الشرق الأوسط..عام على أوباما في البيت الابيض

الشرق الأوسط..عام على أوباما في البيت الابيض

[escenic_image id="5513840"]

في البداية، لا بد أن نضع في اعتبارنا أنه بالرغم من أن العام الأول لأوباما كان مليئًا بأزمات السياسة الداخلية والخارجية، وتسببت قضايا مثل الركود الاقتصادي في اختفاء الخط الفاصل بينهما،فإن الولايات المتحدة لم تنهج النهج الذي كان متوقعًا لها من قِبِل الكثيرين: ألا وهو التقشف. ولكن بدلا من ذلك، فقد قام أوباما بأربع رحلات رئيسية إلى الخارج، كما يبدو أن وزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، قد أصبحت تمضي وقتًا في الخارج يعادل الوقت الذي تمضيه في واشنطن. وبالإضافة إلى ذلك فقد عين أوباما مبعوثين خاصين للتركيز على مدار الساعة في القضايا المتعلقة بفلسطين وأفغانستان وباكستان وكوريا الشمالية، وغيرها من البؤر الساخنة.

وقد نجح أوباما في خلال المائة يوم الأولى من تولِّيه الرئاسة، في تغيير مسار السياسة الخارجية الأمريكية عما كانت عليه خلال العقود الماضية، حيث كانت السياسة الخارجية الأمريكية تهدف إلى تحديد وعزل ما يسمى بـ"الدول المارقة" أو "الدول المثيرة للقلق". كما حاول أوباما مد جسور التواصل بشتى الطرق مع كوبا وفنزويلا وإيران وميانمار وكوريا الشمالية وغيرها من الدول، مما ولَّد حركة دينامكية إيجابية وإمكانيات محتملة للتواصل في هذه الدول، آثارها لم تظهر بعد، وإن كانت تبشر بالخير بالنسبة للمستقبل. بنفس القدر من الأهمية، فقد صاغ أوباما طابعًا جديدًا لعلاقات الولايات المتحدة مع الدول الكبرى، وخاصة مع روسيا فيما يتعلق بالحد من التسلح، ومع الصين فيما يتعلق بإعادة التوازن في الاقتصاد العالمي. وهذا يجعل أوباما أول رئيس أمريكي يقدِّر حقًّا أهمية وجود عالم متعدد الأقطاب ووجود سوق جيوسياسية لا تملك فيها أي دولة، بما في ذلك الدول العظمى، ما يكفي من النفوذ لعزل أعدائها، حيث ستقوم القوى العظمى الأخرى بمد أولئك الأعداء بالدعم الدبلوماسي والمالي والعسكري. وهذا التحول في العقلية والخطاب الدبلوماسي كان السبب الرئيسي وراء حصول أوباما على جائزة نوبل للسلام.

ومن المؤكد أن هناك الكثير من التساؤلات التي ستُثار حول ما إذا كان أوباما يستحق هذه الجائزة أم لا، لقيامه بالتعامل مع هذا الكم الكبير من الأزمات والتي تمتد من الشرق الأدنى إلى آسيا الوسطى، وهذه هي المنطقة التي تقع فيها المصالح الأمريكية وحياة جنودها على المحك بشكل مستمر.

أزمة السلام

لا يزال ملف السلام شوْكة على الدوام في خصر البيت الأبيض. وكانت هناك إشارات متضاربة بالفعل خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية حول موقف أوباما منها، بجانب هيلاري كلينتون (التي أصبحت فيما بعد وزيرة للخارجية) حين أشارت بالالتزام الصارم نحو إسرائيل. كما أقالت حملة أوباما مستشارًا بارزًا لحواراته مع حركة حماس  دون إذن الحكومة الأمريكية. ولاقت المحاولات العديدة لتوليد قوة دافعة مبكرة من خلال مؤتمرات القمة الفلسطينية الإسرائيلية استقبالا شديد البرودة، بينما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثا بنيامين نتنياهو إلى معاقبة أوباما بسبب انتقاداته للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. وحتى عندما اجتمع الرجلان أخيرًا، أبرز اللقاء فقط الفجوة بين الحليفين التاريخيين.
 
