المهاجرون والأزمة الاقتصادية العالمية يوري دادوش ولورين فالكاو مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي نوفمبر/ تشرين ثان2009

المهاجرون والأزمة الاقتصادية العالمية
يوري دادوش ولورين فالكاو
مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
نوفمبر/ تشرين ثان2009

[escenic_image id="5514380"]

تنتاب منتقدي العولمة هواجس كثيرة، بعضها واقعي، ولكن الكثير منها مبالغ فيه. ومن بين المخاوف التي تعد من قبيل المبالغة؛ فهْم أن العمالة المهاجرة تشكل تهديدًا، وخاصة خلال فترات الركود الاقتصادي عندما يصعب على أصحاب الأعمال الاحتفاظ بالعمالة، والأصعب من ذلك الحصول عليها. واستجابت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي لهذه المخاوف وتأثيرها على سياسة الهجرة في أحدث تقرير لها واسمه "المهاجرون والأزمة المالية العالمية". في هذا التقرير، يقوم يوري دادوش ولورين فالكاو ليس فقط بتبديد هذه الشائعات ولكنهما يؤكدان بقوة على فوائد العمالة المهاجرة.

يؤكد تقرير "المهاجرون والأزمة المالية العالمية" أولًا على أهمية المهاجرين بالإشارة إلى وجود أكثر من 200 مليون مهاجر في العالم، ويأتي 82% منهم من البلدان النامية. إلا أنه مع هذه الهجرة، تحدث آثار محددة على كل من أوطانهم والبلدان المضيفة. ويوضح التقرير أن المهاجرين يسهمون بشكل كبير في المقام الأول من خلال التحويلات التي يرسلونها إلى الوطن. و"تمثل تلك التحويلات مصدرًا أساسيًّا من مصادر النقد الأجنبي بالنسبة لهذه البلدان، وتعتبر كذلك أداة رئيسية في مكافحة الفقر". كما تعزز الزيادة في توافر العملات الأجنبية من خلال التحويلات المالية الأمن الغذائي في البلدان المعرضة للجفاف، وتسمح لهم بمزيد من استيراد الأدوية وغيرها من التقنيات.

ويبرز دادوش وفالكاو أيضًا الرؤية الشائعة بأن الهجرة تخفف من آثار الفقر في البلدان الأصلية للمهاجرين. "فالمهاجرون يزيدون عادة أرباحهم الحقيقية بمقدار ثلاثة أضعاف، من خلال العمل في الخارج، ويشير بحث البنك الدولي إلى أن أكثر من 10% من الزيادة في نصيب الفرد من التحويلات الرسمية تؤدي إلى تراجع بنسبة 3.5% في نصيب من يعيشون في فقر في البلد المستقبل للتحويلات المالية." وتأتي مكاسب البلدان المضيفة من خلال انخفاض أسعار البناء والخدمات، بما في ذلك الفندقة وتجارة التجزئة، والرعاية الصحية والمساعدة المنزلية.

وعلى هذا يبدو أنه في سياق الأزمة المالية تتجه جميع الأطراف إلى دعم احتياجات المهاجرين، ومع ذلك يميل رد الفعل المعاكس إلى السيطرة على الاتجاهات في السياسة. ويرجع هذا أساسًا إلى الاعتقاد بأن العمال المهاجرين يزيدون من التنافس على الوظائف. ويدحض دادوش وفالكاو هذا الادعاء بإثبات أنه خوف مبنيٌّ على افتراض؛ أن العمال المهاجرين يعدون بدائل مناسبة للعمال المحليين، وأن العمال المحليين يريدون نفس الوظائف. ومن ناحية أخرى،  أشار بحثهما إلى أن العكس هو الصحيح. فعلى سبيل المثال، عادة ما يحمل العامل الأمريكي، منخفض المهارة، شهادة الدراسة الثانوية ويتحدث الإنجليزية، بينما يكون حظ المهاجر المكسيكي، منخفض المهارة، 6 سنوات من التعليم ولا يتحدث الإنجليزية في العادة. وبالتالي لا يعد المرشحان البديلان الأمثل لبعضها البعض، وبالتالي لا يتنافسان على نفس المستوى.

