبِّه بها النمو بالنهر أثناء الفيضان. فهو يغطي على الإخفاقات السياسة مثلما يطمس الفيضان على الصخور والحجارة الموجودة في قاع النهر.

 المجلة: ما توقعاتكم للاقتصاد الخليجي؟

الاقتصاد الخليجي في ازدهار. فهناك شبكة جديدة للطاقة يجري بناؤها. أتذكر أنه عندما اجتمع فرانكلين روزفلت بالعاهل السعودي الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في البحيرات المرة في عام 1945، قامت أربع شركات من شركات النفط الأمريكية الكبرى، في ذلك الوقت، ببناء شبكة للطاقة تعمل على تنقية النفط لضمان وصوله من خلال البحرية الأمريكية إلى ألمانيا واليابان اللتين مزقتهما الحرب. وقد بدأت هذه الشبكة تتهاوى في السبعينيات، وتم استبعاد شركات النفط العالمية من المشاركة فيها. وقد أصبح العبء بأكمله الآن يقع على عاتق شركات النفط الوطنية

ومن ناحية أخرى، فهناك هذا التكامل بين دول الخليج وآسيا في مجال السلع و الخدمات.

المجلة: طريق الحرير الجديد؟

بالضبط.

المجلة: ماذا ستكون نتيجة المواجهة بشأن طموحات إيران النووية؟

إننا سوف نتعلم كيف نتعايش مع حقيقة امتلاك إيران لأسلحة نووية.

 المجلة : أليس هذا من شأنه زعزعة الاستقرار؟

لم يقم الإيرانيون بأي عمل في الماضي يشكل خطورة حقيقية، خارج دائرة نفوذهم. فإيران تعاني من مشكلات كبيرة في الداخل. والنخبة التي جاءت مع قيام الثورة الإسلامية منقسمة على نفسها. والنخبة المؤيدة للعولمة مهددة من قبل الطبقة الوسطى الأدنى التي عانت خلال الحرب، ويرون أن العولمة لا تجلب سوى المتاعب. وأعتقد أن النظام واقع تحت تأثير الكثير من الضغوط أكثر من أي وقت مضى.

فالنظام الإيراني قائم على دعامتين من الشرعية، وهما الديمقراطية والدين. وقد فقد النظام إحدى هاتين الدعامتين خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة المتنازع عليها. والدعامة الأخرى، أو الدين، يجري استخدامها حاليا لتوسيع نطاق الحكم الاستبدادي.

المجلة: بعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط، ما توقعاتكم بالنسبة لأسعار الفائدة؟ فنحن نمر حاليًا بمرحلة عدم استقرار، حيث  تقوم بعض البلدان برفع أسعار الفائدة، وبعضها الآخر، مثل الولايات المتحدة، من المرجح أن تبقي أسعار الفائدة منخفضة لبعض الوقت؟

النموذج الذي قد يوضح لنا ما يحدث في الولايات المتحدة هو اليابان. فما يحدث هو نتيجة عشر سنوات من الديون، حيث إن مجموع المديونية لدينا هو 350 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك التزامات الشركات والدوائر الحكومية والأفراد. وبالتالي فإن أي نسبة تزيد على 200 في المئة، وليس 350 في المئة من الدخل المحلي تعد شيئًا سيئًا. وإعادة التصنيع عملية صعبة للغاية. ويمكننا في هذا الشأن أن نحذو حذو النموذج الألماني، حيث نجحت ألمانيا في الحفاظ على مكانتها كواحدة من أكبر المصدرين والمنتجين للسلع المصنعة. وبالرغم من أننا لا نزال نحتل المرتبة الثانية في مجال التصنيع، فإننا ننحدر بشكل مستمر. وبقدر كراهيتنا للحكومة في هذا البلد، إلا أننا بحاجة إلى سياسة صناعية وسياسة خاصة بالطاقة. فلم يعد مقبولًا هذا الاعتماد الكلي من جانبنا على المواد الهيدروكربونية. كما لم يعد مقبولًا امتناع الشركات الكبرى، مثل جنرال موتورز، عن استخدام جماعات الضغط الخاصة بها للحصول على نظام للرعاية الصحية الوطنية من الدولة. فالرعاية الصحية تكلف هذه الشركات مبالغ طائلة. وينبغي أن يتركوا الحكومة تتولى هذا الأمر نيابة عنهم. ولكنهم بدلًا من ذلك يفعلون العكس تماما. أحيانا تذهلني بشدة الأمور العجيبة التي تحدث في هذا البلد.

المجلة: كيف تحتفظ الولايات المتحدة بمكانة مميزة في هذا الاقتصاد المتعدد الأقطاب على نحو متزايد؟ وهل يمكن أن تحل أمريكا مشكلاتها المالية بدون زيادة الضرائب؟

الشعب الأمريكي في الوقت الحالي، من وجهة نظري شعب منغلق على ذاته ومشوش ومتصدع ويعاني من بوادر شعوبية. ويمثل الجمهوريون اليمينيون الشعوبية بينما الديمقراطيون وحدهم هم الذين يحاولون إنقاذ الرأسمالية. وعبقرية جورج دبليو بوش ومستشاره السياسي كارل روف تتمثل في أنهما اكتشفا تلك الأمراض التي يعاني منها المجتمع الأمريكي وقاما باستغلالها، واعدين بتخفيض الضرائب مستقبلًا، وهو الأمر الذي لا يزال مستمرًا حتى الآن.

ومن هنا كيف يمكن للولايات المتحدة أن تنافس صناعيًا في العالم عندما نسيء لها بهذا الشكل؟ إن الدولة هي أفضل مروِّج للصناعة في أي مكان، من بريطانيا إلي المانيا والولايات المتحدة. وحكومة الولايات المتحدة لا تزال لديها قدرات هائلة. فلا يوجد أي بلد آخر في العالم يستطيع أن يضع رجلا على القمر ويغزو بلدًا، ويقوم بصيانة ملايين الأميال من الطرق السريعة، ويقوم بكل هذا في نفس الوقت. ولكن هذه الأمراض التي تنخر في المجتمع تضعف الدولة، على الرغم من أن خمسين في المئة من الأمريكيين يحصلون على الرعاية الصحية بشكل أو بآخر بمساعدة من الدولة. إن من المذهل حقًا أن ننغمس في مثل هذا العالم الوهمي.

المشكلة الأخرى هي أن النخبة قد تصدعت أيضًا. فقد كنا نتمتع بميزتين خلال فترة الكساد الكبير، حيث لم تكن لدينا ديون، وبالتالي كان من الممكن أن نحدث تضخمًا في الاقتصاد عن طريق الاقتراض، وكذلك كانت لدينا طبقة النخبة التي تمثل الشمال الشرقي والأجزاء الجنوبية من البلاد على حد سواء. وهذه النخبة هي التي دفعتنا لأن نبدأ في "إعادة الإعمار".  ولكن في الوقت الحالي ليس لدينا شيء من هذا القبيل، وهذا ما يقلقني. فنحن بهذا الشكل لا نقتل أنفسنا بطريق الخطأ ولكن مع سبق الإصرار والترصد.

font change