وبعد مضي عام، ليس هناك سبب يدعونا إلى أن نكون أكثر تفاؤلا من السنوات الماضية. وأصبح الحل القائم على أساس الدولتين النتيجة المرغوبة أكثر من معظم الناس، غير أن القليل يسعون حقًا نحو تحقيقه. ولا تبرز "خريطة طريق" أو "خطة سلام" -- سواء كانت أمريكية، أو سعودية، أو إسرائيلية -- باعتبارها تحظى بقبول واسع بشكل كاف. وأعرب الأمير السعودي تركي الفيصل في وقت مبكر من هذا العام عن إحباط مبكر نتيجة قلة الدعم الأمريكي لخطة السلام العربية، حين قال "لا نريد أي خطة أمريكية جديدة من أوباما. نريد المساعدة فقط على تنفيذ الخطط الحالية. ويواصل جورج ميتشل، مبعوث أوباما الخاص للأزمة، محاولة تحقيق ذلك دون جدوى.

 إذن ماذا يستلزم  لتحقيق انفراجة في الأزمة خلال السنة المقبلة وما بعدها؟ أولا، لا بد من حدوث مصالحة بين حماس وفتح بدلا من حرب أهلية تحقق نتائج عكسية بين المعسكرين في الضفة الغربية وقطاع غزة. عندئذ فقط يمكن للفلسطينيين استعادة القوة التفاوضية أمام إسرائيل. من جانبها، من مصلحة إسرائيل أن تكبح جماح مستوطنيها المشاكسين بشكل متزايد قبل أن يصبحوا قوة مزعزعة للاستقرار داخل إسرائيل نفسها. وحيث إنهم يؤيدون نتنياهو، فتسبب هذا في إحداث شرخ عميق بين سياسة إسرائيل المعلنة وممارساتها الفعلية، وربما تصبح عواقب ذلك وخيمة على إسرائيل بنفس القدر على الأراضي الفلسطينية. إذن تحتاج القوى الخارجية والدول المانحة إلى مواصلة نفس المجهود. ولا بد من استغلال دور مصر المتجدد كممر ووسيط في قطاع غزة بصورة بنّاءة لانتشال المنطقة من الفوضى نحو الاستثمار في المصانع والميناء. ولابد أن يتقدم ما يسمى "قوس" الطرق والبنية التحتية للسكك الحديدية التي تربط بين غزة والضفة الغربية بشكل فاعل بجانب خلْق الوظائف وبناء الوحدة الفلسطينية جسديًا. ويُعد الاستقلال دون بنية تحتية محاولة عقيمة.

 العراق

 سوف يتذكر الجميع عام 2009، على أنه العام الذي حلت أفغانستان مكان العراق في الوعي الأمريكي الجغرافي-السياسي. إلا أنه ربما تظل العراق في عام 2010، نفس المشكلة المعقدة أكثر من أي وقت مضى. وحتى بينما تخفض الولايات المتحدة عدد قواتها النشطة هناك بسرعة، تدل تفجيرات السيارات المفخخة المستمرة والتي تنسب إلى الميليشيات السنية المتمردة التي تستهدف الحكومة الشيعية والجيش والشرطة بقيادة نوري المالكي، على مدى هشاشة القشرة الديمقراطية في العراق. وأشير بشكل خاص إلى قانون الانتخابات في البلاد، والذي لا يزال منحازًا ضد الأقليات، ويعزز جبهة المالكي وقوته. ولا يزال هذا القانون محل خلاف مع غياب حل عملي في الأفق. وهناك أنباء طيبة عن تدفق الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة، ولكن أسعار الطاقة انخفضت، ولا يزال العراق بعيدًا إلى حد ما عن الأداء بكامل طاقته.

 
بل ويأتي السؤال الأهم عن بقاء العراق كدولة موحدة ذات سيادة. ويفضل العرب السنة والشيعة من السكان بالطبع النظام الاتحادي، ولكن الأكراد في الشمال لديهم طموحات مختلفة بشكل واضح. باعتبار جلال طالباني واحدًا من قادة الأكراد العسكريين، وبعد خروجه من الحكم، حيث إنه الرئيس الحالي للبلاد، يمكن للحسابات الكردية أن تتحول إلى أبعد من ذلك في عام 2010. ومع تأجيل تعداد سكان كركوك إلى أجل غير مسمى، فلا يتضح بشكل جلي ما سوف يشكل الأراضي العراقية في الواقع بعد عدة سنوات من الآن.

