إدارة أوباما تواجه طهران بعقوبات دولية و ليس عملاً عسكريًا

إدارة أوباما تواجه طهران بعقوبات دولية و ليس عملاً عسكريًا

[escenic_image id="5513839"]

خلال عامه الأول في الحكم، ركزت سياسة باراك أوباما نحو إيران على الحد من تطوير طهران لبرنامجها النووي، والذي يوفر لها القدرة على صنع أسلحة نووية. وسعى ممثلو الولايات المتحدة في الوقت نفسه لضمان التوصل إلى تسوية عبر المفاوضات مع إيران، بينما يناقشون مع الحكومات الأخرى فرض عقوبات إضافية ربما تكون مطلوبة إذا استمرت طهران في تخصيب اليورانيوم ومواصلتها لأنشطة أخرى خاضعة لحظر من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ووصلت هذه الجهود الدبلوماسية للتواصل إلى ذروتها في شهر أكتوبر تشرين الأول، عندما اجتمع ممثلون من الولايات المتحدة وإيران، إلى جانب دول أخرى، في جنيف وفيينا للتفاوض على اتفاق تبادل بمقتضاه إيران بعض المخزونات الحالية من اليورانيوم منخفض التخصيب بخلايا وقود عالي التخصيب، وهو مطلوب لمفاعل طهران للأبحاث الطبية. ووصفت إدارة أوباما هذا الاقتراح باعتباره إجراء لبناء الثقة من شأنه أن يؤخر قدرة إيران على صنع سلاح نووي من مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب لعدة أشهر على الأقل.

وبالرغم من أن المفاوضات لا تزال مستمرة، أثبت الطرفان عدم قدرتهما على الاتفاق على مكان وزمان وكيفية إتمام الصفقة. وبرغم أشهر من الجمود، فقد أيد ممثلون عن روسيا والصين استمرار المحادثات. ولم تتعهد بكين ولا موسكو بفرض عقوبات إضافية على إيران بسبب أنشطتها النووية.

كما سعت إدارة أوباما إلى الحوار مع الحكومة الإيرانية في قضايا أخرى، بما فيها المخاوف الأمنية الإقليمية مثل الحربين في العراق وأفغانستان. وخلافًا لإدارة الرئيس جورج بوش، لم يتهم البيت الأبيض في ظل أوباما الحكومة الإيرانية بمساعدة حركات التمرد المناوئة لأمريكا في البلدان المجاورة، بما في ذلك اليمن، أو أبرز علاقات طهران بالحركات الإرهابية التي تسعى لمهاجمة الولايات المتحدة وإسرائيل، أو غيرها من الدول. كما تخلى أوباما أيضًا عن الحديث عن تغيير النظام في طهران وضرورة الإبقاء على الخيار العسكري في الحسبان.

وفشلت هذه الجهود للتواصل أيضًا في إحراز تقدم كبير. وبالرغم من تبادل أوباما لرسائل عديدة مع أحمدي نجاد وخامنئي، أخفق أوباما في إقامة حوار دائم مع القادة الإيرانيين. واجتمع كبار الدبلوماسيين الأمريكيين والإيرانيين في مؤتمرات دولية عديدة وناقشوا ملف طهران النووي وأفغانستان، وغيرها من القضايا، ولكن لم يحدث تقارب واضح في مواقفهما شديدة الاختلاف في أغلب الأحيان. ويشجب ممثلو إيران دعم واشنطن لإسرائيل، وتصعيدها للحرب في أفغانستان، والوجود العسكري في العراق والخليج الفارسي. ويصفون أوباما بأنه يواصل سياسات بوش ببساطة، ولكن بخطاب أكثر رقة.

وقد سممت الخلافات المريرة حول البرنامج النووي لطهران المناخ في هذه اللقاءات، ولكن جاءت المشكلة الرئيسية في أمر غير متوقع تمامًا،عندما أصبح أوباما رئيسًا في يناير كانون الثاني 2009، وهى ظهور حركة شعبية قوية في إيران تسعى إلى تغيير سياسات النظام وتغيير شكل حكومته.