وبالإضافة إلى الاختلافات في رأس المال البشري، يواجه المهاجرون أيضا مخاطر عديدة خاصة أثناء الأزمات، حيث إنهم يعملون على الأرجح في القطاعات الأكثر تضررًا في الاقتصاد. وعلاوة على ذلك، يصبح المهاجرون والمهاجرون غير الشرعيين عالقين سياسيًّا في الوسط بين أوطانهم الأصلية والبلدان المضيفة. ونتيجة لذلك، لا ينصت صانعو السياسات إلى مطالبهم في أي من البلدين. وأعطت وسائل الإعلام الكثير من الاهتمام لتدفق المهاجرين إلى دبي، ولكن يبدو أن هذا هو الاستثناء. عمومًا، على الرغم من الصعوبات التي يواجهها المهاجرون في البلدان المضيفة، يفضل العديد منهم البقاء فيها.

ويرتبط قرارهم بالبقاء بالرقابة على الحدود وقوانين الهجرة والتي قد تحول دون عودتهم فور تحسن الاقتصاد. ويفضِّل المهاجرون غالبًا تحمل انتهاء البطالة أو انخفاض الأجور في البلد المضيف على العودة إلى ديارهم..." ومن المفارقات أن تشديد القيود على عمليات الهجرة، هو رد فعل شائع في البلدان المضيفة، حيث يهدف عمالها المحليون إلى ثني المهاجرين عن القدوم، فربما يزيدون احتمالات توظيفهم سوءًا . "هذا العام، علّقت كوريا الجنوبية وماليزيا وتايلاند نشاط قدوم العمال الوافدين. كما خفضت أستراليا وكازاخستان وروسيا حصصها من الوافدين الجدد. وزادت المملكة المتحدة من الشروط الأكاديمية والمالية أمام المهاجرين الذين يحاولون دخول البلاد كعمال مهرة ".

وبناءً على هذه النتائج، يرى التقرير أن صانعي السياسات بحاجة إلى الصمود أمام الضغوط السياسية التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات ضد المهاجرين، ليس فقط لأسباب أخلاقية، ولكن لأن هذه التدابير تضر سياستهم الاقتصادية. فبينما يظهر بحثهم بقوة أن قيمة العمالة المهاجرة لا تحظى بالتقدير الواجب في البلدان المضيفة، وأن المكاسب التي تحققها الهجرة للاقتصاد العالمي شيء مهم، فإنه من غير الواقعي أن يُطلب من واضعي السياسات تجاهل الضغوط السياسية، خصوصًا إذا كان هؤلاء هم المسئولين المنتخبين.

وبالاعتراف بأن هذا الأمر أسهل في قوله من تنفيذه، فإن التقرير يرى أنه بدلًا من وضع لوائح أكثر صرامة على الهجرة، فإنه من الأفضل وضع سياسات لتشجيع المهاجرين على العودة إلى بلدانهم الأصلية. وعلى الرغم من أن هذا قد يكون طريقًا أكثر واقعية في التعامل مع الناخبين في الداخل، فإن الهجرة المؤقتة لا تخلو من المشكلات. وتتعرض برامج الهجرة المؤقتة للانتقاد لأنها تؤدي إلى الهجرة الدائمة، وأولئك الذين يعارضون الهجرة من الناحية السياسية قد لا يرون مزايا هذا البديل. ومع ذلك، فإن مشكلات الهجرة المؤقتة يجب أن يعاد تصميمها، بحيث تتكيف مع العرض والطلب في السوق العالمية، فلا يوجد أي سبب يمنع العمال المهاجرين من تحقيق المنافع التي كانوا يقدمونها في الماضي.

إن القضايا التي يطرحها تقرير "الهجرة والأزمة المالية" لها أهميتها بسبب سعة نطاقها. ومن المثير للاهتمام أن هذه القضايا تلقي الضوء على اتجاه السياسة الداخلية لتقويض فاعلية الاتجاهات الاقتصادية. ويشير التقرير أيضا إلى أنه ربما تعد العلاقات العامة واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الهجرة على الرغم من أنها واحدة من أكثر الظواهر الإيجابية للعولمة،  فإنه نادرًا ما يُنظر إليها على أنها كذلك.

 إن كيفية إعادة تصنيف الهجرة وفصل ارتباطها بفقدان فرص العمل بمثابة عقبة مهمة يجب أن يواجهها صانعو السياسات.

font change