ونظرا لنجاح حكومة إقليم كردستان في اجتذاب المستثمرين الأجانب، بجانب تحسن علاقاتها مع جيرانها، وخاصة تركيا، وقيامها بدور مضيف يرحب بوجود القوات الأمريكية المتبقية، يمكن أن نرى أين تتجه الخطط الكردية في نهاية المطاف، ولها ما يبررها. في الواقع، إذا تمكنت كردستان من موازنة جغرافية أرضها المغلقة مع دور مستقر كمصدر للطاقة لخطوط الأنابيب عبر تركيا وسوريا والعراق، إذن يمكن لجميع الإطراف أن تستفيد. ولكننا نستطيع أن نتصور في أقرب وقت أن الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الأمريكية سوف يفسح المجال تدريجيًّا أمام حرب بين إيران والسعودية ينوب عنهما فيها السنة والشيعة على بقية العراق -- ويكون العراق هو الخاسر مرة أخرى.

 إيران

من المؤكد أن أكبر خيبة أمل شخصية لأوباما خلال عامه الأول في تولي دبلوماسية الشرق الأوسط هي إيران. كان المفترض أن تكون جمهورية إيران الإسلامية ـ وتذكر أحيانًا بالاسم ولكن بشكل ضمني دائمًا خلال الخطب البارزة لحملة أوباما ـ هي التوجه الرئيسي لسياسته الخارجية "المنفتحة". غير أن انتخابات إيران الرئاسية في يونيو 2009، دفعت كلًا من طهران وأوباما إلى الترنح. كيف يمكن لأوباما أن يمد يده لنظام زوّر الانتخابات وقمَع المتظاهرين  بوحشية، والذي قادهم مرشح معارضة محترم؟ وبالإضافة إلى ذلك، كيف يستطيع إيجاد فرصة وحوار في إيران في خضم المواجهات الأكثر اتساعًا داخل الزعامة الإيرانية والتي تشبه المتاهة المبهمة منذ عام 1979؟

 إلا أن أوباما اتخذ القرار الصحيح بطريقتين. لم يلوِّح بإصبعه أمام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، لأنه يعرف جيدًا أن هذا لن يؤدي إلا إلى تعزيز موقفه المناهض للإمبريالية في الشارع الإيراني. ولكن أوباما استأنف أيضا الحوار النووي مع إيران في اللحظة الأولى المناسبة، وأعطى الضوء الأخضر لعقد اجتماع وجهًا لوجه بين مسئول وزارة الخارجية المخضرم وليام بيرنز وبين المفاوض الإيراني سعد جليلي.

ومع ذلك، فإن الكشف عن برنامج مفاعل نووي رئيسي ثالث، والإعلان عن أكثر من عشر منشآت نووية أخرى – والسابقة هي مصدر القلق لأن الأخيرة مُزحة – يحكم الآن خيارات وإمكانيات التعامل مع إيران أكثر من أي تحول في توجه أمريكي. وسوف يصبح أوباما متحفزًا لرد الفعل على مدى الأشهر المقبلة: وسيكون مستعدًا للقرارات الإيرانية، وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتلميحات الإسرائيلية. وربما يقرر الشعب الإيراني، والذي يواصل التحرك اليومي بينما يخترق المتظاهرون الحواجز في اشتباكات أوضح كل بضعة أشهر، لتغيير الديناميكية الداخلية التي تقف الآن عقبة في طريق الدبلوماسية الخارجية.

