طارق يوسف؛ عميد كلية دبي للإدارة الحكومية، والمدير المساعد لمبادرة شباب الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز في واشنطن العاصمة

طارق يوسف؛ عميد كلية دبي للإدارة الحكومية، والمدير المساعد لمبادرة شباب الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز في واشنطن العاصمة

[escenic_image id="5513443"]

طارق يوسف؛ أحد العقول الاقتصادية الشابة الرائدة في منطقة الشرق الأوسط. فهو عميد كلية دبي للإدارة الحكومية، كما أنه يعمل أيضًا في جامعة جورج تاون بكلية كيندي للإدارة الحكومية ومعهد بروكنجز، متخصص في الاقتصاد التنموي والتاريخ الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط، وله الكثير من الكتابات حول التأثير الإقليمي للركود الاقتصادي. وهو أيضًا اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما عمل مستشارًا للأمم المتحدة لمشروع الألفية.  وقد تحدث إلى "المجلة"، على هامش مؤتمر حول أثر التباطؤ الاقتصادي العالمي على سوق العمل وسياسات التعليم في منطقة الشرق الأوسط.

المجلة : كيف يبدو الشرق الأوسط بعد الأزمة؟

أخشى ألا يحدث تغيير كبير وأن تظل الأوضاع في الشرق الأوسط على ما هي عليه. فمن غير المحتمل أن تحدث أي تغيرات جذرية في منطقة الشرق الأوسط.

المجلة: لماذا تقول ذلك؟

لأن جميع القوى المسئولة عن إدارة هذه الأزمة لن تفعل شيئًا سوى تعزيز الوضع الراهن في الشرق الأوسط. فهي قوى موالية لحكومات المنطقة، إلى حد كبير، ولا تؤمن بسياسات السوق والليبرالية في الفكر الاقتصادي والسياسي. وقد كان من نتائج هذه الأزمة زيادة حجم الدور الذي تلعبه الدولة، وهو بالفعل ما يجب على حكومات الشرق الأوسط أن تفعله لكي تشرع في حل الأزمة. في الواقع، إذا ما اشتدت الأزمة، وازداد الركود الاقتصادي سوءًا، فسوف تكون هناك مطالبة بالمزيد من تدخل الدولة.

المجلة: لا يبدو أنك متفائل؟

كل شيء يتوقف في النهاية على طبيعة الهدف المطلوب تحقيقه. فالنموذج الليبرالي في السياسة والاقتصاد لم يحظَ بالقبول في العديد من بلدان الشرق الأوسط، التي ترزخ الآن تحت ضغوط هائلة.  ومن الممكن أن تتعرض دول المنطقة لأضرار بالغة إذا ما تفاقمت الأزمة، وأود أن أؤكد أن هذه النظرة نظرة واقعية للأمور، ولكنها لا تعني أن الأوضاع لن تتغير.

المجلة : وماذا تتوقع أن يحدث لسوق العمل في الشرق الأوسط؟

هذا يتوقف على عدة أشياء. فمشكلات البطالة المتفاقمة تتطلب التزامات سياسية واقتصادية من أجل حلها. كما لم يتمكن النموذج المناهض لسياسات السوق والعولمة من تحقيق النتائج المرجوة منه. وبالرغم من أن أسعار النفط قد ساعدت هذا النموذج على البقاء حتى الآن، فإنه لن يفلح في تجنب موجة العولمة لوقت طويل. وقد تؤول الأمور في النهاية إلى حدوث ارتفاع في معدلات البطالة، ووجود أشخاص يعملون في وظائف متواضعة، بالإضافة إلى وجود وظائف منخفضة الجودة، ومزيد من النشاط غير الرسمي، وانتشار الفقر في بعض المناطق.

المجلة: هل تتوقع مزيدًا من عدم الاستقرار السياسي الناتج عن ضعف سوق العمل؟

ضعف سوق العمل لن يؤثر بالضرورة على الحكومات. فالمسألة ليست سوى عدم إدارة الاقتصاد بالشكل الأمثل.

