الشباب الخليجي مازال متمسكًا بمبادئه وخصوصيته التي تميزه عن غيره

الشباب الخليجي مازال متمسكًا بمبادئه وخصوصيته التي تميزه عن غيره


يعتقد كثيرون أن هوية الشاب الخليجي في مهب الريح، يرجع ذلك إلى التحديات الكثيرة في عالم تسوده المتغيرات السريعة وسط مجتمعات متنوعة الثقافات والأجناس، بسبب الخليط البشري الذي تشكَّل عبر السنين في هذا الجزء من العالم، بفعل أفواج العمالة التي جاءت لتسهم في بناء وتعمير هذه الأرض.


غير أن الشاب الخليجي بالرغم من كل ذلك يعي تمامًا بل ويفتخر بأنه ينتمي إلى مجتمع عربي إسلامي منذ فجر التاريخ، وأن ذلك أمر راسخ في جذور هذه الأرض وسيبقى كذلك، وهو يعي تماما أن ما يجري اليوم هو؛ تغيرات عالمية، وبالتالي تحديات عالمية، تحدي الديمقراطية تحدٍ حقيقي، وتحدي حقوق الإنسان تحدٍ حقيقي، مشاركة المرأة في التنمية والسياسة تحدٍ حقيقي، ولذلك نجد الواقع يكشف لنا أيضًا أن الشاب الخليجي حصل على نصيبه من العلم لدرجة تمكنه من مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها بل وفي كثير من الأحيان فرْض ثقافته وهويته الوطنية.


فالشباب في الإمارات مثلاً يعيش في مجتمع منفتح إلى أبعد الحدود، لكن غالبية الشباب هنا تحصنوا بالعلم وتمرسوا في الإدارة والقيادة الحديثة، لدرجة أنهم أصبحوا خبراء في مجالات مختلفة، ومكنتهم وسائل الاتصال الحديثة من نقل خبراتهم إلى الدول المجاورة، أذكر على سبيل المثال، أولئك الشباب الإماراتيين الذين أسهموا في بناء المناطق الحرة في الهند والأردن، أو أولئك الذين يديرون شركات إماراتية خارج حدود الوطن، كالشبان التنفيذيين الذين يديرون شركات تابعة لمؤسسة الإمارات للاتصالات التي تدير سبع عشرة سوقًا خارج دولة الإمارات، وكذلك الحال مع شركة دبي العالمية؛ العملاق الذي تمتد أذرعه لتدير موانئ تلتف حول الكرة الأرضية، وصولًا إلى مدراء المحطات في طيران الإمارات أو طيران الاتحاد.


هذا جانب، ويتمثل الجانب الآخر في مدى تمسُّك الشاب الخليجي بمبادئه وهويته الثقافية وخصوصيته التي تميزه عن غيره من الأشقاء العرب، وهذا الجانب مرتبط بما سبق، فقد تمكن الشاب الخليجي إلى حد ما من الحفاظ على الهوية الثقافية العربية، ونجح في الصمود وعدم الانسياق وراء العولمة ووراء الثقافة الأمريكية العابرة للقارات، تجد هنا في الإمارات أفواجًا من الشبان الذين سافروا ودرسوا في الولايات المتحدة وفي دول أوروبا الغربية، تمكنوا من الاحتفاظ بخصوصية عاداتهم وتقاليدهم حتى وهم في الغربة، وتجدهم عندما يعودون أشد تمسُّكًا بهويتهم الثقافية خصوصًا مع وجود برامج وطنية تعزز هذه الهوية والتمسك بها.


لكن الحفاظ على الهوية ليس هو التحدي الحقيقي، فالتحدي هو في التغيرات الديموغرافية التي ترافقها بالضرورة تغيرات في البيئة الثقافية، ولذلك تجد اليوم كثيرًا من الشباب في سعيه إلى مواكبة الموضة يتخلى عن لغته الأم وعن لباسه الوطني وإن كان ذلك بشكل مؤقت، غير أننا في عالم التحولات العالمية الكبرى ونحن جزء من العالم ولسنا مختلفين عن بقية الشعوب، ففي فرنسا على سبيل المثال يوجد نحو خمسة ملايين مسلم من المغاربة، لا شك أنهم سيُحْدِثون تحولات كبيرة في الثقافة الفرنسية، ولندن قبل سنوات كانت تتحول الي مدينة كئيبة مظلمة بعد السادسة مساء، لأن الجميع يذهبون إلى منازلهم وتُغلق المحال أبوابها، غير أنها تغيرت اليوم بالكامل فتجد الحياة تستمر إلى ما بعد منتصف الليل، وخصوصًا في الشوارع التي يرتادها العرب أو المهاجرون الآسيويون، إن ذلك تغير ثقافي في البيئة الموجودة، وهذا أيضًا قد نجده في ولاية فلوريدا الأمريكية التي تجد الناس فيها يتحدثون الأسبانية، فمسألة التغيرات الثقافية والتحديات التي تواجه الهوية الثقافية مسألة عالمية لا يمكن تجاهلها.


ويعيدنا ذلك إلى الحديث عن العولمة، والسؤال الدائم الذي يتبعها هل يجب أن نخاف من العولمة أم يجب أن نتبناها ونسهم فيها؟ وهنا يجب أن نتذكر أن الدولة العباسية هي أول من عوْلم الثقافة في ذلك الوقت، حينما كانت تستقطب جميع الثقافات وتتبناها لتخرجها بعد تطويرها والمساهمة فيها وتطعيمها بالعلوم وبالثقافة والهوية العربية الإسلامية، وتقدمها كإنتاج فكري وثقافي عربي والشواهد التاريخية تشهد على ذلك.


هنا في الإمارات في أبو ظبي مثلًا أو دبي، تجد خليطًا من الثقافات يندمج بالثقافة المحلية ليخرج للعالم بصورة حديثة وعصرية، وهنا مربط الفرس، فلا يجب أن نبقى جامدين لتلقي كل ما يَرِد إلينا من ثقافات العالم دون أن نقدم مساهمة تذكر.


أبسط الأمثلة؛ أن "اليولة" وهي رقصة محلية قديمة وشعبية ترمز إلى الشجاعة وإلى الحرب، تمكنت خلال السنوات الماضية من الاستفادة من العولمة لتنطلق في فضاء الإعلام المرئي، متجاوزة الحدود فتجد مَن يتعلمها مِن غير الإماراتيين




                                       




 كاتب بجريدة "الاتحاد" الإماراتية

font change