"أفغانستان- باكستان" أم "باكستان- أفغانستان"؟

من المرجح أن تلعب أفغانستان وباكستان الدور الأكبر في تحديد مدى نجاح أوباما في  فترة رئاسته وبقائه في البيت الأبيض لفترة ثانية. قضى أوباما عام 2008، في حملته الانتخابية، وعام 2009، كرئيس ليجعل جنوب ووسط آسيا حربه الشخصية. وفي عام 2010، سوف نشهد جميعًا على آثار إستراتيجياته التي اتبعها على مدى العام الماضي. وزاد عدد القوات الأمريكية في أفغانستان بمقدار 30،000 جندي، وبذلك يصبح مجموع قوات حلف شمال الأطلنطي (الناتو) أكثر من 100،000 فرد. فسوف تكون هذه القوات مطالبة خلال ثمانية عشر شهرًا بالتحديد بتحقيق تقدم ملحوظ في أفغانستان، والذي يقاس بتدريب قوات فاعلة من الأمن والشرطة الأفغانية، وطرد حركة طالبان خارج المراكز الحضرية الكبرى في جميع أنحاء البلاد، وإرساء حكم صحيح على مستوى المقاطعات والمناطق. وكل هذه الأهداف محفوفة بعقبات لا يمكن التغلب عليها تقريبًا. فلا يزال الجيش الوطني الأفغاني قوة بالية، ومليئًا بالتوترات العِرقية، ويعوقه ضعف التدريب والمعدات، والهروب المتكرر وارتفاع معدل ارتداد أفراده.

في الواقع، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان دعم مثل هذا المشروع "للأمن الأفغاني القومي" يصب في مصلحة أي أحد، بجانب عدم جدواه المحتملة. ويبدو أن الاختيار والشراكة مع المجتمع المحلي وميليشيات قبلية إستراتيجية أسلم بالنظر إلى التفكك الاجتماعي في المجتمع الأفغاني، والمهل الزمنية الضيقة التي تعمل قوات حلف شمال الأطلنطي في ظلها. وثانيا، فترة عامين ليست وقتًا طويلًا بالنسبة لحركة طالبان تنتظر خلالها في الجبال لأنها تدربت على القيام بهذا منذ عقود. وتستطيع طالبان أن تداهم المراكز الحضرية بعد انسحاب القوات الغربية مثلما فعلوا ذلك دون جهد داخل وحول حلف شمال الأطلنطي وتحت أعينهم في السنوات الأخيرة. ولا تزال الإستراتيجية بتعزيز الحكم المحلي السليم هي الأفضل، أملًا فى أن تولد قوة دافعة واستقرار سوف يقدره الأفغان بشكل كاف لدرجة أنهم سيطردون طالبان. ولكن نجاحه السريع ليس مضمونًا بأي حال مثلما تود إدارة أوباما والرأي العام الأمريكي.

 ثم هناك الرؤية "الباكستانية - الأفغانستانية"، وترى أن باكستان المسلحة نوويًّا، والمزدحمة بالسكان، وذات الموقع الإستراتيجي هي الأزمة الإقليمية الأكثر إلحاحًا. وبينما لن تلقى أية مكاسب في أفغانستان أي صدى غالبًا خارج المنطقة، فإن الفشل في باكستان ربما يحمل  انعكاسات عالمية. وكانت استجابة أمريكا لهذا الوضع إصدار تشريع "كيري- لوجار" والذي يقضي بتقديم 1.5 مليار دولار في صورة مساعدة سنوية غير عسكرية. إلا أن هذا التشريع للأسف يحمل الكثير من العيوب نفسها التي اتسمت بها المساعدات الأمريكية في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وهو إغداق الملايين من الدولارات على وزارات أفضل مهاراتها الاختباء والتبذير وسحب أموال بدلًا من استخدامها في تقديم خدمات للشعب. ويبدو أن حشد أكثر من 1000 موظف في السفارة الأمريكية في إسلام آباد تكملة قوية لهذا الاتجاه. ولكن هذا العدد قليل إذا احتاج أي من هؤلاء الموظفين في الخدمة الخارجية والأمن المعرفة المحلية اللازمة لبناء النفوذ داخل المؤسسة الباكستانية للتأكد من إنفاق المال بشكل صحيح.