المجلة: كيف ترى جهود بلدان مجلس التعاون الخليجي في هذا الصدد؟

بلدان مجلس التعاون الخليجي تعاني من مشكلة مختلفة. فحكومات هذه الدول تعمل بنجاح على حل المشكلات الأساسية. وباستثناء بعض الدول القليلة، أعطت دول مجلس التعاون الخليجي الأولوية لحل مشكلات التعليم والتوظيف. ولكن مشكلة دول مجلس التعاون الخليجي هي نقص الأيدي العاملة اللازمة لإنجاز مشروعاتهم الكبرى. ويساورني شعور كبير بالقلق بشأن الدول التي تعانى من مستوى عالٍ من البطالة، ومن التدخل الكبير من جانب حكوماتها، ومن انعدام وجود رؤية على المدى البعيد، ومن ضعف سكانها الذي يجعلهم عرضة للوقوع تحت خط الفقر، مثل مصر والجزائر والمغرب.

المجلة: ولكن التعليم والبطالة ليستا مشكلتين معزولتين عن بعضهما البعض. فقد طرأ تحسن كبير على النظام التعليمي في إيران على سبيل المثال، ولكن إيران لا تزال لديها مع ذلك واحد من أعلى معدلات البطالة في المنطقة.

هذا صحيح. فإيران دولة يقوم اقتصادها على التدخل الحكومي. وبالتالي فإن أوضاعها في الوقت الراهن ليست مواتية لجذب رءوس الأموال التي من شأنها أن تكون مكملة للموارد البشرية الضخمة الموجودة بها. كما أنه ليس من السهل أيضًا على الإيرانيين أن يتحركوا بحرية. فحكومات دول الخليج لا ترحب بتنامي النفوذ الإيراني.

المجلة: دول مجلس التعاون الخليجي، لاتتمتع أيضًا بما يمكن تسميته بالسوق الحر؟

أتفق معكم في ذلك. فالدور الذي تلعبه الحكومة في دول مجلس التعاون الخليجي وبقية العالم العربي كبير جدًا. ولكن الفرق الحاسم والأساسي بين حكومات مجلس التعاون وبين بقية العالم العربي هو أن حكومات العالم العربي تتدخل بشكل سافر يعوق النشاط الاقتصادي في بعض الأحيان. فهي تتدخل بشكل كبير وتضع الكثير من القوانين والإجراءات. أما في منطقة الخليج فالوضع على النقيض من ذلك. فبالرغم من وجود حكومات كبيرة فيها، فإن من يقودون هذه الحكومات يميلون إلى تسهيل الأمور أمام رجال الأعمال والمستثمرين للقيام بأنشطتهم الاقتصادية. أو بطريقة أخرى، يمكننا القول بأن دول الخليج تتعاطف مع رجال الأعمال والمستثمرين وتخطب ودهم، بينما تحاول الدول العربية الأخرى خارج منطقة الخليج افتراسهم. ومن ثم يخشى رجال الأعمال

و المستثمرون التعامل معهم. ولكن دول الخليج تضع في اعتبارها مصلحة القطاع الخاص، حتى في أثناء قيامها بمسئولياتها العامة الجسيمة. وأنا أحييهم على ذلك!

المجلة: وما علاقة ذلك بمشكلة التوظيف؟

القطاع الخاص عبارة عن ماكينة لخلق الوظائف، خاصة إذا كان النظام التعليمي قادرًا على توفير خريجين أكفاء يمكن الاعتماد عليهم. والقضايا التي تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى إيجاد حل لها ليست قضايا معقدة، كما هو الحال في الجزائر أو مصر، والتي لا تلعب الدولة فيها دورًا واضحًا.