وكان صناع السياسة الأمريكيين يأملون ألا يفوز أحمدي نجاد بإعادة انتخابه في شهر يونيو حزيران نظرًا لأنهم اعتبروه شريكًا غير واعد في التفاوض بشكل واضح. ولكنهم توقعوا فوزه نظرًا للتأييد الواضح الذي يتمتع به بين الدوائر الإيرانية الرئيسية، مثل الحرس الثوري وفقراء المناطق الريفية. وتوقع عدد قليل أن الاحتجاجات الجماهيرية التي تلت الانتخابات نتيجة تصور كثير من الإيرانيين أن أصواتهم تمت سرقتها في انتخابات 12 يونيو حزيران الرئاسية. وكانت الانقسامات المستمرة داخل النخبة الحاكمة غير مسبوقة أيضًا.

وبغض النظر عما يرغب أوباما سرًا أن يحدث في طهران، كان حريصًا على الابتعاد عن الحديث عن تغيير النظام. ومع ذلك، لكي يواجه الانتقادات بأنه لم يقدم دعمًا علنيًا كافيًا للمتظاهرين، تبنى أوباما لهجة انتقادية متزايدة عندما كان يعلق على السياسة الإيرانية الداخلية، وآخرها كان خلال مؤتمره الصحفي بعد عيد الميلاد حول التهديدات الإرهابية. وردًا على ذلك، اتهم أحمدي نجاد وخامنئي، وغيرهما من المسئولين الإيرانيين الولايات المتحدة وحلفاءها بالتحريض على الاضطرابات الداخلية في بلدهم.

كما يزيد استمرار الاضطرابات السياسية في إيران جهود المصالحة بين واشنطن وطهران تعقيدًا. ونشأت آلية مؤسفة تقضى بأنه حين يقبل المفاوضون الإيرانيون حلًا وسطًا حول سياستهم النووية أو غيرها من الأنشطة، يهاجم الإصلاحيون والقوميون الحكومة لتفريطها في مصالح إيران. وبالرغم من أن إيران قطعًا ليست ديمقراطية متحررة على النمط الغربي، فإن نظامها القائم على مراكز السلطة المتنافسة جعل من الصعوبة بمكان التوصل إلى إجماع أراء حتى قبل أن تزيد الاضطرابات المحلية الأخيرة الأمر تعقيدًا.

وتنذر استنكارات أوباما الحادة للنظام الإيراني في أعقاب احتجاجات أواخر ديسمبر كانون الأول بنهج أكثر تشددًا من البيت الأبيض في العام المقبل. وإذا أخذنا ذلك في الاعتبار، فإنه لا يوجد حماس كبير للقيام بعمل عسكري ضد إيران عندما تحاول القوات المسلحة الأمريكية تغيير الانتكاسات الخطيرة في أفغانستان، بينما تحافظ على الانسحاب المحفوف بالمخاطر من العراق.

وسوف تسعى إدارة أوباما على الأرجح إلى فرض سلسلة أخرى من العقوبات الدولية على إيران. وسوف تحظى هذه المحاولة بتأييد العديد من القادة السياسيين في الولايات المتحدة ولكن ستؤيدها بعض الحكومات الأجنبية فقط. والأخطر من ذلك، سوف تفشل العقوبات على الأرجح في التأثير على أهل النخبة في السياسة الإيرانية المنكفئين على أنفسهم، حيث يشغلهم عدم الاستقرار السياسي في الجمهورية الإسلامية الذي ربما يعتبر الأشد خلال ثلاثين عامًا من تاريخها.

ريتشارد ويز- حاصل على درجة الدكتوراه وزميل قديم ومدير في مركز التحليل السياسي العسكري في معهد هدسون بواشنطن العاصمة 

font change