 وهناك جانب إيجابي في عقْد المبعوث الخاص ريتشارد هولبروك، لاجتماع بين وزراء أفغان وباكستانيين في مجالات الاستخبارات ومراقبة الحدود، والاقتصاد، ولكن الحسابات الإستراتيجية الراسخة تواصل التفوق على أمال آمريكا. وترى باكستان أن انسحاب أمريكا من المنطقة وشيك، لتبرر سعيها الدائم وراء "عمق إستراتيجي" بأفغانستان الضعيفة بينما تروِّج أيضًا المخاوف من صراع مع الهند هناك. إلا أن النهج الإقليمي المهمل طويلا، والذي يشجع مشاريع التنمية الهندية والاستثمار الصيني في الموارد الطبيعية، وخطوط أنابيب الغاز الإيراني، هو الإستراتيجية الوحيدة التي يمكنها تضمين كلا البلدين في نسق إقليمي يتحمل الخروج العسكري الأمريكي الذي يلوح في الأفق. ولا يمكن احتلال المناطق المغلقة من مكان بعيد إلى الأبد.

 النظر إلى الوراء للتطلع إلى المستقبل

 تتحول كل منطقة جنوب غرب آسيا، والخليج وبحر العرب ومنطقة المحيط الهندي لتصبح مركز الثقل الجيوسياسي. ويتزايد في هذه المناطق وجود أمور مهمة مثل؛ انتشار الأسلحة النووية وأمن الطاقة والقرصنة، ونقاط التقاطع الرئيسية والتهديدات والمخاطر، والحلفاء، والخصوم، والقوى الاستعمارية والقوى الصاعدة.

كل هذه الأوضاع تطرح سؤالًا مهمًا، ما مصير أمريكا في هذا الشرق الأوسط الكبير؟ ويتبادر إلى الذهن أسوأ سيناريو ولكنه ليس من تحليل العام الماضي، ولكنه يحمل تشابهًا قويًّا مع ما حدث منذ نصف قرن، وهو أزمة السويس عام 1956. حيث كانت بريطانيا وفرنسا وقتها تتشبثان في يأس بالنفوذ في منطقة تخلصت من الاستعمار، وردت الدولتان على تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر لقناة السويس بالتآمر مع إسرائيل لغزو شبه جزيرة سيناء، واستعادة السيطرة الأوروبية على عمليات القناة. وردت الولايات المتحدة بالتهديد بإغراق الجنيه الإسترليني. وحظرت المملكة العربية السعودية صادرات نفطها إلى بريطانيا وفرنسا، وبدأت الأمم المتحدة أولى عملياتها الكبرى لحفظ السلام في سيناء. وكانت العواقب طويلة الأمد؛ حيث تعرضت بريطانيا للإهانة ولم تظهر أبدًا مرة أخرى قوة عسكرية كبيرة خارج حدودها. كما فقدت فرنسا الثقة في حلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلنطي، وواصلت برنامجها الخاص بالأسلحة النووية (والذي أفاد إسرائيل فيما بعد)، ثم غيرت كندا، وهى الأقل شهرة، عَلَمها ليضع ورقة شجر القيقب كي تزيل أي رموز للتعاون مع الاستعمار البريطاني.

هل يمكن أن تجتمع كل العوامل مثل خطأ أمريكا في العراق، ووجودها العسكري الثقيل في المنطقة، وضعف مصداقيتها الدبلوماسية لتتحول إلى عاصفة مثالية تؤدي إلى طردها في نهاية المطاف؟ في حين تقدر دول الخليج الصغيرة مثل قطر والإمارات العربية المتحدة قيمة مظلة الأمن الأمريكي أمام إيران، فقد زادت المملكة العربية السعودية من تقربها من الهند والصين بوصفهما شريكين إستراتيجيين في قطاع الطاقة والقطاع العسكري. ولا يوجد بديل فوري للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولكن معظم الناس في المنطقة تفضل التخبط في شئونها الخاصة بدلا من البقاء تحت أنظار أمريكا. ويقدم لنا العام الأول لأوباما في الحكم مجرد أمل ضعيف في أن يغير هذه الرؤية -- بل هو أمر مرغوب أن يقوم بذلك.

باراج خانا- مدير مبادرة الحكم العالمي وباحث قديم في برنامج الإستراتيجية الأمريكية في مؤسسة أمريكا الجديدة. وهو مؤلف كتاب "العالم الثاني: الإمبراطوريات والتأثير في النظام العالمي الجديد".

font change