المجلة: ولكن هل النظام مستقر في منطقة الخليج فيما يتعلق بمعدل النمو السكاني؟

في دول الخليج لا نجد ما يكفي من المواطنين لشغل الوظائف المتوفرة، فهناك تنافس بين الجميع على توظيف المواطنين، بالرغم من أن جميع المواطنين ليسوا كلهم مؤهلين. وإذا استمرت هذه الاقتصادات في النمو، فإنها ستخلق فرص عمل كافية لجميع المواطنين. كما تعني التنمية الاقتصادية أيضًا خفض معدل النمو السكاني في منطقة الخليج. ويؤدي التعليم إلى تغيير الكثير من الأمور. فالناس الآن يريدون أن تكون لهم وظائف، ولم يعودوا يرغبون في مجرد البقاء في المنزل. والكثير من النساء في منطقة الخليج أصبحن مشغولات بمستقبلهن المهني، ولم تعد أسرهن تشغل جل اهتمامهن كما كان الحال عليه في الماضي.

المجلة: سمعنا عن الفرص التي تظهر في أوقات الأزمات. فهل ترى أن هناك حكومات قد حاولت الاستفادة من هذا الركود الشديد للاستعداد للمستقبل، لا سيما فيما يتعلق بخلق فرص عمل جديدة؟

لا أعتقد أن أي بلد قد تمكن من استغلال فرصة الركود الحالي. فالجميع لم يفعل أكثر من محاولة الخروج من الأزمة، من خلال اتخاذ بعض التدابير، وتوفير حزم من الحوافز الاقتصادية. ولم يفكر أحد في استغلال الفرصة قط. ولكن ربما كانت أبوظبي هي الاستثناء الوحيد، حيث إنها كانت الأقل انكشافًا وكانت لا تزال في مرحلة بناء طموحاتها.

 المجلة: وبماذا تنصح حكومات الشرق الأوسط أن تفعل؟

يمكننا تحديد بعض الإصلاحات السياسية العامة التي ينبغي على جميع البلدان في المنطقة أن تتبعها من أجل تخفيف وطأة البطالة بين الشباب. فعلى المستوى العام، تشمل الإصلاحات اللازمة تحديث أنظمة التعليم حتى يتمكن الطلاب من اكتساب المهارات الملائمة، وتوسيع القطاع الخاص حتى يتمكن من القيام بدوره كآلة لخلق فرص العمل من خلال تسهيل الإجراءات اللازمة لممارسة الأعمال التجارية، وإصلاح قوانين العمل لزيادة مرونة صاحب العمل فيما يتعلق بالتوظيف والفصل من العمل، والتقليل من جاذبية التوظيف في القطاع العام.

وبالطبع فإنه ليس من السهل أو من الممكن من الناحية السياسية في كثير من الأحيان تنفيذ بعض جوانب هذه الإصلاحات واسعة النطاق.  وعلاوة على ذلك، فإن تنفيذها سيستغرق وقتًا طويلًا. وبالنظر إلى حجم مشكلة البطالة في أوساط الشباب والآثار الخطيرة التي يحدثها التباطؤ الاقتصادي العالمي فليس بوسعنا تحمل مثل هذا الوقت الطويل.

المجلة: هل يمكنك أن تعطينا بعض التوصيات التي تتعلق بتنفيذ سياسات محددة؟

إصلاح سياسات التوظيف في القطاع العام، وتوفير الحماية الاجتماعية لجميع العاملين، وإصلاح سياسات القبول الجامعي، والاستثمار في رفع مستوى العمل التطوعي والبرامج التعليمية، ورفع قيمة العمل غير الرسمي، وتوسيع خطط التدريب المهني بعناية شديدة.

ولا يمكن مواجهة تحدٍ بهذا الحجم إلا من خلال مزيد من التعاون بين البلدان بشأن السياسات والبرامج الشبابية. وهذا يعني زيادة في الاستثمارات الموجهة للشباب وتحديدها بناء على المعرفة المستندة إلى الأدلة، وتحسين البيئة المؤسسية للشباب في وقت يعيش فيه الشرق الأوسط في خضم بيئة اقتصادية عالمية لا يمكن التنبؤ بها.


أجرى المقابلة أندريس كالا - صحفي ومحلل سياسي يقيم بمدريد ومتخصص في السياسة الشرق أوسطية والسياسة الأوروبية، فضلًا عن اهتمامه بقضايا الطاقة العالمية.

font change